x

هاني السلاموني الأمن الغذائي المصري وخطر الارتفاع الجنوني في أسعار الغذاء هاني السلاموني الجمعة 08-05-2015 21:00


يعرف مصطلح الأمن الغذائى بمدى قدرة الدولة على توفير الأغذية الأساسية للمواطنين، ومصر كانت عبر العصور سلة الغذاء لنفسها ولمن حولها، ولكن نتيجة لسياسات خاطئة وكفاءات ضعيفة حكمت منظومة الزراعة لفترات زمنية طويلة اتسعت الفجوة الغذائية لتصل إلى 60% حيث يتم الاعتماد في سد هذه الفجوة على الاستيراد من الخارج، مما حمل ميزانية الدولة أعباء أعاقت خطط التنمية (إن وجدت)، كما يستحوذ الغذاء على جزء كبير من دخل الأسر المصرية شهريًا بنسب تتراوح ما بين 60% و80% مما يشكل عبئا كبيرا في ظل الارتفاع الجنونى للأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة وتدني الأجور، حيث وصل سعر الكيلوجرام من الطماطم إلى 8 جنيهات، ومن البامية 25 جنيهاً، ومن الثوم إلى 16 جنيهاً، بينما البرقوق والعنب تراوحت أسعارها ما بين 25 و30 جنيهاً للكيلوجرام.

والسبب الأساسي لارتفاع أسعار الغذاء فى مصر هو ارتفاع تكاليف الإنتاج والذى نتج عنه أن 73% من حائزى المساحات الزراعية فى مصر يملكون أقل من ثلاثة أفدنة، بينما تصل نسبة من يحوزون على أقل من فدان فى الصعيد إلى 47% فى مقابل 30% فى وجه بحرى، تفتيت الحيازات الزراعية أدى إلى ضعف الجدوى الاقتصادية لمنظومة الزراعة فى مصر، وأصبح أمل أى مزارع أن يبيع أرضه كأرض مبانٍ عوضاً عن استثمارها فى قطاع الزراعة، وفى نفس الوقت ساهمت الدولة فى إضعاف منظومة التعاونيات الزراعية التى كان من المفترض أن يكون لها دور أساسى فى دعم وتقوية صغار المزارعين وحولتها إلى كيانات غير فعالة يتحكم بها موظفو وزارة الزراعة الذين أصبحوا أقوى من مجالس الإدارات المنتخبة (على الرغم من أن أموال التعاونيات أموال خاصة وليست عامة) وسيطروا على موارد وانشطة الجمعيات، فبدلاً من قيام الجمعيات بمساعدة صغار المزارعين فى شراء مدخلات الإنتاج من بذور وشتلات وأسمدة ومبيدات وتوفير معدات الميكنة اللازمة لهم، تم التركيز على تعيين الأقارب والمحاسيب كموظفين فى الجمعيات، خاصة فى مواسم الانتخابات.

كما تسببت كمية الفقد فى المحاصيل الزراعية- والتى وصلت إلى 40% من إجمالى الإنتاج (ترتفع النسبة فى الطماطم لتصل إلى 50% طبقاً لبعض الدراسات) نتيجة لاستخدام طرق بدائية فى الحصاد من جهة والتخزين السيئ من جهة أخرى (شون القمح على سبيل المثال يصل نسبة الفقد بها لـ 35% نتيجة الأعفان وما تتغذى عليه الطيور والحشرات والقوارض)، كما تسبب عدم تخصيص مناطق للتصنيع الزراعى (فرز وتدريج وتبريد وتعبئة وشحن) ماعدا فى حالات المحاصيل التصديرية- فى زيادة الفقد وانخفاض جودة المنتج، وبالتالى أثر بشدة على الصادرات وعلى السوق المحلية.

بينما كان غياب الأسواق المنظمة عاملا شديد الأهمية فى تحقيق خسائر شديدة للمزارعين، حيث لم تبنِ الدولة من حدودنا مع السودان وحتى البحر المتوسط سوى سوق العبور وسوق 6 أكتوبر واللتين لا تستوعبان سوى نسبة محدودة من الإنتاج الزراعى فى مصر، أما باقى مزارعى مصر فيتعاملون مع الشوادر والتى يحكمها تجار تمرسوا فى فن اختلاق الأزمات واحتكار السلع لبيعها فى أوقات أخرى بأسعار مرتفعة وتحقيق أرباح هائلة، وبالتالى لا يجد صغار المزارعين بداً من: إما قبول البيع بأسعار وأرباح منخفضة لا تساوى المجهود أو حجم الاستثمار المبذول، أو التخلص من المنتج على الطريق، أو حرثه بالأرض وتقبل الخسارة.

أما نقل المحاصيل الزراعية فهو سبب رئيسى فى ارتفاع الأسعار، لأن وسيلة النقل الوحيدة المتاحة خلال سيارات تعمل بالديزل وهى وسيلة مكلفة جداً وتتحكم بها أسعار الوقود من ناحية وملاك سيارات النقل من ناحية أخرى، بينما تم إهمال النقل النهرى بدون سبب وخصصناه لنقل المواد الكيميائية شديدة الخطورة والتى تلوث نهر النيل، أما النقل من خلال قطارات السكة الحديد الأقل تكلفة فهو ممنوع وغير مسموح به لأسباب مجهولة.

إذا أرادت الدولة السيطرة على جنون الأسعار لتحقيق الأمن الغذائى للمصريين فيجب عليها تطوير التعاونيات وتقديم خدمات دعم فنى لصغار المزارعين من خلال جمعياتهم التعاونية، وتعميم مبدأ الزراعات التعاقدية، وخلق مزيد من الأسواق الداخلية المنظمة لبيع وتداول المحاصيل الزراعية، وربط مراكز البحوث بالجمعيات التعاونية، وأن يتم منح الدعم الحكومى للجمعيات التعاونية فقط التى تلتزم بالدورة الزراعية للمحاصيل الإستراتيجية التى تشتريها الدولة، فى الوقت الذى يروج فيه بعض من يحملون أفكار القرون الوسطى بأن حل مشاكل قطاع الزراعة فى مصر يأتى عبر استصلاح المزيد والمزيد من الأراضى لتوسيع الرقعة الزراعية باستخدام نفس القواعد والأفكار التى دمرت صناعة الزراعة فى مصر، فإن إصلاح 9 ملايين فدان يبرز ليكون أكثر إلحاحاً وأهمية عن استصلاح مزيد من الأراضى تلتهم استثمارات ضخمة وكميات من مياه الرى قد لا تكون متوفرة فى المستقبل ولن تقدم نتائج مرجوة لا فى المستقبل القريب ولا البعيد.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية