x

أنور الهواري فى نقد «المصرى اليوم» أنور الهواري الخميس 07-05-2015 14:04


لو عندنا- في «المصرى اليوم» فرصة لحوار صحفى صادم مع حازم أبوإسماعيل أو مع خيرت الشاطر، فلن نتردد، ولن يُساورنا أي شك في نُبل مهمتنا.

كذلك، لو سمحت لنا الفُرصة بحوار مع آية الله على خامنئى أو مع أردوغان أو الشيخة موزة أو الشيخ حسن نصرالله أو الشيخ أبوبكر البغدادى أو أي شيخ من هؤلاء الذين يملأون الآفاق، فلن نتردد، ولن يساورنا شك في شرف رسالتنا.

ولو كتبنا- في هذه اللحظة- قصة ما يجرى في المطار، والمطار هو عنوان البلاد، من خناقة ياسمين، إلى اللائحة الجديدة، إلى دخول الحمار، لقُلنا من الكلام ما يوجع، لربما قُلنا هي أزمة أمة، لا تعرف لها موعداً للإقلاع، لقُلنا هي أزمة بلد تتداعى فيه المؤسسات، لقُلنا هي أزمة مسار تائه بلا خريطة وبلا بوصلة وبلا قيادة تعرف أين تبدأ رحلةُ الطريق وأين تنتهى!. لقُلنا هي أزمةُ أمة وعدها حكامُها الجدد بالإقلاع نحو الذروة، «مصر أم الدنيا وحتبقى أد الدنيا»، فرح الشعبُ، واستعد، ثم فوجئ أنه مركون في صالات الانتظار، تسويف بعد تسويف، ومماطلة بعد مماطلة، نقولُ هذا دون تردد، ودون أن يساورنا شك في صدق نوايانا.

الناسُ ينزعجون، ومن حقهم أن ينزعجوا، من حوارات ننشرها مع وجوه ليست مرغوبة عند الشعب، وهذه الظاهرة تتكرر كثيراً في «المصرى اليوم»، ولستُ أدافع عنها، ولكن أؤكد أنها من صُلب سياستنا التحريرية، المهم عندنا هو نظافة أيدينا، هو نزاهة جيوبنا، هو شرف أدائنا، المهم عندنا أن المحرر لا يبيع قارئه لحساب مصدره، المحرر لا يبيع صحيفته لمصالح مشبوهة أو حتى غير مشبوهة، المهم ألا تكون جُزءاً من صفقة أو تسوية تدور خلف الجدران العالية، دون ذلك، وبكل تجرد، من واجبنا أن ننشر لك ما ينفعُ الوعى، وليس ما يُرضيه فقط، ننشر ما ينفع الرأى العام مهما كانت مرارته، المُهم أن تكون المادة المنشورة تنطوى على معلومات جديدة، أو وجهات نظر جديدة، أو روايات للأحداث جديدة. أما الحُكم على الناس فليس من وظيفتنا، لسنا جهة إدانة، ولسنا جهة براءة، وأكثر ما نستطيعه أن نكون شهوداً نقول من الحق ما نعلم أنه الحق، ونقدم من الأدلة ما يرقى إلى مستوى الأدلة، ويبقى الحُكمُ الأخير حقاً للقارئ وحده.

تأسست «المصرى اليوم» على النموذج البريطانى «الديلى تليجراف» بما يعنى:

رقم واحد: أن رئيس التحرير لا يكتب مقالات منتظمة أبداً، هو يتفرغ ليأتى للصحيفة بمن يكتب أصدق خبر، وأروع مقال، وأجمل صورة، وأنسب إخراج، إلى آخره، وللأسف أنا من وضع هذه القاعدة، وأنا من خرج عليها. وأشهدُ أن الزملاء من رؤساء التحرير الذين تولوا المسؤولية كانوا هم الأكثر التزاماً بهذه القاعدة.

رقم اثنين: الفصل التام بين الملكية والإدارة، ثم الفصل بين الملكية والتحرير، في البداية كان في «المصرى اليوم» قدرٌ معقولٌ من التوازن، ليس مثالياً في حد ذاته، ولكنه كان تطوراً محموداً في ظروف بلد مثل مصر، لكن مع مرور الزمن، بدأت هذه القاعدة تنكسر، ونقرأ مقالات في الصفحة الأخيرة باسم مالك الصحيفة، وهو عضو قيادى قديم في حزب سياسى عريق، ومن الأفضل أن يعبر عن رأيه الخاص بعيداً عن الصحيفة التي يملكها، حتى لو كان من سعة الأفق بحيث يرحب بنشر الردود المخالفة لوجهة نظره. المالك- وهذا حقه- يملك الصحيفة كشركة ومؤسسة وأصول ورأس مال وماركة مسجلة لها اسمها واحترامها وتأثيرها. لكن مضمون الصحيفة هو ملكٌ لقارئها، ملكٌ لمن يعطيها ولاءه، ملكٌ لمن يقتطع من قوت يومه ليدفع ثمنها كل صباح.

رقم ثلاثة: الصحيفة دورُها هو القيادة، قيادة البلد، في طريق من ثلاث محطات:

المحطة الأولى: تخليص مصر من بقايا ومواريث ستة عقود من التخلف السياسى، الذي قادنا إلى تخلف حضارى شامل.

المحطة الثانية: حماية البلد من الوقوع في قبضة الاستبداد الدينى، فهو البديل الأسوأ والأشد لعنة.

المحطة الثالثة: قيادة البلد نحو البديل المدنى، ولو من نقطة الصفر، وعلينا أن نعترف أننا نقف على نقطة الصفر، وعلينا أن نبدأ البناء المدنى الديمقراطى من مرحلة وضع الأسس نفسها.

رقم أربعة: الصحيفة ليست طرفاً في الصراع الحزبى، أو هكذا ينبغى أن تكون، وليست طرفاً في الصراع على السلطة، أو هكذا ينبغى أن تكون، لكن عليها واجب في تهيئة المناخ لتأسيس حياة حزبية رشيدة ومسؤولة، لن تقوم ديمقراطية بدونها، ثم عليها ترشيد أداء السلطة السياسية لتكون في خدمة التحضر الفردى والجماعى، بدلاً من أن تكون الراعى الرسمى لمواريث القرون من عبادة الحاكم وتمجيد الدولة.

آخرُ الكلام: للصحيفة معركة، والصحافة بغير معارك تموت، ومعركتُنا في هذه اللحظة: إحياء المعادلة الاجتماعية بين الحقوق والواجبات، حقوق السلطة وواجباتها، وحقوق المجتمع وواجباته. التركيز على الحقوق فقط يعنى اللجوء إلى التحريض، والتركيز على المسؤوليات فقط يعنى خدمة ثقافة الخضوع. نحنُ في مرحلة استثنائية، تعجز فيها السلطة عن القيام بدورها دون سند من الأمة، وتعجز الأمة عن تحقيق مطامحها دون سند من السلطة.

«المصرى اليوم» هي ملتقى الحوار بين السلطة وهى- الآن- جريحة، وبين الأمة، وهى- الآن- تبحثُ عن نفسها في كل الدروب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية