x

اخبار هل هو إسقاط الدستور وقتل السياسة؟ اخبار الخميس 11-06-2015 21:41


عمرو صلاح _ يكتب:

لم يفترض أحد ممن هم محسوبون على التيار الديمقراطى داخل لجنة الخمسين، التى وضعت الدستور المصرى الجديد، أن ما يعملون عليه سوف يكون مرحباً به بالضرورة، كانت الشكوك تزداد كلما كان هناك مكسب فى صياغة الدستور يصب لصالح الحقوق والحريات والديمقراطية. لكنهم وبعيداً عن النوايا الحسنة افترضوا حضور الحد الأدنى من المنطق والعقل فى إدارة المرحلة الجديدة، حتى وإن غاب المنطق أو العقل كان افتراض حضور السياسة، وحتى وإن غابت السياسة فلربما كانت العبرة من التاريخ القريب فى إدارة المرحلة الجديدة ستفرض نفسها، لكن عمليا هذا لم يحدث حتى الآن. فلا منطق أو سياسة أو حتى فهم للتاريخ.

ومن جانبهم، فلم يكن التاريخ المتجسد فى معاداة الحكام لكل دستور ديمقراطى غائبا عن هذا الجناح الإصلاحى داخل لجنة الخمسين، معاداة الملك فؤاد لدستور 1923، الذى اعتبره فى بداية حكمه منحة للشعب ثم استعان بإسماعيل صدقى للإطاحة به واستبداله بدستور القصر، والصراع الذى كان محتدماً طوال الوقت ما بين النحاس والملك فاروق على دستور 1923، الذى أعيد العمل به، ومسودة دستور 1954 التى لم ترق لعبدالناصر وانتهت بتحديد إقامة سليمان حافظ وضرب عبدالرازق السنهورى، أبرز رموز القانون المصرى، بالأحذية على سلم مجلس الدولة، ممن خرجوا يهتفون ضد الديمقراطية وفساد الأحزاب.

التاريخ كان حاضراً بنجاحه الجزئى بما حققه عدلى يكن وأحمد لطفى السيد ومحمد حسين هيكل (أعضاء لجنة الثلاثين فى عهد فؤاد) وإخفاقه التام بما فشل فى تحقيقه طه حسين والسنهورى (أعضاء لجنة الخمسين فى عهد عبدالناصر). كلها محاولات واحتمالات ومشاهد بسلبياتها وإيجابياتها لم تكن بعيدة أو مستبعدة بالمنطق التاريخى، فيما كان التصور حول معركة بالنقاط فى ظل صعود نزعات محافظة واحتمالات سقوط تهدد الدولة، والطموح فى مراكمة وتوسيع هامش ديمقراطى، والإبقاء على المجال العام مفتوحاً واكتساب ثقة دوائر أوسع من الجمهور لطالما اعتادت على انسحاب القوى الديمقراطية، ولطالما رأتها حناجر بلا فعل،

لم تمر سوى أشهر قليلة حتى بدت كراهية الدستور الجديد طاغية لا يمكن اخفاؤها، الحديث عن تعديلات دستورية تطال مواد نظام الحكم انتقلت من حالة الكتمان إلى المجال العام وأصبحت موضع نقاش التحالف الانتخابى الأبرز فى مصر. كل من يكره الديمقراطية أو لا يحبها حمل الرغبة نفسها، بدأت الحملات تطال الدستور الذى لم يجف حبره بعد، وكل كان له مقصده وهدفه، وكل من الكارهين صاغ حملته على طريقته ولهدف فى نفسه. وهكذا تحول الدستور الذى صيغ فى حضور وبمراجعة فقهاء المحكمة الدستورية الحاليين متناقضا ويشوبه العوار وغير صالح ويستهدف الترضيات!

هناك من أطلق حملته مدفوعاً برغبة فى محو أى منافس محتمل، عمرو موسى، هذا النجم الإصلاحى الصاعد الذى أعاد تقديم نفسه للناس بالدستور الجديد وأثبت قدرة- غائبة عبر سنوات- فى بناء التوافقات وإدارة الخلاف كما تقتضى السياسة حَرفا وحرفة، كان مطلوبا تحويل نجاحه إلى فشل، وإنجازه إلى إخفاق، كان مطلوبا أن يتوارى الرجل ويتحول مكتبه الذى كان مقصد المنتمين إلى تيارات مختلفة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار إلى بيت أشباح، وألا يفكر فى أن يكون زعيما لتيار إصلاحى أو فاعل فى برلمان جديد، أو أى دور حيوى آخر. أما مواد الحريات فى الدستور الجديد والتى لطالما ظلت غصة فى حلق من يفضلون الأمن بديلا للسياسة فكانت واقعا مزعجا، فهؤلاء لم يعتادوا العمل فى ظلها أو معها، هؤلاء الذين يستسهلون التعذيب بدلاً من الاستجواب، وتستيف القضايا بدلا من التحقيق فيها، والحبس الاحتياطى بدلاً من التحرى الدقيق، فيمحون كل ما يقدم من تضحيات ودماء تبذل فى مواجهة الإرهاب. وهكذا كلما تحركت من أسفل الهرم إلى أعلاه التقت الرغبات وتشابكت، بدءا ممن يتحدث بلا فهم مرورا بمن يقدم أوراق اعتماده للدولة ومؤسساتها وقائمتها المحتملة، انتهاء بمن يريد حكما بلا محاسبة وسلطة بلا رقابة وقرارات لا رد لها.

الرئيس وخلال عام لم يأت على ذكر الدستور إلا قليلا، وربما بالصدفة فى الداخل وعن قصد فى الخارج، تحدث الرئيس عن كل شىء فى خطبه وأحاديثه ولقاءاته واجتماعاته، فكان الدستور ساقطاً أو استثناء فى خطبه المكتوبة وأحاديثه المرتجلة، وترك مواده تنتهك كل يوم بشكل علنى.

لقد مر عام على حكم الرئيس، وعام ونصف على الدستور الجديد، ولا أعرف هل يدرك الرئيس أن هناك أزمة ما أم لا! أعتقد أنه يدرك لكن قناعاته وقلة حماسه للديمقراطية تجعله عاجزا عن رؤية أصل المشكلة. أما الحقيقة التى لا يدركها الرئيس وبعد عام من توليه السلطة أن التغلب على ما يهدد الدولة المصرية ليس بالأساس بما صنعه الرئيس ووثقه مكتبه فى تقرير «عام على حكم الرئيس» من آبار حفرت وأسلحة بيضاء نزعت وقضايا مخدرات تعاطى واتجار ضبطت ومزلقانات أغلقت، وتحديات أدرجها التقرير فى مقدمته لم تأت للسياسة بذكر أو إشارة!

التغلب على التهديد الرئيسى هنا يقتضى الإدراك ثم الحركة. إدراك أن هناك مشكلة لن يستقر معها أى حكم أو إدارة، طالما أن المشكلة متعلقة بأمور جوهرية تمس ألف باء حكم فى عام «2015» وبعد ثورتين، تمس وجود هذه الدولة وسياسة حكمها وآليتها وطريقة استيعابها للمتناقضات والمصالح والطموحات والأجيال والمساحات المتاحة للفاعلين فيه وحقوق المواطنين، غير ذلك ستظل آليات التعامل مع القضايا المختلفة بمثابة حركة على الهامش، وهذا الهامش بالرغم من أهميته لن يبقى الدولة على قيد الحياة، فقط ستتحرك بخطى ثابتة نحو المجهول الذى هو فى أغلب احتمالاته خطر داهم.

ونظرا لكون المساحات تتلاشى تدريجيا بعد عام على حكم الرئيس، والبرلمان مجهول مستقبله، تظل الكرة فى ملعب الرئيس الآن، هو من سيتحمل النتيجة وحده، هو من يتعلق فى رقبته مستقبل استقرار تلك الدولة وبقائها بوقف معاول الهدم التى تستهدف دستورها والسياسة فيها.. هو من عليه أن يدرك ويقرر الآن. إلى أين؟.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية