x

جمال الجمل وقفة حساب مع السيسى (1) جمال الجمل السبت 06-06-2015 21:17


اليوم يكمل الدكتور عبدالفتاح السيسى عامه الرئاسى الأول، فقد أدى اليمين الدستورية يوم الأحد 8 من يونيو 2014 بعد ثورة شعبية جارفة، وانتخابات كاسحة، عبرتا (الثورة والانتخابات معاً) عن بلوغ درجة الاستقطاب الاجتماعى والسياسى ذروة خطرها، كان لابد للجيش والأجهزة الأمنية أن تتدخل لحسمها قبل أن تنفلت إلى حرب أهلية دموية تشكل خطراً على المجتمع والدولة معاً.

لكن هل نجح التدخل الأمنى فى مهمته؟

السؤال صعب، وأعتقد أنه سيظل محلاً لخلاف طويل، لأنه سيظل مفتوحاً بلا إجابة حاسمة طوال الفترة الرئاسية الأولى على الأقل، وبالتالى فإن تقييم السيسى فى هذه الفترة سيظل أيضا محلاً للخلاف، فما بالنا بمحاولة تقييمه فى العام الأول؟!

لكن هذا لا يعنى أن نتوقف عن نقد وتقييم نظام 3 يوليو انتظاراً لنجاح محاولاته فى تمكين الدولة وإعادة ترتيب الأوضاع ضمن ما أعلن عنه تحت مسمى «خريطة المستقبل»، بل إن المعارضة مهما كانت قسوتها وجذريتها هى الضمانة الوحيدة لعدم انتقال جمهور المناصرين من «النقد» إلى «النقض».

صحيح أن جبهة 3 يوليو تعانى من مظاهر تفكك وتآكل وعدم رضا، وصحيح أن المسافات تتباعد بين ثورتى يناير ويونيو، فالأولى تنتمى إلى شعارات أمل كبير فى مستقبل حالم تزينه تطلعات جمهور يتوق للحرية والكرامة والعدل الاجتماعى، والثانية تتبناها ماكينات النظام القديم التى تسيطر على مجالات الاقتصاد والإعلام والأحزاب التقليدية، وصحيح أن السيسى يتراوح بين الثورتين مثل البندول، لكن العام الأول من حكمه لم يقدم إجابة قاطعة على موقفه السياسى، وبالتالى تأجلت دراما التحول من النقد إلى النقض، وظلت صيحات الغضب برغم تصاعدها واتساعها فى حدود الرغبة فى التصحيح والجذب نحو أهداف ثورة يناير، ولم تصل بعد إلى خصام الإطاحة، ربما لأن انهيار نظام 3 يوليو فى هذا التوقيت الحرج يضع البلاد فى ثقب سياسى أسود لا يمكن التنبؤ بمساراته.

فالدراسات السياسية استقرت منذ اغتيال السادات وحتى الآن على أن مصر تعيش تحت حكم ثنائية مخيفة بين قوتين (الإخوان والجيش)، فالأحزاب المدنية هشة وشكلية، والمجتمع المدنى تمزق بين التبعية للدولة فى الداخل والتبعية لجهات التمويل فى الخارج، ولما قامت ثورة يناير جرب الشعب الإخوان، لكن الزواج انتهى بخلع بائن بينونة كبرى، أظنه ضرب مستقبل مشروع الإسلام السياسى فى المنطقة لمدة قرن قادم على الأقل، وبالتالى آلت مصر إلى الطرف الثانى (الأقوى والأكثر امتلاكاً للأدوات والخبرة والمؤسسات).

لا أقصد أن مصر تعيش حالة قدرية، وعليها أن تقبل بالإذعان لمشروع أى طرف من الاثنين، لكننى أنبه إلى أن نجاح أى منهما يعتمد بالأساس على مدى استجابته وبلورته لمفاهيم الثورة التى قام بها الشعب، فلا أحد يستطيع أن يضلل كل الشعب كل الوقت، والقديم لا يمكن أن ينتصر على الجديد القادم بقوة المستقبل وشروط العصر، وأى ثورة تنجح بمقدار اقترابها من طموحات وأحلام من قاموا بها، وأى زعيم ثورى يجب ألا يكتفى بالاعتماد على مراكز قوى (مالية أو إعلامية أو عسكرية)، أو جماعات ضغط، أو الارتكاز على خطاب عاطفى لا تتبعه سياسات واضحة منحازة للقطاعات الواسعة من الشعب، والأهم أن تكون لدى الزعيم الثورى رؤية شاملة للمستقبل لا يعتمد فيها على عبقريته الفذة (كطبيب)، ولا عقله الملهم (لأن ربنا خلقه كده مثلا)، ولكن يجب أن تكون هذه الرؤية تجسيداً لمطالب وأمنيات الشعب، فالشعب هو القائد والمعلم (وإن لم يتسلم القيادة ولم يتيسر له أن يلقى الدروس)، والزعيم الحقيقى وحده هو الذى يفهم شعبه ويحترم رغباته، حتى وإن لم يتكلم ولم يطالب، فما بالنا بشعب نفد صبره وضاق صدره ولم يعد يكف عن الكلام والمطالبة بما يريد.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية