x

الكاتب والمفكر السعودى عبدالرحمن الراشد لـ«المصري اليوم »: عاصفة الحزم «فخ»

السبت 16-05-2015 13:00 | كتب: رانيا بدوي |
الكاتب والمفكر السعودى عبدالرحمن الراشد لـ«المصري اليوم » الكاتب والمفكر السعودى عبدالرحمن الراشد لـ«المصري اليوم » تصوير : اخبار

عبدالرحمن الراشد، أحد الكتَّاب، والمفكرين العرب ذائعى الصيت في المنطقة العربية لما له من آراء، وأفكار استشرافية تتميز بالعمق والموضوعية، وقد تقلد منصب رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط، ومدير قناة العربية الإخبارية سابقًا، كما عُين مستشارًا لمجموعة قنوات الـ إم بى سى، ومازال يمارس عمله فيها حتى الآن، إضافة إلى كتابته عمودا صحفيا في جريدة الشرق الأوسط يوميًا يعد من أهم الأعمدة الصحفية في الوطن العربى.

خالف «الراشد» في حواره الذي اختص به «المصرى اليوم» كثيرًا من الآراء السائدة، مؤكدا أن «عاصفة الحزم» كانت فخًا، وأن الحل في اليمن سياسى، وليس عسكريا، وأن قمة كامب ديفيد ستطلق يد إيران في المنطقة وتخلق سباقًا للتسلح بين إيران والخليج لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

وشدد على أنه على الخليج العربى والسعودية عدم التعويل على وجود الأسطول الخامس الأمريكى في أراضيها، ولتعتمد على نفسها في تأمين حدودها، لافتا إلى أن تحالف مصر والسعودية والأردن سيقابله تحالف مضاد برعاية إيران يضم كلا من العراق وسوريا والسودان. وإلى نص الحوار..

■ هل تعتقد أن اجتماع «كامب ديفيد» بين قادة الخليج العربى وأوباما هدفه تسويق إيران في المنطقة؟

- أولًا: لابد من التأكيد على أن الاتفاق الأمريكى الإيرانى بشأن البرنامج النووى الإيرانى سيتم بموجبه إلغاء العقوبات الاقتصادية على إيران وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والغرب، ورفع الحظر عن الأموال الإيرانية في البنوك السويسرية، وقتها ستصبح إيران حرة طليقة، دولة صديقة، وهذا التغير له تبعات على دول الخليج العربى، وهى تبعات إما أن تكون خطيرة جدًا أو جيدة، مجرد احتمالات ولا يمكن حسم النتائج حتى نرى بأعيننا.

■ هل منطقى تصور أن تنكمش إيران بعد رفع العقوبات وإعطائها حريتها؟

- البعض يبرر السياسة العدوانية الإيرانية طوال العقود الثلاثة الماضية بسبب خوفها من تغيير البرنامج النووى الإيرانى وعزلتها والعقوبات التي فرضت عليها، وبالتالى هي تحاول الدفاع عن نفسها من خلال الانتشار وليس الانكماش، لذلك هناك احتمال بعد رفع العقوبات عنها أن تصبح دولة مثل باقى الدول تريد أن تعيش في سلام، وهذا الاحتمال لا يجب أن نغفله خاصة أن هناك ضغوطا داخلية من قبل تيار يرغب في التغيير ويضغط على القيادة هناك بضرورة الاهتمام بالقضايا الداخلية بعيدا عن الصراعات الخارجية.

■ إذن هل تتوقع أن تسحب إيران ميليشياتها من العراق أو ترفع يدها عما يحدث في سوريا؟

- بصراحة لا أعتقد ذلك، ولا أتصور أن تصبح إيران قطا أليفا في المنطقة، رأيى الشخصى أنها ستزيد مطامعها، وأنها ستكون مثل الأسد الذي حبس لفترات طويلة ثم أُطلق سراحه، لذا أتصور أنه بعد الاتفاق النووى الغربى الإيرانى ستتصاعد وتيرة الصراع السعودى الإيرانى.

■ هذا يعنى أن الصراع في المنطقة بعد أن كان يدار بوكلاء إيران ومن خلف ستار سيكون صراعًا مباشرًا؟

- نعم صحيح.

■ ما الذي يمكن أن يشعل الصراع أكثر في المرحلة المقبلة؟

- في عام 1957 كان هناك اتفاق وتعهد من أيزنهاور بضمان حماية أمن منطقة الخليج وحدود السعودية، ومنذ عام 1957 حتى الآن صارت حالة سلام في المنطقة باستثناء الحرب بين العراق والكويت، المشكلة الآن أن أوباما يتنصل من وعود أيزنهاور لأنه يرى أن منطقة الشرق الأوسط لم تعد مهمة، وأن النفط لم يعد مهمًا لأمريكا كما في السابق لأنه أصبح لديها أكبر احتياطى نفطى في العالم، وأن مصالح أمريكا مع الصين أكبر من الشرق الأوسط، وبالتالى السؤال هنا: إلى أي مدى ستظل الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بعهدها بالدفاع عن أمن الخليج وحدود السعودية؟ خاصة أن تخلى إيران عن البرنامج النووى سيقابله تعويض بالسلاح التقليدى والتوسع في ذلك، وبالتالى فإن إيران يمكن أن تكون طرفا فاعلا في تهديد أمن الخليج تهديدًا مباشرا، وبالتالى لابد من تعهد واضح وملزم وضمانات حقيقية يقدمها أوباما لقادة الخليج في قمة كامب ديفيد.

■ إذن هي عملية تجارة سلاح للطرفين «إيران والخليج»؟

- نعم بكل تأكيد، سيشتعل سباق التسلح بين الطرفين والمستفيد الأول والأخير الدول المنتجة للسلاح. الخليج يعول الآن على وجود قوتين داخل النظام الإيرانى إحداهما نظام قديم قوى يريد التمدد الإيرانى في الخارج، وقوى أخرى تريد أن يبدأ التغيير من داخل المجتمع الإيرانى وأنا لا أعتقد أن النظام الحالى الإيرانى يرغب في مصالحة إلا إذا حدثت عليه ضغوط من الداخل.

■ إلى متى سيظل الخليج يعول على الحماية الأمريكية أو ينتظر التيار المجدد في إيران؟

- دعينى أقل إنه على دول الخليج أن تعرف أن عليها حماية نفسها، فقد انتهى وقت القول بأن الأسطول الخامس الأمريكى موجود في الخليج، وبالتالى لن يقترب منا أحد، ولا أن تنتظر انتصار تيار على آخر داخل إيران، وعلى الدول العربية أن تتسلح وتتحد.

■ هل فكرة «الدفاع العربى المشترك» قابلة للتحقق أم ستظل مجرد شعار؟

- أعتقد أنها ستبقى مجرد شعار، صعب تطبيقه في الواقع، لدينا خمسون عاما من عدم الاتفاق، لكن هناك فكرة قابلة أكثر للتحقق وهى بعض التكتلات والتحالفات مثل تكتل مصر والسعودية وبعض دول الخليج مع الأردن، فهناك مصالح عليا واضحة ومخاطر واضحة تهددهم، وأعتقد أنه سيظهر في المقابل معسكر آخر مضاد حيث يمكن أن نواجه تحالفا إيرانيا عراقيا سوريا، ويحتمل أن ينضم النظام السودانى إلى هذا التحالف، مما يؤدى إلى تحالفين متنافرين داخل الوطن العربى، إذ يتشكل الوطن العربى من محاور بعضها يسعى للاستقرار والآخر مقلق للغاية.

■ كيف تقرأ مشاركة مصر في عاصفة الحزم؟

- مشاركة مهمة وكانت ضرورية أولًا حفاظًا على أمن مصر وباب المندب، وثانيًا للعلاقة القوية مع دول الخليج.

