كاد الدخان الكثيف الذى أثير بشأن توجه وفد يضم إعلاميين، وفنانين، وشخصيات عامة إلى ألمانيا بالتزامن مع زيارة الرئيس السيسى، أن يخفى معالم الزيارة ويمحو آثارها. فقد أريد لأخبار هذا الوفد أن تطغى على ما تناوله الرئيس فى مباحثاته مع المستشارة الألمانية، وما أحرزه من نجاحات، أو على الأقل إحداث تراكم يقود لتحقيق نجاحات فى المستقبل القريب، وهذا تماماً ما يصب فى مصلحة الإخوان المسلمين وأنصارهم، فتوجيه الأضواء على الوفد ومن شارك فيه، وما نظمه من فعاليات يسهل مهمة صائدى الأخطاء ومختلقى الأزمات.
وأنا هنا لا أريد إعادة النقاش بشأن الوفد ومن شارك فيه وما نظمه من فعاليات، لكنى فقط أود الإشارة إلى ست ملاحظات:
الأولى: فى معرض الدفاع عن فكرة توجه وفد إلى ألمانيا لدعم الرئيس ومساندته شعبيا أثناء الزيارة، استعرض البعض ما تصور أنه معلومات مهمة بشأن وجود دعوات إخوانية لتنظيم تظاهرات أثناء زيارة الرئيس، وأن هذه الدعوات مدعومة ماليا وسياسيا من النظام التركى بما يحمله من ثقل شعبى فى أوساط الأتراك المقيمين فى ألمانيا، وبمنطق الدفاع عن الرئيس ضد «المؤامرة التركية الإخوانية» كان لابد من الرد عبر فعاليات شعبية. إلى هنا لا توجد مشكلة، ولكن المشكلة تكمن فى قوات الدعم الشعبى وتشكيلها، فإذا كانت «المؤامرة» استخدمت مواطنين مقيمين فى ألمانيا من معارضى السيسى فلماذا لا يكون الرد بذات الأسلوب وبحشد مواطنين مصريين من مؤيدى الرئيس ممن يقيمون فى ألمانيا أو حتى من دول أوروبية مجاورة؟ ساعتها ستكون الرسالة أقوى والرد أكثر إفحاماً.
ثانياً: إذا كان الهدف من تنظيم زيارة هذا الوفد هو الرد على مغالطات تضمنتها تصريحات رئيس البرلمان، وهى كذلك بالفعل، فكان لابد أن يكون الرد أيضا قويا وسريعا، وهنا نسجل أن رد الهيئة العامة للاستعلامات كان بطيئا وروتينيا، ونذكّر بما قاله السفير الألمانى بالقاهرة للوفد الإعلامى المصاحب للرئيس قبل الزيارة وقبل تصريحات رئيس البرلمان حين قال: إن مشكلة الألمان مع ما حدث فى مصر هو نقص المعلومات. فهل نحن فى حاجة لإشارات أوضح؟! كان لابد أن يكون الرد عبر آليات محددة تفند المزاعم وترد على المغالطات وتعترف بالأخطاء وتتعهد بتصحيحها، وتتحدث مع الألمان باللغة التى يفهمونها، لغة المعلومات والمنطق.
ثالثاً: أتصور أن إدارة أزمة من هذا النوع كانت كاشفة لعدم وجود تصور متكامل لكيفية الإفلات من الفخاخ التى دأب الإخوان ومن يدعمونهم على نصبها للسلطة فى مصر، وهى فخاخ رغم بساطتها إلا أنها فى كل مرة تحرز نقاطا وتسجل أهدافا، فيما يبقى رجال السلطة محشورين فى خانة الدفاع عن النفس ورد الفعل الذى غالبا ما يكون ارتجاليا ومرتبكا.
رابعاً: بالتأكيد لو كان من بين الوفد المصاحب للرئيس علماء من ذوى الثقل دولياً، ولو كان من بينهم أدباء ممن تُرجمت أعمالهم إلى اللغة الألمانية، ولو كان يضم فنانين ممن شاركوا فى مهرجان برلين السينمائى ونقشوا أسماءهم على شريط السينما العالمية، بالتأكيد لو كان من بينهم دبلوماسيون من ذوى الحضور الدولى، ورجال أعمال ممن لديهم شراكات مع الجانب الألمانى، بالتأكيد لكان التأثير أكبر، ولكان الرد أبلغ، ولكان رجال السلطة أفلتوا من فخاخ الإخوان وأنصارهم.
خامساً: انتهت الزيارة بنجاح، وبدا السيسى أقوى من أعدائه وأكثر حضوراً من أنصاره، فما بالنا لو كان هناك عقل مركزى يفكر ويدير الأمور بشكل مؤسسى.
سادساً: سيزور الرئيس السيسى بلداناً أخرى وسيسعى الإخوان ومن يدعمونهم لنصب فخاخ جديدة، فهل سيستفيد رجال السلطة من التجربة أم سيفيقون على استدعاء عاجل لترتيب عملية نقل جوى جديدة لدعم الرئيس؟
جدل التخلى عن الجنسية المصرية
جدل واسع أثاره ترحيل محمد سلطان إلى أمريكا بعد تنازله عن الجنسية المصرية، وهو ترحيل وإن كان يوافق نصاً قانونياً فهو يخالف قاعدة وطنية تشعر الناس بأن السبيل للإفلات من العقاب هو حمل جنسية دولة عظمى، وهو أمر لو تعلمون خطير.
وتحضرنى هنا قصة رواها لى أحد شيوخ الحركة اليسارية المصرية الأستاذ فاروق القاضى، يقول «القاضى»: بعد تورط عدد من اليهود فى مصر فى عمليات عدائية ضد البلاد بدعم صهيونى أُلقى القبض على عدد من اليهود المصريين وطُلب منهم توقيع تعهد بمغادرة البلاد مع تحديد البلد الذى سيرحل كل واحد منهم إليه كشرط للإفراج والخروج من السجن. يواصل «القاضى» روايته: ساعتها سأل رجال المباحث القيادى اليسارى يوسف درويش، والد المناضلة نولة درويش، وجد الفنانة بسمة، عن البلد الذى يريد أن يغادر إليه؟
فرد «درويش»: ولماذا أغادر مصر؟ فقال رجال المباحث: هذا هو شرط الإفراج عنك وخروجك من السجن، وهنا جاء رد يوسف درويش مزلزلاً: إذا كان هذا هو الشرط فأنا لا أريد مغادرة السجن، فهو أحب لى من أن أُجبر على مغادرة بلدى.
وحين علم الرئيس عبدالناصر بالواقعة أمر بالإفراج عنه، وقال: هذا الرجل وطنى مصرى أكثر منكم. وعاش يوسف درويش بعدها مناضلا وطنيا حتى رحل عاشقا لتراب بلاده.