x

جمال الجمل مخاصمك يا سيسي! جمال الجمل الأربعاء 10-06-2015 22:46


عاتبني صديق يساري محترم: ألم يكن هناك فراق بينك وبين الرئيس بعد تعيين «الزند» وزيرا؟، لماذا أرجأت محاسبته، وخاطبته في مقالك السابق طالبا العدل والاهتمام بالناس؟! وعاتبني صديق يميني محترم، معتبرا انتقاداتي للنظام درجة من الجفاء غير المتوقع مني، بعد الدعم الذي أظهرته للسيسي منذ انتخابه! شككت في أمري، وفتحت مقالاتي على الأرشيف المتوفر على شبكة الإنترنت، وجلست أقرأ:

هذه سلسلة مقالات تؤكد رفضي لترشح السيسي، وبيان مخاطر ذلك عليه شخصياً، وعلى فرصة تحقيق توافق وطني واسع يعفي مصر من آفات البيروقراطية العتيقة التي صار البعض يسميها تجاوزا «الدولة العميقة».

وهذا مقال لتهنئته بتحمل مسؤولية الرئاسة، مع 3 مطالب أساسية يتقدمها الأمن، ثم تمكين الشباب، وتفكيك المركزية.

وهذا مقال منشور قبل أيام قليلة من أدائه اليمين الدستورية بعنوان «تطلعات مواطن سعيد للرئيس الجديد» قلت فيه بالحرف: إذا كان الوقت ضيقاً، والظروف لم تسمح للمرشح عبدالفتاح السيسي بتقديم برنامج لفترته الرئاسية، فليقدم لنا الآن ورقة توجهات، وتعهدات تضمن بناء دولة عصرية، لا تتراجع فيها الحريات ولا تتحول إلى فوضى، لا تستمر العشوائية ولا يتحول فيها التخطيط إلى شمولية، لا نعمل فيها لمجرد الحصول على لقمة العيش ولكن لنشعر أن العمل قيمة تتحقق بها إنسانيتنا وطموحاتنا، لا نعيش دوما تحت قيود الطوارئ وإجراءات الضرورة، بل نسترد حياتنا الطبيعية ونصبح في الجانب المتقدم من العالم الحر.
وفي المقال نفسه قلت ما أحب أن أؤكد استمراره: لتوضيح موقفي كمواطن مستقل أكرر ما أقوله وأفعله دوما: أنا لست مع أي رئيس، ولا ضد أي رئيس، أنا مع سياسات، وضد سياسات.

الرئيس بالنسبة لي مثل سائق المترو، ليست بيني وبينه علاقة شخصية، وخطابي معه ليس امتدادا لخطابي مع الزملاء أو الأصدقاء، بل هو خطاب سياسي يقوم على أدائه لمهمة عامة، هي مصدر الرضا أو الغضب بيننا، وبالتالي لا مجال بيننا لخصومة، والحديث عن الفراق ليس المقصود به خصاما، بل إشارة إلى افتراق سياسي في موقف، لا ينسحب بالضرورة على بقية قضايا الوطن، حتى تعبير العبد الصالح لسيدنا موسى لم يكن فراقا في العقيدة، بل كان فراقا في مهمة وتجربة، ولا يعني الفراق تكفير أحدهما.

نعم لدي غضب تجاه السيسي، واعتراضات على طريقة إدارته لبعض الملفات، ورؤيته لكثير من السياسات في الداخل، لكن هذا لا يعني أنني انقلبت على نظام 3 يوليو، لأن السيسي ليس النظام، السيسي هو الرجل القوي والمتحكم وصاحب القرار بحكم انتخابه، لكن كل مؤيد لمظاهرات 30 يونيو شريك أساسي في هذا النظام، ولديه مسؤولية تجاه دعمه، وبالتالي فإن أي نقد للسيسي ليس نقدا لموجة الثورة الثانية في 30 يونيو، بل هو تصحيح لها، وتوضيح لأهدافها، وحماية لها من الانحراف الذي أصاب توجهات ثورة يناير قبلها، كما أصاب توجهات ثورة يوليو قبلهما في أعقاب اتفاقية فض الاشتباك وإهدار ثمار حرب أكتوبر على موائد المفاوضات، وفي أروقة التبعية لواشنطن!

أيها الأعزاء في اليسار وفي اليمين، الرئيس ليس جاراً أشاحنه، ولا صديقاً أخاصمه، والفراق بيني وبينه موجود بشكل طبيعي في الواقع، فلم تكن بيننا يوما علاقة شخصية، وليس بيننا إلا الوطن والسياسة، نتفق في قرار، ونفترق في قرار، والخلاف مشروع طالما ظل داخل المسار، لكن حين نختلف في المسار فإن درجة «النقد» قد تصل إلى «النقض»، وهو ما لم يحدث بعد كما أوضحت من قبل، فما زالت حالة الشد والجذب مستمرة بين القديم المرفوض والجديد المنشود، ومازال الرئيس يفضل الإدارة البيروقراطية المراوغة على الإرادة الثورية الصريحة.

ربما تكون لديه حسابات وتوازنات وتخوفات يعمل حسابها كمسؤول وصاحب قرار، وأنا أتفهم ذلك، لكن هذه الحسابات (التي لا أعرفها) لا تعنيني كمواطن، كل ما يعنيني هو التمسك بأهداف الثورة، وأحلام المصريين في بناء وطن حر عزيز قوي.

لذلك يا أعزائي في اليسار وفي اليمين، لن أتوقف عن دعم الرئيس في أي قرار يتوافق مع مبادئ وأهداف الثورة ومع مصالح الجموع وخاصة بسطاء الشعب، ولن أتوقف عن نقده والاختلاف معه في أي قرار أو موقف يتعارض مع الثورة، أو يسمح باستمرار دولة التخلف والفساد والاحتكار، أما مخاصمة الرئيس، وتجنب مناقشة قراراته، فهذا أمر هزلي وغير واقعي في السياسة.

جمال الجمل
[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية