x

علاء الديب نايف حواتمة.. فى عين العاصفة علاء الديب السبت 09-05-2015 21:45


أدخلنى كتاب نايف حواتمة «رحلة فى الذاكرة» إلى عين العاصفة، هموم العالم العربى: قديمها وجديدها: السياسية والاقتصادية وفكر الناس: تراجعهم وتقدم غيرهم، الاستبداد المزمن، والاقتصاد التابع.. الحركة الدائرية والدوران إلى الخلف.

يروى المناضل الفلسطينى - الأبدى - سكرتير عام «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» تنظيم فلسطينى ماركسى نشأ فى أعقاب هزيمة الجيوش العربية فى 67 تأسس 1969 بعد الانفصال عن الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش، وتبنى استراتيجية الكفاح المسلح والحرب الشعبية طويلة الأمد، ومنذ التأسيس وحتى الآن ونايف حواتمة، أمين عام التنظيم.

من هو حواتمة، هذه القامة العالية الصلبة التى لم تنكسر ولم تتلون طوال هذه السنين، مازال يكتب ويفكر ويناضل، يحلم بفلسطين ويسافر من جنوب العالم العربى إلى شماله، يشارك بالرأى والمشورة، ويؤلف الكتب ويضع برامج للأحزاب المناضلة من اليمن حتى المغرب، شعاره الذى لا يتخلى عنه: الساكت عن الحق شيطان أخرس.

ولد نايف حواتمة 1935 فى السلط شرق الأردن من قبائل الغساسنة والعائلة تتبع كنيسة الروم الأرثوذكس، ارتبط بالعمل السياسى وهو فى المدارس الثانوية بالأردن، وعندما حضر إلى القاهرة لدراسة الطب فى قصر العينى، حدث العدوان الثلاثى على مصر 1956، وتطوع مع كتائب المقاومة الشعبية التى شكلت فى «أنشاص»، وبعد انتهاء العدوان سافر إلى بيروت وأخذ طرق النضال والعمل السياسى الذى ظل سائراً فيه حتى الآن، ارتبط بحركة القوميين العرب، ثم حزب البعث، الذى انقسم على نفسه، وسافر إلى العراق بعد أن كان قد اشترك فى مسيرة مسلحة «1958» أيام كميل شمعون، تحركت المسيرة من حمص إلى طرابلس، تحمل السلاح على دواب صاحبتها، ضد كميل شمعون ومشروع أيزنهاور، وعاصر فى سوريا عملية الوحدة الوحيدة التى تمت فى العالم العربى، ثم بعد الانفصال شد الرحال إلى العراق، واندمج فى المد اليسارى الاشتراكى، بعد عارف وقاسم، وصدر ضده هناك حكم بالإعدام، ثم استطاع بتحايل مغامر ذكى أن يحرر نفسه من السجن بأن ادعى أنه على صلة بقوات الجيش التى نزلت إلى بغداد، ويؤكد فى شهادته أن الحادث الذى حدث لطائرة الرئيس عبدالسلام عارف لم يكن قضاء وقدراً، ولكنه كان عملية «تصفية دموية مدبرة»، عاد إلى الأردن وعاصر أحداث أيلول الأسود، وحكم عليه مرة أخرى بالإعدام، ولم ينج منه إلا بتدخل عبدالناصر وميشيل عفلق، شارك حواتمة بعد ذلك فى عملية توحيد اليمن الجنوبى الذى كان ينقسم إلى 21 سلطنة غير عدن، وعندما وصلت المحاولة إلى النهاية المأساوية عاد إلى أرض الوطن الحلم بعد أن قدم كتاباً نادراً عن تفاصيل التجربة والفشل هو: «أزمة الثورة فى جنوب اليمن» (دار الطليعة 1968)، بعد هذا الطواف الفكرى والسياسى الذى خبر فيه الرجل عالمنا العربى داخله وخارجه: عاد إلى عين العاصفة ومحور الصراع، عاد لكى يهب فكره وعمره وكفاحه إلى المنظمة التى تملك رؤية عملية مرنة غير مساومة وغير متطرفة: تقول فى برنامجها الأساسى: المنقذ لشعبنا هو العمل الجماهيرى المنظم والأعمال الكفاحية الجماعية».

■ ■ ■

له عشرات الكتب التى تغوص فى تيارات السياسة والمغامرة الفكرية فى العالم العربى، ولكن الكتاب الذى نحن بصدده ويحمل عنوان «رحلة فى الذاكرة»: هو مجموعة شهادات قديمة وجديدة تغطى تلك الرحلة الأسطورية فى كواليس السياسة العربية، وتقدم فى نفس الوقت صورة محزنة لحالة التردى الاجتماعى والفكرى والإنسانى الذى تعيشه الجماهير العربية فى واقع راكد، ازداد فى السنوات الأخيرة تردية بعد انتكاس الحركات التى أطلق عليها الغرب لفظ الربيع العربى، الذى يقول عنه «أنا لم أرتح أبداً إلى هذه التسمية، فالربيع قصير جداً ويأتى بعده صيف وخريف قاس وطويل، إلى جانب شعار الخبز «العيش» والكرامة، والعدل أرى أن الحركات التى شملت أجزاء واسعة من العالم العربى كانت تعلن للمرة الأولى وبلا رجعة «أن الشعب يريد».

أرى أن المحافظة على هذه الإرادة المعلنة التى لا تقبل التنازل أو التراجع هى أهم تطور عرفه العالم العربى منذ قرون قضاها تحت أنواع مختلفة من الاستبداد، حيث استعملت أحياناً كلمات الحرية والديمقراطية والانتخابات كأنواع من الزينة أو البهارات التى يزين بها السلطان مائدته، إن إعلان الشعب عن إرادته بصوت عال هو التطور الحقيقى الوحيد منذ مقتل بوعزيزى فى تونس وخالد سعيد فى الإسكندرية، لقد «هرمنا» جميعاً تحت أنواع مختلفة من القمع والاستبداد، ومن السذاجة أن نتصور أننا قد تخلصنا من كل هذا التاريخ فى أشهر أو سنوات، الثورة المضادة فى الميادين الآن، يكفى أن ترى مصير ليبيا أو العراق أو مجازر سوريا ومحاولات التيارات الإخوانية والداعشية فى اليمن والسودان وسيناء وفى جيوب مصر التى حققت إعلاناً جديداً عن إرادة الشعب فى 30 يونيو، وعليها أكثر من أى طرف آخر، المحافظة على تحقيق هذه الإرادة.

■ ■ ■

المنظمة والأمين العام لم يتراجعا عن اعتقادهم فى الماركسية رغم نكسات الاتحاد السوفيتى والعالم الاشتراكى، الرجل يفكر من داخل معطيات البيئة والبناء الفكرى والاجتماعى فى العالم العربى، وبعد تجاربه مع القوميين العرب وحزب البعث والمنظمات الفلسطينية الأخرى يرى أن فى الفكر الماركسى الأصيل حلولاً لهذا الواقع المتردى إذا أحسن استخدام الأيديولوجية كسلاح لنضال الجماهير، لم تكن الماركسية بالنسبة له سدا لفراغ فكرى ولكنها كانت تقدم وسيلة عملية لتحقيق ما يسميه هو الثلاثى الكونى: «تحرير العقل، الحرية والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية».

بمراجعة تاريخ الكفاح من أجل فلسطين يرى حواتمة: أن تحول قضية فلسطين إلى قضية قومية للعالم العربى قد أحدث صراعاً بين الفكر الوطنى والفكر القومى، وعلى الرغم من التضحيات والشهداء التى قدمتها البلاد العربية وعلى رأسها مصر، من أجل استرداد فلسطين، فإن الذى حدث هو نوع من السلبية والعجز الذى أصاب قطاعات مختلفة من الشعب الفلسطينى، ورغم الانتفاضات الأخيرة: الأولى والثانية فإن الدهاليز التى دخلت فيها منظمات العمل الفلسطينى أخرت اليقظة الكاملة التى كان يجب أن يتحرك بها الشعب حتى وصلنا إلى كوارث الانقسام الشامل «فتح، وحماس» ودخلت الحكومات الهزيلة المتتابعة فى سياسات الانتظار والاعتماد الذى أضر ويعطل المواجهة العملية للمشكلة.

والمنظمة وحواتمة لا يدعوان إلى أنواع من المغامرات العسكرية غير المحسوبة بل هم رفضوا دائماً حتى المغامرات العسكرية الفردية والعمليات الخارجية التى تمثلت فى خطف الطائرات وغيرها، وإن كانت قد حققت كثيراً من الضربات الموجعة لقوات العدو ولتجمعاته العسكرية والاستيطانية.

لقد وقف حواتمة ضد «أوسلو» كمنهج فى التفكير، وإن كان قد دعا إسرائيل إلى تحويل السيوف إلى مناجل، وحاول دون جدوى الاعتماد على قوى التقدم واليسار داخل المجتمع الصهيونى، ولكن سرطان الاستيطان والفكر التوسعى كانا هما المقابل لمحاولات الوصول إلى حلول إنسانية للمأزق التاريخى الذى دخل فيه الصراع العربى الإسرائيلى بحيث إن أى أمل للحل أو للوصول إلى فجر جديد لن يكون إلا بتحقيق إرادة الشعوب العربية فى الدخول إلى عالم العصر الذى لن يسمح بوجود سرطان التوسع والاستيطان الصهيونى.

كتاب رحلة فى الذاكرة وثيقة حية لفكر حر متقدم وطبعته القاهرية هذه هى الطبعة الخامسة، مما يعنى أن الرجل لا يصرخ فى بادية وأن آذان المستقبل تستمع إلى خبرته السياسية العملية الأمينة.

رحلة فى الذاكرة، نايف حواتمة، دار الثقافة الجديدة، القاهرة 2015

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية