لا يخجلنى أن أحلم. بل إنى أحلم طول الوقت. أحلام يقظة. أحلام النوم هى غالبا أضغاث. أرى فيها أحبائى- من أفتقدهم- أحيانا كوابيس.
كان لى حلم يقظة بأن يصبح فى مصر بنك للأراضى. آه لو علم المسؤول شقاء المواطن- بين أملاك الدولة- الإصلاح الزراعى- المحليات- تعمير الصحارى- التنمية العمرانية- التنمية السياحية- كل هذه هى جهات التملك. ثم يبدأ المشوار- موافقة من هيئة الطرق- وزارة الرى- المحليات- القوات المسلحة- هيئة الآثار.
كان هذا قبل الثورة. قبل الاتهامات والسجون والملاحقات. أما الآن فلن تجد شخصا يمكنه أن يضع اسمه على ورقة بها كلمة موافقة.
حلمت بأن كل هذا ممكن أن يختفى فور وجود بنك الأراضى. يحدد فيه الاستخدام. فى كل منطقة. إذا كان سياحيا- زراعيا- صناعيا- إسكان- تجاريا. يحدد الثمن لكل استخدام وكل منطقة. يدعم الاستخدام الذى يستحق دعما- ويعادله من الاستخدامات الأخرى. شباك واحد- أهم كثيرا من شباك هيئة الاستثمار. بعدها لن تعود التعديات لاختلاف المالكين. ستنطلق عجلة الاستثمار بأنواعه.
ولكن يبدو أن هذا الحلم لن يحدث. ليس فيه عدالة. أو هكذا يرى أحد الأطراف. أحد الأطراف يمتلك أصلا 90% من أراضى مصر. لماذا يدخل فى مثل هذه المعادلة؟ سينجز فيها أكثر كثيرا مما يكسب، بدا واضحا أنه يفضّل المكسب على الإنجاز. الوطن فى النهاية هو الذى يخسر. المواطن هو الذى يدفع الثمن. فقرا وظلما. وارتفاعا للأسعار. توارت معها أحلام اليقظة. إلا أننا مازلنا نعيش على الأمل.
لم يشفع الفقر ولا الظلم لإعادة النظر فى هذه السياسات. حتى ارتفاع الأسعار فى الآونة الأخيرة لم يشفع. كان على الدولة أن تبادر فورا بالاعتراف بأن الحل هو فى تسهيل التملك. من خلال جهة واحدة تكون هى المسؤولة عن ذلك. هذه الجهة ليست بدعة. لقد انتشرت الآن فى دول أفريقية عديدة من حولنا. وهى بنك الأراضى. شباك واحد لحل أزمات مستعصية على مدى عقود عديدة. لحل مشكلة البطالة. لحل مشكلة البلطجة. لحل مشكلة الإرهاب. المواطن لا يريد أكثر من العيش الكريم. من كدّه وعرقه. يريد فقط أن يعمل. تملك الأراضى هو الطريق الوحيد الآن لتحقيق هذا الغرض.
يجب أن نعترف بأن هؤلاء الذين يقبعون فى السجون بسبب الأراضى هم ضحية البيروقراطية فى هذا الصدد. وقف حال الناس فى التقنين وخلافه لنفس الأسباب. المحاكم متخمة بالقضايا من نفس النوع. إنتاجية الدولة زراعيا وصناعيا ضعيفة لنفس السبب. لا أحد يحرك ساكنا. لا أحد يريد أن يعترف. لا أحد يريد أن يعلنها صراحة. ارفعوا أيديكم عن أراضى مصر. هى ليست ملكية خاصة بكم. هى ملك للشعب. لم تعد هناك حروب. لم يعد هناك من يقبل المبررات القديمة. لم تعد هناك حاجة إلى هذا الاستحواذ غير المبرر. لن يغفر التاريخ لكم هذا النوع من الفساد العلنى والواضح وضوح الشمس.