■ البعض يرى أن عاصفة الحزم كانت فخًا للسعودية لإلهائها عن سياسات توغل إيران في باقى الدول؟

- أنا ممن يعتقدون في هذا الأمر، أن الاستدراج الذي تم كان فخًا كبيرًا ولكنه فخ لا يمكن تجاهله أو الالتفاف حوله، إذ إن اليمن ساخن في الجنوب وهناك اضطرابات في البحرين- صحيح أنها هادئة الآن ولكن يمكن أن تشتعل مرة أخرى- وصراع حاد في سوريا في الشمال، فالمنطقة بالكامل ملتهبة وحدود السعودية في خطر، لذا كان لابد من الرد على الحوثيين لإعطاء رسالة للجميع أننا لن نظل صامتين إلى الأبد، فقد انقلب «على عبدالله صالح» وحلفاؤه من الحوثيين على الاتفاق الذي تم برعاية الأمم المتحدة الذي بموجبه حمت السعودية عبدالله صالح وقت الثورة عليه، وعقدت اتفاقا خوفًا من حدوث حرب أهلية وقتها، وأنا قناعتى الشخصية أن الحوثيين وإيران وعبدالله صالح رأوا أن الاتفاقية ثبتت وضع الحكومة الانتقالية وخشوا أن يعقب ذلك انتخابات وحكومة جديدة دائمة، فقرروا فتح جبهات للصراع ومنها جبهة الجنوب في اليمن، وكانت السعودية تتعامل بهدوء حتى آخر لحظة حتى شاهدت استيلاء الحوثيين على عدد من المدن منها صنعاء بدعم من صالح وإيران، وفى المقابل حكومة الرئيس منصور هادى الشرعية عاجزة عن فعل شىء لأن ليس لديها قوات في الأساس فهى حكومة تمثل قيمة اعتبارية قانونية، حتى قام الحوثيون باحتجاز الرئيس عبدربه منصور هادى وكل أفراد الحكومة الأساسيين حتى يفرضوا شروطهم، وتم تهريب الرئيس هادى إلى عدن على أساس إنقاذ الشرعية، لكن وبعد انهيار النظام السياسى وبعد ما وصلوا إلى عدن اعتقدنا بأنه سيكون هناك حكم شرعى في عدن وحكم غير شرعى في صنعاء، ومن الممكن بعد عام أو عامين أن يحدث اتفاق وحل سياسى لتسوية الأمور ولكن قام عبدالله صالح مع الحوثيين بضرب عدن وإذا تأخر تهريب الرئيس هادى كان سيقتل، هنا وبعد صمت طويل وعدم رغبة في التدخل، تدخلت السعودية في اللحظة الأخيرة، إذن هو فخ لابد منه.

■ كيف عجزت السعودية عن استمالة شيوخ القبائل في اليمن لصالحها كما كانت تفعل من قبل؟

- السعودية أكثر دولة تعرف اليمن لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض بشكل عضوى، وكانت علاقات عبدالله صالح مع السعودية جيدة وكذلك العلاقات مع القبائل ممتازة، لا أقول إن المال هو السبب ولكن العلاقات مع القبائل كانت الأهم، لكن في مرحلة ما حدثت تحالفات بين عبدالله صالح وعدد من القبائل والعشائر ومنهم الحوثيون فهم جزء من قبيلة، والواقع يقول إن على عبدالله صالح مُصر على الحكم وإن الحوثيين مرتبطون بإيران ولديهم مشروع قديم، ناهيك عن نزاعات قبلية موجودة في بعض المناطق في عدن وحضر موت، صحيح لم تظهر إلى الآن إلا أننا سنراها واضحة لاحقًا، وبالتالى فإن هذا المجتمع اليمنى بتكويناته الحقيقية كان الحل فيه يجب أن يكون سياسيًا، فالحل العسكرى هو الحل الأصعب، فصالح بحكم العمر الطويل الذي حكم فيه اليمن لديه مؤسسات أمنية وعسكرية واقتصادية استطاع من خلالها وبمساعدة الحوثيين أن يقفز على الاتفاقات ويشعل الحرب، ومشكلة الجيوش في تلك الدول أنها تابعة للحاكم مثل الجيش في ليبيا وسوريا، فبشار الأسد الآن مازال موجودًا في السلطة لأن الجيش يحميه ويحارب معه رغم أن أغلبية السوريين لا يريدونه في الحكم، ونفس الشىء حدث في اليمن، السعودية لم تكن ترغب في الدخول في مواجهات، إنما أُجبرت نتيجة تعقد الموقف وخطورته والقصة ليست شراء الولاءات فهناك أناس تريد زعامة.

