من الظلم أن نقارن الانتخابات فى بريطانيا - بديمقراطيتها الراسخة لعدة قرون - بأحوالنا السياسية الداخلية. نحن فى أول الأبجدية الديمقراطية بعد ستين عاماً من محاولات تضييق المجال السياسى وهيمنة الحزب الواحد، ولذلك يصح أن نستغل الفرصة للخروج ببعض الدروس من هذه الانتخابات.
أسفرت الانتخابات البريطانية عن نتائج مخالفة لاستطلاعات الرأى، التى توقعت وجود تقارب شديد فى نسب التصويت بين حزبى العمال والمحافظين، حيث نجح حزب المحافظين فى حصد عدد المقاعد (٣٣١ مقعداً من أصل ٦٥٠ مقعداً) التى تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً. تابعنا كيف نجح الحزب القومى الأسكتلندى فى حصد ستة وخمسين مقعداً من أصل تسعة وخمسين مقعداً فى أسكتلندا، مشيراً إلى قوة التيار الوطنى الأسكتلندى، ومؤكداً أن القضية الأسكتلندية ستمثل أحد أكبر التحديات أمام حكومة كاميرون القادمة. كذلك أسفرت النتائج عن سقوط مُدوٍّ لحزب الديمقراطيين الأحرار الذى كان حليفاً فى تشكيل الحكومة السابقة، حيث لم يحصد أكثر من ثمانية مقاعد فى البرلمان القادم.
الأهم من النتائج هو سير العملية الانتخابية، وشمولية البرامج الحزبية وبراعة المرشحين. مناخ ديمقراطى يسمح للجميع بعرض خططه المستقبلية.
نعترف بأن المقارنة غير عادلة بيننا وبينهم، ولهذا يجب أن نبدأ فى اختيار الطريق السياسى الذى نصل فى نهايته إلى هذه المرحلة من الديمقراطية المزدهرة، ويظل فى الانتخابات البريطانية حدثان فى غاية الأهمية لابد أن نقارنهما بما يدور عندنا من مواقف مماثلة:
الأول: استقالة آد ميليباند (٤٥ سنة) زعيم حزب العمال، ونيك كليج (٤٨ سنة) زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار بعد فشل حزبيهما فى تحقيق النتائج المنشودة. زعيمان فى الأربعينيات يستقيلان لإفساح المجال لقيادات جديدة لإدارة الحزب. هذا الموقف شديد الاختلاف عما يحدث فى سياستنا المحلية، فأولاً لا يمكن أن نرى زعماء لأحزاب قوية ذات شعبية مؤثرة فى الساحة السياسية فى أوائل أو منتصف الأربعينيات. وثانياً لم نعهد أن يتقدم رئيس حزب باستقالته لفشله فى تحقيق أهداف الحزب بصرف النظر عن أى نجاحات تاريخية، كما فى حالة نيك كليج الذى كان نائباً لرئيس الوزراء فى الوزارة السابقة عندما كان حزبه حليفاً فى حكومة ائتلافية مع حزب المحافظين. لم يتحجج الزعيمان بنظريات مؤامرة وهمية تسببت فى خسارة حزبيهما، بل على العكس تحملا المسؤولية بكل شجاعة، وانسحبا من الساحة بعد الاعتذار لمؤيديهما. قارن هذا الوضع بوضعنا الذى تفشل فيه الأحزاب فى استحقاقات انتخابية أو معارك سياسية تلو الأخرى، ومن على رأسها لا يتغير بل على العكس يحاول التخلص من كل من يعارضه.
الثانى: فوز المرشحة ذات العشرين ربيعاً «مارى بلاك» - الطالبة فى جامعة جلاسجو - مرشحة الحزب القومى الأسكتلندى بالانتخابات فى دائرتها بأسكتلندا لتكون أصغر عضوة بالبرلمان منذ عام ١٦٦٧. هذا الانتصار يؤكد أهمية دور الأحزاب فى خلق كوادر جديدة.
علينا أن نتساءل: هل لدينا أحزاب بهذا النفوذ والشعبية بحيث تستطيع الدفع بمرشح شاب ومساندته للحصول على مقعد بالبرلمان؟ وهل يقتنع مجتمعنا بثقافة التحديث وتجديد الدماء للحد الذى يتيح الفرصة لشاب أو شابة فى هذه السن الصغيرة ليكون نائباً فى البرلمان؟
الدروس المستفادة من الانتخابات البريطانية عديدة، لكن ما يهمنا فى نهاية الأمر هو أننا شاهدنا كيف تجرى الانتخابات بصورة ديمقراطية نزيهة، ورأينا كيف أن قوة الأحزاب ونفوذها هو الأساس فى بناء مناخ سياسى منتظم، وأصبحنا متعطشين أن نعيش فى وطننا تجربة مماثلة تخرج لنا برلماناً معبراً عن أحلام ومطالب المواطن المصرى.