أفرزت الانتخابات التشريعية الإسرائيلية مشهداً معقداً ليس من السهل بموجبه تشكيل حكومة تؤدى عملها لأربع سنوات، أى تكمل المدة النيابية للكنيست، أو فترة زمنية أطول من سابقتها من ناحية، وكذلك احتكام أى ائتلاف حكومى إلى شروط ورؤى متناقضة أو على الأقل إلى مطالب مختلفة تتعارض جزئياً أو كلياً مع مطالب بعض الأطراف المشاركة فى الائتلاف، من ناحية أخرى.
بالتأكيد حقق الفلسطينيون انتصارا أخلاقيا مهما، أولاً: لوحدتهم وتشكيل القائمة المشتركة والتغلب على نزعة الفردية لاحتكار التمثيل، وإن كان البعض يقول إن هذه الوحدة هى اضطرارية، لكن الحفاظ على الذات هو أيضا إنجاز فى مواجهة الهجمة الشرسة من اليمين الإسرائيلى المتطرف. وثانياً: استنهاض القوة التصويتية للفلسطينيين فى الأراضى المحتلة عام 1948، ليس فقط لتجاوز نسبة الحسم العالية التى فرضتها أحزاب اليمين فى الكنيست السابق، بل لتحقيق زيادة فى عدد النواب العرب فى الكنيست. وثالثاً: تمكُن القائمة المشتركة من الحصول على القائمة الثالثة الأكبر فى الكنيست، ما يمكنها من لعب دور محورى فى حالات محددة فى ائتلاف حكومى أو فى المعارضة.
تشير نتائج الانتخابات إلى وجود أربع كتل أساسية فى الكنيست هى اليمين واليمين المتشدد (الليكود والبيت اليهودى وإسرائيل بيتنا)، والوسط (التحالف الصهيونى، ويوجد مستقبل، وكولانو)، والأحزاب الدينية (شاس، ويهدات هتوراة)، واليسار الذى يجمع كلا من (القائمة المشتركة، وميرتس). لكن داخل كل تكتل تناقضات وخلافات فى مواقفها من القضايا المختلفة المطروحة على الكنيست والحياة فى إسرائيل.
أظهرت النتائج أيضا أن بنيامين نتنياهو مازال يتمتع بقدرات تمنحه البقاء السياسى، بل أيضا فاعل رئيسى فى العملية السياسية الإسرائيلية، والأفضل حظاً فى تشكيل الحكومة القادمة، دون إنكار أن يتمكن إسحاق هرتسوغ فى حالات محددة من تشكيل الحكومة. نظرياً يتمكن نتنياهو فى خمسة سيناريوهات من تشكيل الحكومة مقابل ثلاثة سيناريوهات لهرتسوغ. فى أغلب هذه السيناريوهات تكون الحكومة ضيقة إلا فى حالة حكومة وحدة وطنية بتحالف الليكود والتحالف الصهيونى. فالسيناريوهات الخمسة المحتملة لنتنياهو هى السيناريو الأول: تشكيل حكومة يمين وسط قوامها 65 مقعداً تتكون من (الليكود 30 مقعدا، البيت اليهودى 8 مقاعد، إسرائيل بيتنا 6 مقاعد، يوجد مستقبل 11 مقعدا، كولانو 10 مقاعد). والسيناريو الثانى: تشكيل حكومة من أحزاب اليمين والمتدينين دون حزب ليبرمان «إسرائيل بيتنا» تتكون من 62 مقعداً أطرافها (الليكود 30 مقعداً، البيت اليهودى 8 مقاعد، شاس 7 مقاعد، يهودات هتوراة 7 مقاعد، كولانو 10 مقاعد). والسيناريو الثالث، يتمثل بتشكيل حكومة من أحزاب اليمين وأحزاب المتدينين، بالإضافة إلى حزب ليبرمان «إسرائيل بيتنا» تتكون من 68 مقعدا أطرافها (الليكود 30 مقعدا، البيت اليهودى 8 مقاعد، إسرائيل بيتنا 6 مقاعد، شاس 7 مقاعد، يهودات هتوراة 7 مقاعد، كولانو 10 مقاعد). والسيناريو الرابع: تشكيل حكومة وحدة وطنية تشتمل على أربعة أحزاب «الليكود وأحزاب الوسط» تحوز على 74 مقعدا فى الكنيست هى (الليكود 30 مقعدا، والتحالف الصهيونى 24 مقعدا، يوجد مستقبل 11 مقعدا، كولانو 10 مقاعد). والسيناريو الخامس حكومة وحدة وطنية موسعة بـ89 مقعدا فى الكنيست، تشمل أحزاب اليمين والوسط، تتكون من (الليكود 30 مقعدا، والتحالف الصهيونى 24 مقعدا، يوجد مستقبل 11 مقعدا، كولانو 10 مقاعد، البيت اليهودى 8 مقاعد، إسرائيل بيتنا 6 مقاعد).
فيما «يتمكن» هرتسوغ من تشكيل حكومة وفقا لثلاثة سيناريوهات هى: السيناريو الأول تشكيل حكومة يسار وسط مدعومة من 63 مقعدا فى الكنيست تتكون من (التحالف الصهيونى 24 مقعداً، يوجد مستقبل 11 مقعدا، كولانو 10 مقاعد، ميرتس 5 مقاعد، بالإضافة الى القائمة المشتركة ككتلة مانعة). والسيناريو الثانى يتمثل بتشكيل حكومة من أحزاب الوسط واليسار والمتدينين مدعومة من 66 مقعدا دون حزب يائير لابيد «يوجد مستقبل» تضمن مشاركة كل من (التحالف الصهيونى 24 مقعدا، كولانو 10 مقاعد، ميرتس 5 مقاعد، شاس 7 مقاعد، ويهودات هتوراة 7مقاعد، بالإضافة إلى القائمة المشتركة ككتلة مانعة). والسيناريو الثالث، بعيد المنال، يتمثل فى حكومة وحدة وطنية يضمن تأييد 79 مقعدا يتكون من (التحالف الصهيونى 24 مقعدا، الليكود 30 مقعدا، يوجد مستقبل 11 مقعدا، كولانو 10 مقاعد، ميرتس 5 مقاعد).
إن تشكيل أى ائتلاف حكومى عليه الإجابة، على الأقل، عن التحديات المتعلقة بأولويات كل حزب الخاصة بالقضايا الاجتماعية كالسكن والضرائب والاحتكارات، ومسألة تجنيد المتدينين والأموال الخاصة بمدارس الأحزاب الدينية، والمساواة أو إزالة الفجوات ما بين العرب واليهود ومناطقهم، والمفاوضات أو عملية السلام مع الفلسطينيين والموقف من إقامة الدولة الفلسطينية وقضايا الحل النهائى، ومكانة إسرائيل بما فيها العلاقة مع المجتمع الدولى، وبشكل خاص مع الولايات المتحدة الأمريكية وأولوياتها. بالإضافة إلى مسألة التسليم بأن تتولى القائمة المشتركة زعامة المعارضة فى الكنيست بما يحتويه الأمر من امتيازات ومكانة للعرب فى نظام الحكم فى إسرائيل. كما أن المفاوضات ستشمل الحقائب الوزارية سواء المتعلقة بالحقائب الرئيسية والمكانة فى الكابينت المصغر وعدد الحقائب ونواب الوزراء الذى لا ينبغى أن تتجاوز الثمانية عشر وزيراً وأربعة نواب وزراء.
* باحث فلسطينى