x

هاني رسلان مصر وإسرائيل وأفريقيا هاني رسلان الإثنين 20-04-2015 21:06


من المعروف أن أحد أهم أهداف السياسة الإسرائيلية فى أفريقيا هو محاصرة مصر فى الدائرة النيلية، والتأثير أو التحول إلى لعب دور فاعل فى تصعيد الخلاف حول قضايا مياه النيل، وذلك عبر اتباع استراتيجية التطويق والاحتواء من خلال علاقات متشعبة فى مختلف المجالات، وبخاصة الأمنية والاقتصادية منها. حيث يتم ذلك تحت زعم التعاطف مع شعوب هذه البلدان باعتبار أن هناك قضية مشتركة تتمثل فى الربط بين ما تستند إليه إسرائيل من تعرض اليهود لبعض أنواع الاضطهاد، وبين حركة الزنوجة الأفريقية والمعاناة السابقة من المستعمر الأبيض وقضايا الاسترقاق.

وتعتمد إسرائيل من الناحية العملية على تقديم المساعدات والخدمات الفنية، وكذلك على تعمد التعامل مع جماعات أفريقية بعينها بهدف تدعيم استمرارها فى السلطة إن كانت حاكمة، أو توسيعًا لدورها فى نشر حالة عدم الاستقرار السياسى فى بعض الدول، كما حدث فى جنوب السودان، ويحدث الآن فى الكونغو.

وبعد أن تحققت بعض الأهداف الإسرائيلية المتمثلة فى كسر طوق العزلة وإثبات الشرعية القانونية والسياسية، فإنه من الواضح أنها تسعى الآن لتأكيد هيمنتها الإقليمية عبر النفاذ إلى عمق الأمن القومى المصرى الجنوبى، وتوظيف دول المنابع لحصار دولة المصب.

فى الوقت الحالى، تتعدد مؤشرات التواجد الإسرائيلى من حيث البعد الاقتصادى فى دول حوض النيل على مستوى الزراعة والعمالة والتبادل التجارى والفنى، حيث تعطى إسرائيل قطاع الزراعة اهتمامًا يفوق اهتمامها بالقطاعات الأخرى انطلاقا من كونه النشاط الأساسى لنسبة كبيرة من السكان، كما تهتم بقطاع السياحة الذى تحصل منه على عوائد تمول منها جزءا من نشاطاتها الأخرى فى أفريقيا، وذلك فضلا عن القطاعين الأمنى والعسكرى، حيث لعبت إسرائيل دورا أساسيا فى فصل جنوب السودان عن شماله، ثم عادت، ووجهت عدة ضربات عسكرية لأهداف محددة فى السودان. كما أشارت تقارير عديدة إلى تواجدها الأمنى الكبير فى الكونغو، سواء على مستوى التسليح أو تقديم الاستشارات، أما فى إثيوبيا فقد أشار حيدر يوسف، وكيل وزارة الرى السودانى السابق، فى حوار نشر حديثا له- لأن إسرائيل تلعب أدوارا ضخمة ومؤثرة فى قضايا المياه والطاقة فى إثيوبيا.

مصر والعودة إلى أفريقيا:

من المعروف أن العلاقات المصرية الأفريقية كانت قد شهدت قدرا واضحا من التراجع بعد مرحلة الازدهار والصعود الكبيرين، التى شهدتها فى عقدى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، حيث مرت بأطوار عديدة أفضت فى نهاية المطاف إلى مرحلة الجمود الذى وصل إلى حد الغياب منذ منتصف تسعينيات القرن الماضى، إلى أن جاءت ثورة يناير 2011، وما فجرته من قضايا مسكوت عنها، لكى تعقبها ثورة 30 يونيو وما سلطته من أضواء كاشفة على العلاقات المصرية الأفريقية، إثر قرار الاتحاد الأفريقى بتجميد أنشطة مصر. ورغم تجاوز مصر بنجاح كبير لهذه العقبة، فهذا الإجراء رغم طبيعته السلبية أدى إلى خلق موجة من الاهتمام الإيجابى بعلاقات مصر الأفريقية، ونشأ عنه إدراك واسع بالحاجة إلى المراجعة وإعادة صياغة العلاقات المصرية مع أفريقيا على أسس جديدة.

وهكذا يمكن القول إنه إذا كانت ثورة يوليو 1952 تعد بمثابة المرجعية التاريخية، أو خط البداية الفعلى لتطور العلاقات المصرية الأفريقية، فإنه من الواضح أن ثورة 30 يونيو ستكون عنوانا لنهاية حقبة كاملة فى هذه العلاقات، لكى تبدأ مرحلة جديدة بناء على آليات مختلفة، تأخذ فى الاعتبار التحديات التى تمر بها مصر، وهى فى مفتتح مرحلة جديدة من تطور دولتها الوطنية، آخذة فى الحسبان التطورات التى شهدتها القارة وما تفرضه هذه التطورات من فرص وتحديات.

