هدفُ الجماعة النهائى هو تفكيك الدولة الوطنية، ثم إقامة الدولة الإخوانية على أنقاضها. هذا هو ما تأسست الجماعةُ لأجله. ومن الطبيعى أن يكون رد فعل الدولة هو المبادرة بتفكيك الجماعة، هذا هو رد فعل أى دولة عندها إحساسٌ بكونها دولة.
لا توجد دولة سليمة العقل فى العالم كله وفى التاريخ كله تسمح بوجود جماعة تعمل فى السر وفى العلن وتقدم كل هذه التضحيات الجسيمة من أجل إسقاطها ووراثتها، ثم تسكت أو تتغافل أو تهادن أو تصالح أو تقبل ضغوط الغرب الاستعمارى الذى احتضن الجماعة من أول يوم تأسست فيه، لتكون ثغرةً فى جدار الحركة الوطنية البازغة التى وقفت فى وجه ذاك الاستعمار تنشد الاستقلال وتسعى للتحرر من هيمنة الأجنبى الغاصب.
القاعدةُ الأولى: الجماعةُ والدولةُ لا تلتقيان، ليس لأن الدولة ترفض اللقاء، لكن لأن الجماعة لها استراتيجية نهائية حاسمة تتلخص فى الانقضاض على الدولة، وعندما كانت الجماعة تناور وتتودد وتتملق وتدعى اتجاهات الوسطية والتدرجية والإصلاحية والدعوية والتربوية والتشاركية، إنما كانت تتبع التكتيكات المُتاحة حسب الظروف، وكانت تؤجل ما يُعرف فى فكر الإخوان بـ«المواجهة الفاصلة»، هذه المواجهة تأجلت بتخطيط متعمد من قيادات الجماعة، حتى تحين اللحظة المواتية للانقضاض على الدولة، وقد جاءت هذه اللحظة فى مثل هذا التوقيت من صيف عام 2012م، بدعم أمريكى- أوروبى- قطرى- تركى، وبغفلة تُثيرُ الأسى من طرفين فاعلين:
المجلس العسكرى القديم الذى كان يدير شؤون البلاد، والذى طاوعته نفسه أن يسلم الدولة لكارهيها وهادميها وطلاب الثأر منها.
ثم القوى الثورية التى طاوعتها نفسها أن تظن أن جماعة دينية مُغلقة من الممكن أن تؤسس دولة مدنية تحكمها الديمقراطية الغربية.
القاعدة الثانية: التنظيم والشعب لا يتعايشان، ليس لأن الشعب يرفض التعايش، لكن لأن التنظيم يرفض أن يتعايش مع الشعب فى الهواء الطلق، هو تنظيم سرى، له أهداف سرية، وله عضوية سرية، وله قواعد عمل سرية، ومصادر التمويل فيه سرية، وليس مسموحاً لأحد بالولوج إليه إلا بعد المرور على إجراءات وشروط وتقاليد وطقوس وكهنوت تضمن التأكد من أن العضو الجديد قد انفصل وانعزل عن كل ولاء وانتماء إلا الولاء للتنظيم والانتماء للجماعة.
القاعدة الثالثة: الشعب المصرى كان أكثر يقظة من الدولة المصرية. للأسف الشديد: الدولة سلمت نفسها لغاصبيها، واحتفلت بهم، وأطلقت لهم 21 طلقة مدفع فى معسكر الهايكستب، لكن الشعب المصرى خرج ليرفض هذا الاغتصاب العلنى، خرج على مدار مائتى يوم، من نوفمبر 2012م مع صدور الإعلان الدستورى، إلى 3 يوليو 2012م، حيث تم عزل الدكتور محمد مرسى من فوق الكرسى.
القاعدة الرابعة: المواجهة الراهنة مع الجماعة والتنظيم هى حرب تأجلت ثمانية عقود من الزمن، ولابد من حسمها، وليس من الحكمة الوقوف فى منتصف الطريق، وليس من الوطنية أن يتم ترحيلها أو تصديرها للأجيال القادمة، هذه فريضة وطنية وجبت واستحقت وعلينا أداؤها فى هذا الوقت المعلوم، وليس علينا من حرج أن يطول مداها أو يقصر، فهى ليست من المعارك الصغيرة.
القاعدة الخامسة: هذه المواجهة هى واجب مزدوج: بين الدولة والشعب، بين أدوات الأمن وأدوات الفكر، بين ضرورات الاستقرار وضرورات الحرية، مع تأكيد: نحن نواجه مشروع الإخوان وتنظيم الإخوان وخطرهم على الهوية القومية، ولكننا لسنا فى حرب مع أشخاص الإخوان بصفاتهم الشخصية، فهم- كأشخاص- مواطنون مصريون، لهم كل الحقوق والحريات والكرامات التى يكفلها الدستور لكل المواطنين المصريين.
آخرُ الكلام: الإخوان- بتكوينهم النفسى- تُسعدُهم وتُحييهم أحكامُ الإعدام، تضعهم فى منازل الشهداء، وترفعهم إلى مراتب الأساطير، وتمكن لهم فى قلب التاريخ، ويوظفونها بجدارة فى تجنيد الأجيال الجديدة من الصبيان والفتيان والشباب. وليست لنا مصلحة فى ذلك، بل لنا- كدولة وشعب وهوية قومية- هدف واحد: تفكيك الجماعة، تفكيك التنظيم، وبعد ذلك، أهلاً وسهلاً بكل من يصوب تفكيره ويراجع نفسه ويفهم أن الدولة الوطنية- بكل عيوبها- هى حائط الأمان الذى يلتقى عليه كل المصريين، المؤيد لها والمُعارض، ولن نقبل فكرة هدمها لصالح دولة إسلامية يجشو الإخوانُ عقولهم بها، ويهلكون أنفسهم من أجلها.