مقولات ثلاث أثبتت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة زيفها. أولاها تتعلق بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وثانيتها بالقضية الفلسطينية، وثالثتها تتعلق بإسرائيل نفسها. أما المقولة الأولى، فهى تلك التى تقول بأن أى مساس بالعلاقات «الأمريكية- الإسرائيلية» يثير قلق الإسرائيليين. فلعل نتنياهو هو أول رئيس وزراء يحول إسرائيل إلى قضية صراع حزبى فى أمريكا، بعد أن كانت من القضايا التى تحظى بإجماع غير حزبى وغير أيديولوجى فى الولايات المتحدة. وقد وصلت العلاقات بين البيت الأبيض ونتنياهو إلى أدنى مستوى لها فى تاريخ العلاقات بين البلدين، وشهدت تراشقا لفظيا وصل إلى أعلى مستوياته بعد قبول نتنياهو دعوة رئيس مجلس النواب (الجمهورى) لإلقاء كلمة أمام مجلسى الكونجرس، دون إخطار الرئيس (الديمقراطى). والمسألة لم تقتصر على البيت الأبيض فقط، إذ شملت الأزمة قيادات فى الحزب الديمقراطى، وقطاعات واسعة من النخبة الأمريكية وجهت انتقادات غير مسبوقة لنتنياهو. ومع ذلك، فاز نتنياهو فى الانتخابات الإسرائيلية، الأمر الذى يوضح زيف مقولة إن الإسرائيليين ينتابهم القلق تجاه أى ما قد يعكر صفو العلاقات مع أمريكا، الحليف والداعم الأول. فإسرائيل اليوم صارت أكثر غطرسة من أى وقت مضى ينتابها جنون القوة على نحو صار يمثل خطرا حقيقيا على كل من حولها.
أما المقولة الثانية التى ثبت زيفها، فهى تلك المتعلقة بحل الدولتين. فقد أفصح نتنياهو أثناء الانتخابات علنا عما تفعله إسرائيل على أرض الواقع. فهو صرح برفضه إقامة الدولة الفلسطينية من أساسها ومعارضته حل الدولتين. وتعهد بمنع قيام الدولة الفلسطينية طوال فترة حكمه، إذا ما انتخب لمدة جديدة. والحقيقة أن أى متابع لما يجرى على الأرض طوال السنوات الماضية كان بإمكانه، دون حاجة لذكاء، أن يدرك أن ما قاله نتنياهو منذ أيام كان بالضبط ما تفعله إسرائيل طوال تلك السنوات. فهو كان يفعل كل ما بوسعه من أجل ابتلاع كل الأرض المحتلة، وخلق استحالة عملية لقيام أى دولة فلسطينية. أما المفاوضات التى كانت تحدث بين الوقت والآخر، فكانت تتم فقط لكسب الوقت حتى تحقيق ذلك الهدف. الطريف فى الأمر هو أن نتنياهو بعد الانتخابات مباشرة كذّب نتنياهو ما قبل إجرائها، مؤكدا من جديد على التزامه بحل الدولتين، واثقا بأن العالم الذى التزم الصمت إزاء عدوانه المتكرر على الفلسطينيين وابتلاعه أرضهم سيكون قادرا بالضرورة على أن يصدقه الآن، إذا قال له بالإنجليزية غير ما قاله للإسرائيليين بالعبرية.
أما المقولة الثالثة الزائفة، فهى مقولة إسرائيل «الديمقراطية الوحيدة» فى المنطقة. فالمسألة لا تقتصر على التصريحات العنصرية الفجة للقيادات الإسرائيلية طوال مرحلة الانتخابات ضد العرب الذين يشكلون 20% من نسبة المواطنين، وإنما تذهب لما هو أبعد من ذلك. فالفوز الذى حققه من يرفضون حل الدولتين معناه فى الواقع القبول بدولة فصل عنصرى بغيضة، لا تحرم فقط نسبة كبيرة من سكانها من حقوقهم الأساسية وتعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، وإنما تعنى أيضا أن الائتلاف المتطرف الذى سيحكم إسرائيل بإمكانه اقتلاع فلسطينيين وتهجيرهم.
والمقولات الثلاث الزائفة تمثل نهاية صريحة ومن طرف واحد هو الطرف الأقوى، المسلح نوويا، لملف التسوية السياسية الذى ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه كان مجرد مسرحية عبثية منصوبة ذرًا للرماد فى العيون وإلى أن يتم ابتلاع الأرض.