وإذا ألقينا نظرة شاملة على مراحل تطور علاقة مصر بأفريقيا، فيجب علينا الإقرار بأن أفريقيا قد تغيرت، كما أن مصر نفسها تمر الآن بمرحلة تغير هائلة وتسعى إلى إعادة نظر شاملة لتجديد أدواتها واستعادة قدراتها وحيويتها، فإن هذا يتزامن أيضا مع دخول أفريقيا عهدا جديدا، أبرز ملامحه الدور الكبير للعمل الجماعى والشراكات الإقليمية، وذلك فى إطار الوصول إلى صيغة متقدمة من صيغ الاتحاد وتنسيق السياسات،، ويصاحب ذلك تكالب العديد من القوى الدولية غير التقليدية على أفريقيا طلباً للمكانة والنفوذ، مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل وإسرائيل وتركيا وإيران، بجانب القوى التقليدية كالدول الأوروبية والولايات المتحدة.

يضاف إلى ما سبق صعود دور بعض القوى المحلية على المستوى القارى وقيادتها للعمل الأفريقى المشترك، وسعيها للعب أدوار أكبر سواء كممثلة لأفريقيا على المستوى العالمى أو كقائدة على المستوى القارى، مثال جنوب أفريقيا ونيجيريا، فضلا عن تصاعد الطموحات الإثيوبية.

وتجدر الإشارة هنا إلى ما شهدته الحدود الجنوبية لمصر من تحولات كبرى تمثل فى مجملها تهديدات متعددة لأمن مصر القومى ولحضورها السياسى، فالسودان أصبح دولتين بما يعنيه ذلك من اختلال كل التوازنات الاستراتيجية الواقعة جنوب الحدود المصرية، كما شهدت منطقة القرن الأفريقى ومنطقة البحيرات العظمى تحولات استراتيجية مهمة، وقيام مشاريع للتكامل فى منطقة شرق أفريقيا بمعزل عن مصر، وأخيرا تكوين قوات عسكرية مشتركة فى منطقة البحيرات، وتصل عملياتها إلى دولة جنوب السودان، وبمشاركة قوى دولية، تحت اسم محاربة الإرهاب، كما أن تفاعلات الأزمة الصومالية أصبحت تتشكل فى ظل الوجود الإثيوبى المهيمن وغياب مصرى كامل.

وهكذا، فإن التحدى الرئيسى الذى يواجه مصر ليس فى مجرد العودة الى الاتحاد الأفريقى والمشاركة فى الأنشطة والمؤتمرات، ولكن فى تدشين رؤى وسياسات متكاملة من أجل حماية المصالح وتعزيز المكانة والنفوذ، وهو الأمر الذى يستلزم تحديد دوائر الحركة والقضايا ذات الأولوية داخل هذه الدوائر، وأخيرا تقييم وتطوير الجهات المنوط بها صياغة وتنفيذ السياسة المصرية تجاه أفريقيا.

وفيما يخص دوائر الحركة، فلدينا ثلاث دوائر مهمة على الساحة الأفريقية: أولها السودان بدولتيه، ومعهما منطقة حوض النيل والبحر الأحمر. والثانية مجموعة الدول ذات التأثير على المستوى القارى كنيجيريا وجنوب أفريقيا وإثيوبيا. والثالثة الكتلة الإسلامية فى غرب وشمال غرب أفريقيا. ومن ثم، يبقى الحديث عن مداخل تطوير العلاقات.. فسياسيا: يتحتم تكثيف الجهود المصرية لإقامة تحالفات عميقة قائمة على الشراكة وتكثيف المصالح مع هذه الدوائر الثلاث.

واقتصاديا: يعد الشق التنموى وتعميق الشراكة الاقتصادية مدخلا مهما لتطوير العلاقات، حيث شهدت أفريقيا زيادة فى الدخل الحقيقى بنسبة تتجاوز (30%)، كما يوجد فى أفريقيا سبع دول تعد بين الدول العشر الأسرع نموا من الناحية الاقتصادية فى العالم. وبناء عليه، توجد فرص اقتصادية حقيقية للاستثمار والتعاون، وتبنى استراتيجية التوجه جنوبا بما يساعد على تحقيق شراكة حقيقية.

واستراتيجيا: لا شك أن ثمة عمليات إعادة تشكيل جيوستراتيجية لبعض الأقاليم الكبرى فى أفريقيا مثل الساحل والصحراء والقرن الأفريقى والبحيرات العظمى، وهى مناطق ذات ارتباط وثيق وبشكل مباشر بقضايا الأمن القومى المصرى. ومن ثم يجب الاشتباك الاستراتيجى والتداخل المباشر مع تلك القضايا من أجل امتلاك النفوذ والتأثير.

وثقافيا: فإن مصر لديها رصيد مهم من أدوات القوة الناعمة فى أفريقيا وفائض قوة حضارى وإنسانى يحتاج إلى تفعيل جاد برؤى مختلفة، مع العمل على إزالة المدركات السلبية المتبادلة وفتح آفاق جديدة للتعاون وتنمية العلاقات فى كافة مجالاتها.

كما تجدر الإشارة إلى أن تركيز مصر على لعب دور بارز فى العمل الجماعى الأفريقى ومؤسساته المختلفة، سيكون بمثابة القاطرة التى تستطيع أن تقود عملها فى الدوائر الثلاث التى أشرنا إليها، ولن يتأتى ذلك إلا بزيادة دور مصر وإسهامها فى حل الصراعات الأفريقية، والمزيد من تفعيل دورها القائم بالفعل فى قوات حفظ السلام، بتفعيل دور مصر فى حل النزاعات وتوجيه الدبلوماسية المصرية لمزيد من العمل النشط والفعال وتكتيل الجهود، دفاعا عن القضايا الأفريقية فى المحافل الدولية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية