فى أول حياتى انبهرت كثيراً بجهاز التلكس. كنت أقف مشدوهاً أمامه. هل يمكن أن أدق على أصابعه بكلمات فتظهر مطبوعة فى طرف آخر من الدنيا! بل كان يمكن تبادل الحديث المكتوب بين طرفيه. كان هذا فى أوائل السبعينيات. لم يكن هذا الجهاز دارجاً إلا فى السفارات ومقار الصحف ووكالات الأنباء وبعض الفنادق.
■ ■ ■
بعد صدور قانون الاستثمار سمح للشركات الخاضعة له أن تحصل على جهاز التلكس.. يومها لم يدر فى خلدى أن تكون لى شركة من هذا النوع. كنت أعمل فى مكتب متواضع وسط البلد. ولكن شغفى بهذا الجهاز تجاوز حجم المكتب. بل وحجم طموحى كله.
تمشيت مترجلاً إلى هيئة الاستثمار. سألت المسؤول هناك: كيف تنشئ شركة استثمارية؟ وأعطانى ملفاً به بيانات يجب أن يملأها أى متقدم بمشروع. أخذتها وعكفت على ملئها من خيالى. طلبت تأسيس شركة فى المنطقة الصناعية بمحافظة الإسكندرية. سلَّمت الطلب. بعد أسابيع جاءتنى الموافقة. هرعت إلى هيئة الاستثمار وسألت: أين موافقة جهاز التلكس أولاً؟ كان هذا هو كل همى. أعطونى الموافقة. أيامها كان الحصول على تليفون أرضى ضرباً من المستحيل. يتطلب وسائط واتصالات على أعلى مستوى. فما بالك بهذا الجهاز السحرى. هكذا كان حال البلد. لن أطيل وأقول إننى حصلت على هذا الجهاز المعجزة ونسيت المشروع الاستثمارى تماماً. بعدها بسنوات وجدت خطاباً موجهاً لمكتبنا. دعوة لحضور وضع حجر الأساس للمشروع بمعرفة السيد ممدوح سالم، رئيس الوزراء حينها. كنت قد نسيته تماماً. بحثت فى أوراقى لأتذكر ما كتبته يداى. وجدت المشروع. وجدته قابلاً للتحقيق. تحقق بحمد الله. هذه قصتى مع التلكس.
■ ■ ■
بعد ذلك جاء الفاكس ثم تلاه الإيميل، وأصبح كل من يحمل موبايلاً (محمولاً) يملك كل وسائل العصر للاتصال. التصوير بالفيديو. الكاميرا – الإيميل والفيسبوك. بل التواصل بالصورة لترى من تحدثه وتسمعه. بل لو طاوعت تربيتك لسجلت له خلسة. الجديد أن كثيراً من الاتصالات أصبحت مجانية. مما يجعلنى أتحير فى مستقبل شركات الاتصالات.
أخيراً ظهر اختراع جديد. البحث فيه يدور فى الكثير من عواصم العالم. هو الطابعة ثلاثية الأبعاد. أى أن تضع شيئاً ما ذا شكل وأبعاد فى ناحية من جهاز. تظهر لك فى الناحية الأخرى بنفس الشكل. بالحجم الذى تريد. ولكن بالمادة المتوفرة فى الجهاز الموجود فى الطرف الآخر.
■ ■ ■
فى طفولتى كنت شغوفاً بمشاهدة أفلام الخيال العلمى. فى هذا الفيلم، وكان اسمه «الذبابة» «The Fly»، يضع العالم شيئاً فى صندوق لديه فى المعمل مرتبط من خلال أجهزة بصندوق آخر. ثم يدير الجهاز فينتقل الشىء كما هو إلى الصندوق الآخر. نجحت تجاربه إلى أن تجرأ فوضع نفسه هذه المرة. أدار الجهاز. حبكة الفيلم أن ذبابة تسربت داخل الصندوق. خرج هذا الإنسان العالم من الجانب الآخر نصف إنسان ونصف ذبابة. ولكن حتى هذا الخيال لم يعد بعيداً. قد يتم ذات يوم انتقال البشر من دولة إلى أخرى. دون مواصلات. دون طائرات. من خلال طابع ثلاثى متطور.