■ هل العملية العسكرية حققت نجاحات أم لم تحقق؟

- الحرب كانت ضرورية لأن الأمور كانت قد وصلت إلى اللحظة الأخيرة، ولكن الأمر العسكرى استنفد كافة أغراضه، ولأن الوضع في اليمن صعب، هنا وجب العمل السياسى الذي يعد أهم من العمل العسكرى، السعودية تجمعها علاقات ممتازة بكافة الأطراف وأنا أتوقع أنها ستنجح في استمالة معظم القوى في الجنوب والشمال وفى داخل اليمن بما فيها جزء من القوى التابعة لصالح والحوثيين.

■ إذن التدخل البرى لم يعد مطروحًا؟

- لا أعتقد أن السعودية يمكن أن تدخل في حرب برية في اليمن إلا إذا كان هناك هجوم مباشر على الحدود السعودية.

■ هل الحوثيون دخلوا السعودية بعملية نجران أم أن كون نجران منطقة ملاصقة للحدود سهل ضربها؟

- صحيح أنه حدث هجوم بالصواريخ على نجران في جنوب السعودية، لكن أقصد بالاعتداء على الحدود السعودية الدخول إلى داخل السعودية وهو أمر صعب جدًا، إذ إن التضاريس والوديان فيها من الأمور التي تزيد الأمر صعوبة، ويوجد جبال عالية ووديان سحيقة، والسعودية تعى أن ضرب نجران أمر محرج لها لذا كان لابد من رد العدوان، والقادة يدركون أن هذا لا يعنى أن الحوثيين دخلوا السعودية، إذ لا توجد أي مناطق حيوية للدولة إلا على بعد مئات الكيلومترات، وأنا أرى أن الخطر الحقيقى على السعودية يكمن في الشمال الشرقى للسعودية أي من العراق وليس اليمن.

■ إذن لماذا ناوشت إيران السعودية من باب اليمن ولم تناوشها من الحدود العراقية؟

- هذا ما نسميه خطوط في الرمال تعرفها الدول جيدًا وتعرف بأن الدخول فيها يعتبر اعتداء صريحا على الدولة إذ يوجد منطقة النفط وبالتالى أي اعتداء سيمثل تهديدًا للسعودية بل للمصالح الغربية والدولية في تلك المنطقة، فعندما احتل صدام حسين الكويت تحرك المجتمع الدولى لأن لديه مصالح نفطية، إنما إذا كان قد احتل سوريا لما تحرك أحد.

■ هل ترى ما حدث مؤخرًا في المملكة العربية السعودية انقلابًا على الحكم أم تغييرًا لصالح الشباب وجيل الأحفاد؟

- السماح بالمشاركة السياسية يحمى الدولة، ويجعل هناك مشاركة في تحمل النتائج السيئة والمصاعب، لأن القدرات النفطية مهما كبرت لن تستطيع تلبية احتياجات الناس، إذ إن عدد السكان يتزايد بل تطلعات الأفراد تكبر والنظام السعودى منذ الملك عبدالعزيز الذي أسس الدولة السعودية جعل طريقة الحكم عن طريق حكم الأبناء، حتى حدث إشكال في عهد الملك سعود وفيصل في الستينيات، وقد تعلمت العائلة الملكية من هذه الواقعة عدم السماح بوجود خلافات بينهم حتى لا يتم تهديد أمن واستقرار الدولة، حيث انتهت المشكلة بخلع الملك سعود وتولى الملك فيصل، وكانت هناك مخاطرة كبيرة وقتها تركت آثارا بالغة، وبعد تلك المشكلة صارت هناك قناعة بضرورة وجود آلية لحل الخلافات التي تنشأ داخل الأسرة. بعد ذلك أصبح كل من يتولى الحكم من الأبناء كبيرا في السن وبالتالى تكون فترة حكمه قصيرة وهو ما يهدد استقرار النظام، في فترة الملك عبدالله خرج 7 من أبناء الملك عبدالعزيز من الحكم بحكم السن، حتى أتى الحكم الملك سلمان الذي مهد الأمر للتغيير حيث أتى بولى العهد في منتصف العمر، وولى ولى العهد من الشباب.

■ لكن البعض يراه تمهيدًا لأن يتولى الأمير محمد بن سلمان الحكم وأن الأمر قصد به توريث الحكم للابن؟

- في الحقيقة ما حدث ليس انقلابا ولكنه تغيير في أسلوب الحكم، تغيير لابد منه لأن أغلب الأبناء من كبار السن والتجديد كان مطلوبًا لتستطيع السعودية مواجهة الأخطار المحدقة بها، ولا شك أن هذه القرارات تؤدى إلى مرحلة الدولة الرابعة السعودية بتغيرات حقيقية في الأشخاص والتطلعات. وأى نظام لا يجدد نفسه ويسعى إلى التغيير سيتغير يومًا ما فالخليج العربى والسعودية ليسا عصيين على التغيير.

■ أي نوع من التغيير بعد أن باءت ثورات الربيع العربى بالفشل الذريع وأصبحت الشعوب تخشى الثورات؟

- الدول مثل الأفراد تكبر في العمر، والأنظمة العربية شاخت لأنها لم تطور نفسها ولا أساليبها في الحكم، إذ إن الأنظمة التي لا تتغير سوف تتغير ولا يشترط أن يكون التغيير عن طريق الثورات.

■ يقال إن التغيير أحدث خرابا في كل الوطن العربى ما رأيك في هذا المنطق؟

- حتمية التغيير خارج السيطرة وشكل التغيير يتوقف على عوامل عدة منها طريقة توجيه الثورات في أي اتجاه.

■ لماذا كان التوجيه في الثورات العربية كلها في الاتجاه الخاطئ؟

- لا أميل إلى القول بنظرية المؤامرة، لكن يوجد قوى خارجية مستفيدة بالتأكيد من تدهور الأوضاع، إنما هي ليست صانعة التدهور، هي تستفيد منه وقت حدوثه.

■ ومن المسؤول إذن عن خراب الوطن العربى بعد الثورات؟

- القوى الداخلية نفسها.

■ كيف؟

- القوى الداخلية أهم من القوى الخارجية، ومثالا على ذلك ليبيا، فالقوى الداخلية يجب أن تعمل في إطار سياسى واحد وتقبل بنظام يتعايش معه الجميع، والمشاركة السياسية هي الطريقة الوحيدة لبقاء ليبيا موحدة في ظل القدرات النفطية الكبيرة لها، وفى غياب القوى الداخلية يكون هناك قوى خارجية تضغط وتستغل حالة السيولة التي أصبحت عليها الدولة، فالقوى الداخلية لم تكن على نفس مستوى التغيير ولم تسهم في توجيه ما حدث في الاتجاه الصحيح، وظلت تتصارع مما سمح للقوى الخارجية بأن تتدخل، مثلًا سقوط القذافى كان حتميًا ولم يكن هناك شك فيه لأنه رفض التغيير إذ إن الدولة شاخت، وفى النظام السورى الدولة انتهت حتميًا بعد وفاة حافظ الأسد، وبشار الأسد كان مرحلة قائمة على الطائفية وحكم الأقلية في مجتمع يعانى من وضع اقتصادى سيئ ونظام أمنى شرس، وتوريث الحكم في ظل الجمهورية، كل ذلك ساعد في شيوخ نظام حافظ الأسد، ويعد بشار الأسد مرحلة عبور للتغيير عبر الثورة السورية والتى كانت حتمية وكان يمكن أن يفهم بشار الأسد آلية التغيير في المجتمع ويقرأ التاريخ جيدًا ويتعامل مع الوضع بواقعية كاملة وكان يعمل نظاما انتخابيا ديمقراطيا أو على الطريقة العربية نصف ديمقراطى، وكان بذلك يمكن أن ينجو ويعيش النظام السورى مع الوضع الجديد ولكنه رفض التغيير.

■ لماذا لم يدخل الربيع العربى «الممالك» العربية واقتصر على «الجمهوريات»؟

- النظام في الخليج يقوم على عدة عوامل أبرزها دولة الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، لكن لا توجد رفاهية سياسية، ولا تزال التركيبة الاجتماعية مهمة في العلاقة ما بين الحاكم والمحكوم مثل العلاقات مع رؤساء القبائل والعشائر والمناطق والعائلات.

■ لكن الأردن والمغرب ليسا من دول الرفاهية الاقتصادية؟

- نعم.. الأردن والمغرب من الممالك التي ليس بها رفاهية اقتصادية ولكنها أنظمة لديها ممارسة سياسية تجمع بين الحل الديمقراطى والحل الملكى العربى بالطريقة العربية المعروفة، إذ يوجد ديمقراطية جزئية ممثلة في رئاسة الوزراء، ففى المغرب أحيا الملك الحسن قبل وفاته دور الأحزاب التي لم تكن موجودة، وفتح البلد للحرية السياسية وعندما أتى ابنه الملك محمد سار خطوات كبيرة في هذا الاتجاه وأعطى الأحزاب المعارضة دورا وأدخلها ضمن النظام العام، وسلم معظم صلاحيات القصر للحكومة، فصارت الحكومة في مواجهة الناس وليس القصر، وهذا يحدث أيضًا في الأردن، ولكن نظام العشائر واضح أكثر من النظام في المغرب إذ يوجد في الأردن فئات وقبائل وعشائر فلسطينية وأردنية وعلاقة الملك بهم علاقة شخصية. وكل ذلك حمى تلك الدول من الثورة رغم أن الأردن دولة فقيرة إذ تصل ميزانيتها 10 مليارات في حين أن السعودية تصل ميزانيتها إلى 300 مليار، والنظام الملكى عمومًا ليس نظاما شرسا، وقادر على تقبل الصدمات إذ إنه يراعى كل القوى السياسة ويراعى النخبة ويحاول أن يدخلهم تحت عباءته لذلك فإن العقد الاقتصادى مع العقد الاجتماعى حمى من الثورات.. ولكن هذا ليس ضمانة إلى الأبد إنما على الأنظمة العربية أن تتغير وإلا ستتغير وتأتى الشعوب بغيرها، ويجب أن تعترف كل دول الخليج بالمشاركة السياسية بداخل الدولة لجميع الفئات، وإيجاد هامش من الديمقراطية وإلا لن تستطيع مواجهة الأجيال الجديدة التي لها طموحات ضخمة.

■ بما فيها السعودية؟

- بما فيها السعودية.

■ هل تعتقد أن مصر بعد ثورتين نجت من تداعيات الربيع العربى، وكيف تقرأ مسار السيسى؟

- الوضع المصرى مختلف، فقد نجت مصر من مخاطر عدة بسبب قوة وصلابة الجيش المصرى وانحيازه للشعب، أما عن المسار السياسى والاقتصادى لمصر فما زالا متعثرين، لأن مصر تسير وفق اللامشروع، فلا يوجد مشروع للدولة نستطيع من خلاله أن نحكم على المسار والأداء، فالنظام المصرى يستطيع أن يؤمن الاحتياجات اليومية للمواطنين لكن ليس لديه مشروع للنهضة أو التطوير، وهو ما لا يجب أن تكون عليه مصر. فقد نظمت مصر مؤتمرًا اقتصاديًا عالميًا حضره عدد ضخم من الرؤساء والشركات العالمية إلا أنها لم تستطع الاستفادة منه حتى الآن، كما أن مشروع قناة السويس ليس كافيا لإحداث الانطلاقة التي نتمناها لمصر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية