x

إبراهيم الجارحي تمثيلية محلب إبراهيم الجارحي الأحد 14-06-2015 21:11


«وارتدى الخليفة العادل ملابس العامة، وخرج إلى الشوارع ليتفقد أحوال الرعية، وبينما هو يمشى فى الطريق رأى امرأة فقيرة يبدو عليها الضعف وتنضح على وجهها أمارات الحاجة، فسألها عما بها، فقالت إن تاجرا جشعا استغل ضعفها وسرق تجارتها، فلما سمع الخليفة العادل هذا الكلام ذهب إلى التاجر الجشع، وطالب للمرأة بحقها، فلما أنكر عليه التاجر الشرير ذلك كشف الخليفة عن هويته، وأصاب الفزع التاجر ورجاله الأشرار، واقتص الخليفة للمرأة وأمر بحبس التاجر ومصادرة أمواله، وبعدها انتشر العدل فى البلاد، ولم يعد هناك جشع ولا ظلم ولا فقراء».

من يصدق الرواية السابقة بصورتها، ومن يعتقد أن ما فعله هذا الخليفة يحقق العدل حقا، يمكن أن يصدق أن الزيارات المفاجئة التى يقوم بها رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب إلى مواقع الأعمال والمصانع والمستشفيات يمكن أن تحقق الانضباط الإدارى حقا!

وهو ذاته من سيصدق أن فصل مدير معهد القلب أو مدير معهد ثيودور بلهارس من العمل سيؤدى إلى إصلاح حال مئات المستشفيات العامة المتهالكة، ويعيد بناء آلاف الوحدات الصحية التى لا تؤدى واحدا على مئة من دورها المطلوب، ويريح حال الأطباء الذين يشكون من سوء الخدمات أكثر مما يشكو المرضى ويعانون الأمرين فى ريادة هذه المنظومة الصحية الخربة من أدناها المقفر إلى أعلاها المقتر.

والمتابع الجيد لأنشطة محلب سيلاحظ بسهولة أن الرجل يعمل فى إطار خطة مدروسة للعلاقات العامة والدعاية الإيجابية، وسيلاحظ أن زيارات محلب المفاجئة ووجوده الدائم فى أماكن العمل جزء من هذه الخطة التى تهدف إلى تصويره على أنه «الرجل الذى لا يكل عن العمل».

ولمن لا يعلم، فإن خطط العلاقات العامة التنفيذية توضع بعد تحديد الجمهور المستهدف من هذه الخطط، وهذه دائما أسهل طريقة لمعرفة ما هو حقيقى وما هو مصطنع لغرض العلاقات العامة.. وفى حالة محلب الذى يرأس مجلس الوزراء بتعيين من الرئيس ودون انتخابات ودون أى قاعدة شعبية أو حزبية، فإن الجمهور المستهدف من حملته شخص واحد فقط هو الرئيس عبدالفتاح السيسى.. ملخص مشروع العلاقات العامة لمحلب هو أن يرى السيسى أن محلب يتفانى فى عمله ولا يستريح لمنصب رسمى وراء مكتب.

ولأننا غرقنا تاريخيا فى أساطير الحاكم العادل الذى ينزل من قصره ليتفقد أحوال الرعية ويقيم العدل بنفسه، ما زالت تخدعنا الزيارات الميدانية المفاجئة لكبار المسؤولين، وننسى أن دور كبار المسؤولين أكبر من مراقبة موقع حفر أو بناء أو التفتيش على مستشفى أو منفذ للسلع الاستهلاكية.

دور رئيس الوزراء الذى يجب أن يقيم ويحاسب عليه هو المستوى العام للخدمات الصحية فى مصر كلها، لا فى معهد القلب أو ثيودور بلهارس، ويوم عمله الذى ضيعه فى هذا الشو الدعائى كان يجب أن ينصرف إلى توجيه وزير الصحة إلى فرض حملة تفتيش شاملة على المستشفيات فى مصر كلها، على أن يقوم بها المفتشون الصحيون الذين يأتى التفتيش المفاجئ على المنشآت الصحية على رأس مهامهم الوظيفية.

وزير الدفاع لا يفترض أن يمسك بندقية ويقاتل بيده، فدوره الاستراتيجى كمسؤول عن الجيش أهم وأولى، ووزير الداخلية لا يفترض أن يطارد نشالا فى الشارع، لأن دوره الاستراتيجى كمسؤول عن أمن البلاد أهم وأولى، ووزير الصحة لا يفترض أن ينزل إلى وحدة صحية ليحقن دواء أو يقيس الضغط والسكر، فدوره الاستراتيجى كمسؤول عن كل المستشفيات وكل الوحدات الصحية أهم وأولى.. ولو نزل أى منهم من درجة مسؤوليته الاستراتيجية إلى هذه الدرجة فهدفه واضح ومكشوف.

وإذا كنا نستبعد ذلك على الوزراء فكيف برئيس مجلس الوزراء الذى قرر أن يقوم بنفسه بدور مفتش الصحة؟

وخارج دائرة العلاقات العامة التى تحترف وسائل التلميع وتجيد اللعب على مشاعر الجمهور المستهدف، فما قام به محلب عمل عديم القيمة إداريا، ولن ينتج ذرة تحسن فى الخدمات الصحية فى مصر، ورئيس الوزراء يعرف هذا جيدا، ويعرف مقدار المنصرف للصحة من ميزانية الدولة، ويعرف أن هذا المنصرف لا يكفى الحد الأدنى للخدمة، ويعرف أنه لم يقدم هو وحكومته أى جديد لهذا القطاع، ويعرف أنه - كرئيس للوزراء هذا عمله - لم يقم بواجبه الاستراتيجى تجاهه، واكتفى بتغطية الكارثة الصحية التى تضرب مصر كلها بزيارة دعائية مفاجئة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية