أكد الدكتور طارق خليل، رئيس جامعة النيل، أن الجامعة تعرَّضت لإعصار «تسونامى» أثر بشكل كبير على مسيرتها العلمية، لكنها فى الوقت نفسه بدأت فى بناء نفسها واستعادة قوتها من جديد بعد مرور عام من استردادها مبانيها من مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، مؤكداً فى الوقت نفسه أن الجامعة ترحب بأى تعاون علمى مع «زويل» فى المستقبل، وإحداث تكامل بين مجالات العلوم وتكنولوجيا المعلومات. وقال «خليل»، فى حواره لـ«المصرى اليوم»، إن مستوى التعليم فى مصر لا يرضى أحداً، ولابد أن تبدأ الدولة فى اتجاهين موازيين لإصلاح التعليم، أحدهما من التنشئة والآخر فى تطوير ما هو قائم، مشدداً على ضرورة إعادة النظر فى مجانية التعليم، ولابد أن تكون بناءً على معايير محددة وواضحة وليست مجانية مطلقة، قائلاً: «الدولة غير قادرة على تمويل تعليم متميز». وشدد على أن نظام القبول فى الجامعات الذى يعتمد على مكتب التنسيق ومجموع الطالب فى الثانوية العامة لابد أن يتغير، لأنه يتجاهل القدرات الشخصية للطالب، كما أن التعليم المفتوح بنظامه الحالى أثبت فشله، ولابد من التوجه للتعليم الإلكترونى، مشيراً إلى أن الجامعات الخاصة بدأت بالمستثمرين، وكان طبيعياً البحث عن هامش من الربح، وأنه على الدولة الاهتمام والتوسع فى المدارس والجامعات الأهلية.
■ كيف ترى مرور عام على تسلم جامعة النيل مبانيها من مدينة زويل؟
- نحاول الآن إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح بعد 4 سنوات كبيسة، فما تعرضنا له خلال نزاعنا مع مدينة زويل العلمية حتى استردادنا مبانينا يشبه إعصار تسونامى، لكننا بدأنا فى استعادة عافيتنا مرة أخرى منذ السنة الماضية، وبالفعل انتهينا من أشياء كثيرة، وننظر لمستقبل أفضل، ولا نلتفت إلى الماضى.
■ هل تأثرت الجامعة بما وصفته بـ «تسونامى» خاصة من الجانب المالى؟
- طبعاً تأثرنا بشدة، فهناك أشياء كثيرة استُهلكت، حتى البشر، وفقدنا عدداً من أعمدة جامعة النيل الأساسية فى البحث العلمى خلال هذه المرحلة، بالإضافة إلى الدكتور عبدالعزيز حجازى الذى كان مسانداً لمصر كلها وليس جامعة النيل، لكن على الرغم من ذلك بدأنا فى إعادة الشباب، والباحثين المميزين من الجامعات العالمية، ومنهم الدكتور هشام الجمل، نائباً لرئيس الجامعة لشؤون الأبحاث، قادماً من جامعة «هاواى ستيت» الأمريكية، وحاصل على جوائز عالمية عديدة، وبدأنا أيضاً استعادة الهيكل الإدارى للجامعة، والهيكل التنظيمى للمراكز البحثية، والاستعانة بأبنائنا من الخارج الذين حصلوا على الماجستير من الجامعة، ولدينا حوالى 300 باحث حصلوا على ماجستير، من بينهم 90 باحثاً حصلوا على منح كاملة للدكتوراه فى كبرى الجامعات العالمية، وهو أمر لم يحدث من قبل ولم تتحمل الدولة مليماً واحداً، وبدأنا نعيدهم للعمل بالجامعة الآن.
■ هل هناك موعد محدد لتسلم بقية المبانى من مدينة زويل؟
- الموعد المحدد يرتبط بانتقال مدينة زويل إلى المرحلة الأولى من المبانى التى تقام حالياً بجوار حى الأشجار بأكتوبر، ونعلم أن القوات المسلحة هى التى تتولى الإنشاءات، ونعلم أيضاً أنها تلتزم بمواعيد التسليم، وقد أعلنت أن الانتهاء من إنشاءات المرحلة الأولى نهاية سبتمبر المقبل، ونتمنى أن يتركوا مبانى الجامعة بمجرد تسلمهم المبانى.
■ ما طبيعة العلاقة خلال العام الماضى مع مدينة زويل، خاصة أنكم فى مكان واحد بعد خلاف دام لـ4 سنوات؟
- العلاقات على مستوى الطلاب والأنشطة موجودة، ونحن نفتح الأبواب لكل من يحب المشاركة من طلاب مدينة زويل فى أنشطة الجامعة، واستضفنا مؤخراً رائدة الفضاء الأمريكية مارى إلين ويبر، وكان هناك عدد من طلاب مدينة زويل حضروا اللقاء.
■ هل من المتوقع أن يكون هناك تعاون علمى بين جامعة النيل ومدينة زويل فى المستقبل؟
- نرجو ذلك فى المستقبل بمجرد استقرارهم بمبانيهم الجديدة، فمن الممكن أن يكون هناك نوع من التكامل، خاصة أن مدينة زويل تعمل فى فروع العلوم بشكل أكبر، ونحن نعمل فى مجالات تكنولوجيا المعلومات والإدارة، وفى النهاية نحن جميعاً نسعى لخدمة مصر، وكنا فقط ندافع عن حقوق الجامعة والطلاب، ونحاول إزالة آثار الماضى، ونحن منطلقون.
■ ما الذى يميز جامعة النيل عن بقية الجامعات؟
- جامعة النيل أُنشئت على أساس فكرة مهمة، وهى أن حضارة الشعوب والقوة الاقتصادية والمستوى المعيشى، جميعها تعتمد على التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها، وعلى هذا الأساس نحن نهتم بالتكنولوجيا، وجامعة النيل أول جامعة بحثية فى مصر، لأننا بدأنا بالدراسات العليا و6 مراكز للأبحاث لجذب علمائنا فى الخارج حتى يجدوا بيئة مناسبة من أجل تعليم أجيال على صناعة التكنولوجيا، ونحن لا نوفر المعلومة فقط، وإنما نخلقها أيضاً، ونقدم البحث العلمى التطبيقى للمساهمة فى حل مشكلات البلد، والجامعة تعمل على إسهام البحث العلمى فى الاقتصاد القائم على المعرفة والتكنولوجيا، وهو ليس علماً جديداً، وكان موجوداً فى مصر منذ الفراعنة الذين كانوا أول من استخدم التكنولوجيا فى بناء حضارتهم، التى لم يصل إلى علمها أحد حتى الآن، لكن نحن للأسف فقدنا البوصلة فى هذا الأمر.
■ متى نرى جامعة النيل ضمن التصنيفات العالمية لأفضل الجامعات؟
- لولا ما حدث للجامعة مع مدينة زويل لكان لنا شأن آخر، وكان من الممكن أن نكون الآن ضمن التصنيفات العالمية، لكن لا أريد أن نتعجل هذا الأمر، لأنه بوجود العزيمة والتمويل سنكون ضمن التصنيفات خلال 5 سنوات، ويكفى أن جامعة النيل أول جامعة أهلية، وغالبية الجامعات المصنفة فى العالم جامعات أهلية، والتمويل يأتى من المجتمع المدنى، وهو النموذج القائمة عليه جامعة النيل، ونضع الآن البذرة ومتطلباتها التى تؤدى إلى وجود جامعة على مستوى عالمى.
■ هل توقف تمويل المجتمع المدنى للجامعة خلال الفترة الماضية؟
- توقف تماماً، تخيل أن مبانى الجامعة يتم استردادها فى ظل مشكلات كثيرة، فكان من الطبيعى أن يتوقف الدعم، لكن أتمنى عودة إسهامات المجتمع المدنى مرة أخرى، لأن الجامعة الأهلية ملك للشعب كله، ونحن فى حاجة كبيرة لإنشاء جامعات ومدارس أهلية ويجب أن نفكر فى ذلك من الآن.
■ استضفتم رائدة الفضاء الأمريكية مارى إلين ويبر، هل تنوى خوض بحوث علمية فى مجال الفضاء؟
- فكرة البحث العلمى والخوض فى مجالات متقدمة مهم جداً، ونحن لم نستضف رائدة الفضاء الأمريكية، وإنما استضفنا أيضاً مؤتمراً وعلماء من وكالة ناسا للفضاء، حول تطبيقات ابتكارية لحلول الفضاء، ونؤمن بخلق بيئة تسمح بالإبداع والابتكار والدخول فى مجالات بحث علمى فى مجالات متقدمة، وعلوم الفضاء كثيرة، والتكنولوجيات العالية مهمة سواء فى الفضاء أو تكنولوجيا المعلومات التى نعمل عليها بالفعل، خاصة أن علوم الفضاء تحتاج إلى تمويلات كبيرة ليست فى استطاعتنا الآن.
■ ما الأعداد التى تنوى قبولها العام المقبل؟
- الأعداد لم تُحدد حتى الآن من مجلس الجامعات الخاصة والأهلية، لكنها ستكون أكبر من السنوات السابقة، ومن المتوقع قبول من 300 إلى 400 طالب، ونحن لا نهتم بالعدد بقدر ما نهتم بنوعية الطالب، وهناك معايير للقبول، ونحاول استقطاب الطلاب ممن لديهم طموح، وقادرون على الابتكار والتفكير المنفتح، وهناك منح مقدمة للمتميزين من مؤسسات ساويرس وبنك مصر، ومصر الخير، ونحن لدينا مجموعة من الطلاب من الصعيد وليس فقط من القاهرة.
■ هل هناك شراكات علمية مع جامعات عالمية؟
- نعتمد على 3 محاور أساسية فى الجامعة، الأول تقديم برامج تعليمية متميزة بمقياس أفضل البرامج فى العالم، ولدينا تخصصات مختلفة، ونهتم بها لأنها تمثل المستقبل بالعالم، والمحور الثانى ربط التعليم والبحث العلمى بمجتمع رجال الأعمال والصناعة، والمحور الثالث الانفتاح على العالم، ويأتى من خلال التعاون مع جامعات ومعاهد ومراكز أبحاث فى العالم، واستقطاب علمائنا فى الخارج للعمل بمراكز الجامعة، ونستقطب قامات كبيرة فى العلم، وفى الشراكات لدينا شراكات مع مراكز أبحاث فى التكنولوجيات اللاسلكية وأجهزة الاستشعار عن بعد، مع جامعة «هاواى ستيت» لأنها متميزة فى هذا المجال، وكذلك مع جامعة «ميامى» الأمريكية والمؤسسة العالمية لإدارة التكنولوجيا، والمؤسسة تقيم مؤتمراً عالمياً كل عام، وأيضاً لدينا شراكات مع جامعات فى ألمانيا وإسبانيا وإنجلترا فى تخصصات معينة، بحيث نستفيد من خبراتهم، ويكون هناك تبادل للمعلومات والأبحاث ونقل التكنولوجيا التى تفيد البلد.
■ ما تقييمك لمستوى التعليم فى مصر؟
- لا بد من التركيز على التعليم باعتباره القضية الأولى المصيرية؛ لأننا نتكلم كثيراً عن التعليم، لكن ما يتم فعله على الأرض غير كاف، ومشكلة مصر والمنطقة العربية بكل أسف تكمن فى القضاء على الجهل، لأنه إذا نظرنا إلى الإرهاب والتعصب سنجد وراءهما الجهل، وحتى حوادث الطرق جزء كبير منها سببه الجهل، ونحن لدينا تقريباً 2.6 مليون طفل فى السنة، فكم نحتاج من التمويل لتقديم تعليم متميز لهم يفوق ميزانيات التعليم بالكامل، فما بالنا بتعليم الكبار أيضاً، وهو أمر مهم للغاية، وبالتالى فإن الدولة وحدها لا تستطيع حل مشكلة التعليم، وإذا لم يتفهم المجتمع ذلك ويعترف ويساهم فى حل المشكلة فسيكون لدينا مشكلة كبيرة، ولابد أن نواجه الحقائق كما هى دون أن نغفلها.
■ هل ترى أزمة فى عدم التنسيق بين الجهات المسؤولة عن التعليم فى مصر؟
- أنا شخصياً منزعج جداً من أن لجنة قانون التعليم العالى الموحد التابعة لوزارة التعليم العالى فى واد والمجلس التخصصى الرئاسى فى واد آخر، هذا غير وجود حوالى 5 وزارات منوط بها التعليم، وهى التربية والتعليم والتعليم العالى والبحث العلمى والتعليم الفنى، بالإضافة إلى وزارة الثقافة التى دورها توعية المجتمع، وبالطبع لن يحدث شىء دون تنسيق بين كل هذه الجهات، ولابد من وجود مجلس أعلى ينسق بين كل هذه الوزارات والمؤسسات، ووضع خطة واحدة تسير عليها كل هذه المؤسسات، لأنه بغير ذلك ستعمل كل جهة بشكل منفصل عن الأخرى، وهو فى النهاية لن يؤدى إلى النهوض والإصلاح المطلوب.
■ هل أنت مع تطوير مستوى التعليم الحالى أم مع نسف النظام والبدء من جديد؟
- لا نستطيع نسف النظام الحالى، لكن لابد أن نعمل بشكل موازٍ مع نشر ثقافة التعليم والعمل مع ضرورة وجود دور للإعلام والثقافة فى غرس الثقافة العامة الجيدة للأم والأسرة والمعلم وطريقة التعليم.
■ كيف ترى مجانية التعليم فى مصر؟
- مفيش حاجة ببلاش، كل حاجة ليها قيمة ومقابل، لكن الأهم من سيدفع المقابل، ومن الممكن أن يكون الدولة أو القطاع الخاص أو المجتمع المدنى، وعلى الدولة أن تحدد هل ستكون هى الممول الوحيد للتعليم أو ستكون هناك شراكة مع المجتمع المدنى والقطاع الخاص لتمويل العملية التعليمية.. وإذا فكرنا بها بأى حسبة فإن الدولة غير قادرة على تمويل تعليم متميز يليق بمستوى الشعب المصرى، وليس لأنها لا تريد أو لا ترغب فى تمويل التعليم.
■ لكن مجانية التعليم حق دستورى، وكل مواطن مصرى من حقه أن يتعلم؟
- حق دستورى، وحق تكافؤ الفرص ليس معناه أن يأخذ أحد مجانية فى أى حالة وأى وضع دون أى اعتبار، فلابد أن تكون المجانية لها ضوابط، وأنا أعلم أن التعليم مثل الماء والهواء وحق دستورى تكافلى، ومن حق كل واحد أن يتلقى تعليمه، وأن يكون له فرص متساوية فى التعليم وهى مبادئ لا يمكن الحياد عنها، لكن المجانية ليست مطلقة، وإذا نظرنا للواقع فسنجد أن هناك مجانية بالفعل، لكن فى المقابل هناك دروس خصوصية ومدارس خاصة بأموال طائلة، ثم يأتى حتى الجامعة ولا يدفع نهائياً.. هل هذا معقول؟! لابد أن يدفع القادر، وغير القادر تتحمل الدولة عنه التكاليف.
■ ما تقييمك للبحث العلمى فى مصر وأنت تعلم أن البحوث الحالية مجرد أبحاث ترقٍّ؟
- آسف لذلك، وآسف أكثر أن مصر من أكثر الدول فى سرقة البحث العلمى، وهى لا تؤسفنى فقط وإنما تفزعنى لأنه لابد من وجود معايير وقيم أكاديمية وتربوية، ويجب أن تكون الأهمية للبحث العلمى وليس وسيلة للترقى؛ لأن البحث العلمى مدخلنا للتقدم والابتكار والمعرفة، ولحل مشكلات البلد لابد من بحث علمى تطبيقى حتى نجد طرقاً للحل، والدولة وحدها ليست المنوط بها البحث العلمى، فى بلاد العالم هناك ميزانية للبحث العلمى تكون من 2-4% من الناتج القومى، وفى دول العالم الصناعة تنفق على التعليم ضعف ما تنفقه الدولة.
■ لماذا لدينا تقصير بشكل واضح فى تحويل البحث العلمى إلى براءة اختراع؟
- هى منظومة متكاملة تعتمد على عدة مراحل تبدأ من الإبداع والابتكار وريادة الأعمال وتلبية احتياجات المجتمع والتمويل والتسويق، ويجب أن تكون متكاملة، ويجب أن نشجع تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وحماية الملكية الفكرية والتسويق العالمى، وللأسف هذه المنظومة غير موجودة حتى الآن فى مصر.
■ كيف ترى ميزانية التعليم والبحث العلمى؟
- الدستور حدد الميزانية وهى مازالت متواضعة لكنها تعطى نظرة لأهمية التعليم، وهى ليست كافية بسبب الاعتماد الوحيد على الدولة دون تدخل المجتمع المدنى ورجال الصناعة، وحتى هذه الميزانية لا تنفق على البحث العلمى بسبب أننا ليس لدينا القدرة على الإنفاق الرشيد للميزانيات الموجودة، ونحن الآن ننفق على التعليم نحو 0.3% من الناتج القومى، وعندما نصل لـ 1% سيكون أفضل مع الدستور الجديد، وإذا أردنا أن نصل لإنفاق الدول التى نريد أن نصبح معها فى نفس المستوى لابد أن ننفق من 2-3% من الناتج القومى.
■ ما تقييمك لتجربة التعليم الخاص فى مصر؟ ولماذا لم نلجأ للتعليم الأهلى بدلاً من التعليم الخاص؟
- التعليم الخاص له دوره، وعندما بدأ جاء عن طريق المستثمرين، وأى مستثمر يسعى إلى مردود وربحية لاستثماراته، والتعليم غرضه الأساسى لابد ألا يهدف للربحية، لأن التعليم أسمى من أن يكون بهدف الربحية، والدولة لجأت للتعليم الخاص لأن إمكانيات الدولة لا تسمح باستيعاب الأعداد، ولابد أن أشيد بالجامعات الخاصة، وبعضهم أخذ التعليم بجدية، ويحاولون تقديم خدمة مميزة، أما الجامعات الأهلية فهناك نقص شديد فى عدم المعرفة بالتعليم الأهلى، حتى الجهات المختصة والحكومية لا تعلم معنى التعليم الأهلى، وللأسف تتسبب لنا فى مشكلات كثيرة كجامعة أهلية، وللأسف الدولة توجهت للجامعات الخاصة، وكان على الدولة التوجه نحو الجامعات الأهلية، لكن مازال الوقت لم يذهب مادمنا نعلم الطريق الصحيح.