x

محمود أباظة بعد الدولة الإخوانية محمود أباظة الأحد 04-08-2013 21:19


الدكتور محمد مرسى فاز فى انتخابات رئاسة الجمهورية وتولى مهام منصبه فى 30 يونيو 2012، وبمناسبة مرور عام على رئاسته خرجت الملايين إلى شوارع الجمهورية تطالبه بانتخابات رئاسية مبكرة أو بعبارة أخرى تسحب منه الثقة. إلا أن الدكتور مرسى تمسك باستكمال مدته الدستورية وتذرع بالشرعية لرفض مطالب الشعب، فوضع الدولة التى يرأسها فى مواجهة مع الأمة. وقد فات الدكتور مرسى أن أجهزة الدولة المنوط بها حمايته سبق أن رفضت مواجهة الشعب لتحمى الرئيس مبارك. أياً ما كان الأمر فإنَّ عناد الرئيس مرسى فجَّر أزمة سياسية كبرى حسمتها القوات المسلحة بالانحياز للشعب كما فعلت فى يناير سنة 2011.

إلا أنَّ جماعة الإخوان المسلمين لم تتقبل سقوط دولتها فى مصر، مهد الجماعة وأملها منذ أكثر من ثمانين عاماً، ولو كان ذلك تنفيذاً لإرادة الشعب المصرى. قررت الجماعة أن تحمى دولتها وإن أدَّى ذلك إلى حرق الوطن، ولكن الجماعة عجزت عن حماية دولتها كما عجزت عن حرق الوطن، كل ما استطاعت أن تفعله هو كشف النقاب عن وجه دولة الإخوان المسلمين.

دولة الإخوان المسلمين التى لم تعد فزَّاعة يرفعها البعض لمحاربة الإسلام السياسى، وإنما أصبحت فى عهد الرئيس مرسى واقعاً معاشاً اتضحت معالمه وبدت عوراته. إنَّ فشل الأداء السياسى والإدارى للحكام الإخوان لا يحتاج إلى شرح، فقد شعر به الناس فى كل مناحى الحياة: أمنياً واجتماعياً واقتصادياً وخدمياً. ولسنا هنا بصدد الحديث عن فشل السياسة الإخوانية، فكل سياسة معرضة للنجاح والفشل، من أجل ذلك قامت النظم الديمقراطية على آلية تداول السلطة. ولكننا نتوقف أمام هذه التجربة لأنها كشفت طبيعة الدولة الإخوانية التى أسقطها الشعب المصرى بعد عام واحد من ميلادها، حين استشعر خطورتها على حاضر الوطن ومستقبله وتبيَّن له من واقع التجربة ما يلى:

(1) للدولة الإخوانية تنظيم دولى تمكَّن من الدبلوماسية المصرية وانتزعها من يد وزارة الخارجية، فتضاءل مركزنا الإقليمى والدولى. وقد تبنى هذا التنظيم نظرية جديدة للأمن لا ترتكز على مفهوم الوطن فأصبحت حدودنا مستباحة شرقاً وغرباً وجنوباً. وأخيراً، فإنَّ هذا التنظيم حاول تسليم سيناء إلى كتائب إخوانية تحل محل قواتنا المسلحة، على نمط الحرس الثورى الإيرانى، تمهيداً لتعميم التجربة على القطر كله، إلا أنَّ الجيش المصرى فطن لهذا المخطط وأفشله، وإن كنا دفعنا ثمناً غالياً من دماء أبنائنا بسبب هذه المحاولة.

(2) للدولة الإخوانية مكتب إرشاد يرأسه مرشد عام حكم وتحكَّم فى البلاد والعباد فى ظل رئاسة الدكتور مرسى، مما أدَّى إلى ارتباك المرافق العامة وشلل الجهاز الإدارى وتكاثر الأزمات فى جميع المجالات، مع ملاحظة أنَّ الشعب المصرى لم ينتخب هذا المرشد ولا ذلك المكتب، لا فى الصندوق ولا فى غيره.

(3) للدولة الإخوانية قضاتها الذين يؤثرون الولاء للجماعة على حيدة القضاء واستقلاله، ولولا دفاع قضاة مصر عن قضائنا الشامخ لانهار البناء كله.

(4) للدولة الإخوانية شرطة خاصة بها ظهرت فى مشهد مرعب بالاتحادية، تقبض على الناس وتستجوبهم، ثم رأيناها فى الإسكندرية تتعقب الأطفال وتُلقى بهم من فوق الأسطح بلا رحمة. وشاهدناها باطشة قاسية فى رابعة العدوية والمنيل وبين السرايات وغيرها من الأماكن.

(5) للدولة الإخوانية كتائب عسكرية تمتلك أسلحة ثقيلة تفتك بأبنائنا فى سيناء، وقد أخبرنا الدكتور البلتاجى وإخوانه بأنَّ هذه الكتائب الإرهابية سوف تستمر فى قتل الأبرياء حتى يعود الرئيس مرسى للحكم، واللبيب بالإشارة يفهم، فما باله بالعبارة الواضحة الجلية.

(6) مجمل القول أنَّ الدكتور مرسى قد أقام الدولة الإخوانية التى تمكَّنت من الدولة المصرية وحولتها إلى صدفة خاوية لا حول لها ولا قوة، بينما الشعب المصرى انتخب الدكتور محمد مرسى ليرأس الدولة المصرية لا ليمكِّن إخوانه من التهامها.

من أجل ذلك كله تمرَّد شباب مصر على هذه الدولة الإخوانية ودعا الشعب إلى إسقاطها فخرجت الملايين يوم 30 يونيو وأسقطتها إلى غير رجعة انتصاراً للدولة الوطنية الحديثة. دولة المصريين جميعاً. دولة وضع محمد على لبناتها الأولى، وبعث جيشها الوطنى الجديد، ثم توالت الأجيال تدعم أركانها وترفع بناءها. دولة واحدة تعبر عن شعب واحد، تصون وحدته وتضمن سلامة أراضيه. دولة تكفل مساواة المصريين كافة وتوفِّر لهم الأمن فى الداخل وتحميهم من أطماع الخارج وأخطاره. دولة مصرية جامعة مانعة لا شريك لها على أرض الكنانة.

دولة وطنية حديثة أدرك المصريون قيمتها حين تعرضت لغزو الدولة الإخوانية. إنَّ الملايين التى هتفت بسقوط حكم المرشد وعت الدرس، وأدركت الفارق بين دولة يمتلكها الوطن، ودولة تحتل الوطن. وقد عرف المصريون بالأمس قيمة الاستقلال بعد أن ذاقوا مرارة الاحتلال. علَّمنا التاريخ أنَّ الحركات الوطنية الكبرى تولد من رحم المحن الكبرى.

ثورة 30 يونيو أثبتت يوم 26 يوليو أنَّ الشعب المصرى مصممٌ على حماية الدولة الوطنية الحديثة من الغزو الذى تعرضت له، وأنَّه قادر على حمايتها من أخطار الداخل وأطماع الخارج، وأنَّه مدركٌ أنَّ حماية الدولة تعنى حماية الوطن ذاته. وحماية الوطن لا مجال فيها للتنازل أو المصالحة.

فى هذا الإطار وحول هذا الهدف، علينا أن نسعى إلى توافق واسع يعبر عنه دستور وطنى يحمى هذه الدولة الوطنية ويقيم مؤسسات قادرة على أداء دورها فى بناء المستقبل الذى نريده ونرضاه. ولنتصارح أولاً، ونؤكد بوضوح تام أنَّنا نرحب بالإسلاميين كتيار سياسى فى إطار وطن يتسع لجميع أبنائه، ولكننا نرفض بوضوح تام أيضاً أن يقع الوطن فريسة للدولة الإخوانية. ولنمض بالركب إلى الأمام وسوف يلحق به حتماً كل من ينتمى إلى هذا الوطن إن عاجلاً أو آجلاً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية