أعتبر نفسى محظوظاً على المستوى المهنى مرتين.. الأولى: لأنى بدأت صحفياً في «الوفد» وأحد مؤسسيها.. وكانت الصحيفة التي هددت عروش السلاطين.. تتبعت الحكومات وفضحت الفساد.. وكان القراء ينتظرونها فور صدورها، ولا ينتظرون حتى الصباح.. الثانية: لأنى أكتب في «المصرى اليوم».. وهى رأس الحربة التي أسقطت نظامين مستبدّين.. وكانت الصحيفة التي دقت «الإنذار» وحملها الثوار في الميدان!
وحين تُفتش عن سر نجاح «المصرى اليوم» لن تعثر على سر واحد.. فقد اجتمعت لها جملة من الأسرار، لم تتوافر لصحيفة مثلها، في وقت واحد، كما توافر ذلك لها.. تستطيع أنت أن تخمن أنه الإدارة والانضباط.. وتستطيع أن تقول إنهم شباب المحررين فيها.. أو تتحدث عن المهنية والاحترافية، والتدريب المستمر.. لكنك لن تتجاهل دور صلاح دياب الأب المؤسس.. إنه يشبه دور فؤاد سراج الدين في «الوفد»!
أكتب الآن شهادتى في عيد «المصرى اليوم».. أسترجع الأشياء والذكريات.. أشعر بنوع من الحظ والراحة.. فقد عملت مع سراج الدين ذات يوم.. كان ظهراً وسنداً للوفديين والصحفيين معاً.. واليوم أتعامل مع صلاح دياب، هو أيضاً ظهر وسند.. يدعم الفكرة ولا يشكل قيداً على محرر أو كاتب.. الاسم هنا له قيمة.. العلامة التجارية.. استفاد الوفديون من اسم سراج الدين.. واستفادت «المصرى اليوم» من اسم «دياب»!
سر النجاح لا يكمن فقط في إطلاق الطاقات، ولا في قدرة فريق العمل على الإبداع.. سر النجاح في الإحساس بالدفء.. الإحساس بالحميمية.. مما ينعكس في النهاية على المنتج النهائى.. تتذوق طعمه، ولا تعرف السر في الحكاية.. إيه سر الخلطة؟.. لا أحد يجد سبباً واحداً.. في «المصرى اليوم» جملة أسباب وأسرار.. تكتشفها كل يوم.. ليس أولها طبيعة المؤسسين.. وليس آخرها فريق العمل، أو كتّاب الصحيفة!
عندما أتحدث عن المؤسسين، فأنت أمام أسماء صنعت تاريخاً في مجالها.. من أول نجيب ساويرس، إلى أحمد بهجت، مروراً بصانع الصحف هشام قاسم.. ويكفى أن تكتب أسماءهم، دون ألقاب أو تعريفات.. فكيف إذا اجتمعت هذه الأسماء لتنتج صحيفة واحدة؟.. تعطيها الظهر والسند والقوة.. وعندما أتحدث عن رؤساء تحريرها، فكلهم نجوم لامعة.. أما الشباب فهم الذين صنعوا مجدها فعلاً، وأعطوها من أعمارهم!
خلطة «المصرى اليوم» ستبقى موضع دراسة الأكاديميين.. فلا هي تتعلق بالأخبار وحدها، ولا بالتحقيقات وحدها.. ولا تتعلق بأعمدة الكتاب وحدهم، ولا بكاريكاتير الرسامين جميعهم.. هي كل هؤلاء معاً.. أهم شىء هو شعورك بالحرية والاستقلال.. اكتب ما شئت.. انتقد الرئيس أو أيّده.. شجّع الوزير، أو طالب برحيله.. لا يمنعك أحد ولا يحذف لك حرفاً.. لا مانع أبداً.. هذه هي الليبرالية التي شكك فيها المشككون!
هذه شهادتى.. كتبتها في أول مقال «الآن ألعب في المُنتخب».. شكرنى مجدى الجلاد.. ومازالت «المصرى اليوم» هي المنتخب.. منتخب الصحفيين، ومنتخب الكتاب والمؤسسين.. ذات مساء قال لى صلاح بك: «سنجعل الكتابة عندنا جائزة لمن يكتُب».. أنت أمام مدرسة لها اسمها، وناظرها، وتلاميذها، ومريدوها.. شكراً صلاح دياب!