x

مصطفى الفقي: الغموض وعدم الحسم أبرز سلبيات المرحلة (حوار)

الأحد 12-04-2015 12:27 | كتب: محمود مسلم, عادل الدرجلي |
المصري اليوم تحاور « الدكتور مصطفى الفقى» المصري اليوم تحاور « الدكتور مصطفى الفقى» تصوير : محمد معروف

قال الدكتور مصطفى الفقى، المفكر والمحلل السياسى الكبير، إن الغموض وعدم الحسم أبرز سلبيات المرحلة. وتحدث الفقى فى حواره مع «المصرى اليوم»، فى ملفات عديدة حالية وسابقة، وعن شخصيات كثيرة، حالية وسابقة أيضاً، فعن الرئيس عبدالفتاح السيسى، قال إنه يشبه عبدالناصر فى الوطنية والبطولة والتفرد والكاريزما، والسادات فى الدهاء، والشبه الوحيد مع مبارك هو احترام القوة العسكرية، محذرا من تحويله عبر من حوله إلى شىء متفرد ومقدس وهذا لا يليق بالحاكم، معتبراً أن تدينه حرم الآخرين من متعة المزايدة عليه، ووصفه بأنه يبدو أكثر ميلاً لترجيح وجهة النظر العسكرية فى القضايا المختلفة، وأنه يسبق الحكومة بدرجة أو درجتين، كاشفاً عن أنه طلب موعدا مع الرئيس عن طريق المتحدث الرسمى لكنه لم يرد حتى الآن.

وحول حرب اليمن، قال الفقى إنها صراع قومى بين الفرس والعرب، وإن إيران طرف فيها لكنها لن تتدخل عسكرياً، وإنما ستقدم للحوثيين أسلحة وخدمات لوجستية ومعلومات استخباراتية، متوقعاً بدء عملية اجتياح يبدأ بعدها الحوار، وفيما يتعلق بأزمة سد النهضة يرى الفقى أن الاتفاق الأخير أزال الآثار السلبية للماضى لكنه لن يضع النقاط على الحروف كاملة، مطالباً إثيوبيا بقبول شراكة فنية مصرية سودانية فى إدارة السد، وإلى نص الحوار:

المصري اليوم تحاور « الدكتور مصطفى الفقى»

■ كيف ترى المشهد الحالى فى حرب اليمن؟

- يبدو لى معقدا، خاصة أن لدينا فى ذاكرة المصريين صورة غير إيجابية عن حرب اليمن منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذى دخل حرباً فى ذلك الوقت من أجل تحرير اليمن وتنويرها والانتقال بها إلى عصر أفضل مما كانت عليه، وكان فى ذلك الوقت يواجه المملكة العربية السعودية، أما الآن فنحن والسعودية وباقى دول التحالف معاً من أجل إيقاف هيمنة جماعة الحوثيين على مفاصل الدولة اليمنية، لكن الأمر يحتاج إلى مراجعة، لأن إيران طرف، وإن كنت لا أعتقد أنها ستتدخل عسكرياً على الإطلاق.

■ ترى أن إيران لن تتدخل عسكريا بشكل واضح، لكن ألا يمكن أن تتدخل فى شكل دعم للحوثيين؟

- سوف تقدم للحوثيين أسلحة أو خدمات لوجيستية، ومعلومات استخباراتية، لكنها لن تتدخل بقوات عسكرية على الإطلاق، رغم وجود عدد من كوادر «حزب الله» تقاتل تحت قيادة الحوثيين، لكن مشكلة الحوثيين أولا أنهم أخذوا طابعاً دينياً، وهذا لا يجب، لأن الحوثيين مثلهم مثل الزيود والشوافعة فى اليمن، والزيود هم أقرب المذاهب الشيعية إلى أهل السنة، وقد أفتى محمود شلتوت، شيخ الأزهر الراحل، بجواز الاعتقاد بمذهبهم فى الأزهر، وأنا ضد تقسيم العالم العربى على أساس دينى، لكن الصراع الحالى صراع قومى بين الفرس والعرب.

■ ماذا تعنى بالصراع بين الفرس والعرب؟

- أعنى أن إيران تريد الهيمنة على المنطقة، وتريد أن يكون لها فى كل ركن من أركان المنطقة مركز قوة، وتعتقد أن التحكم فى مضيق باب المندب، وفى خليج هرمز يجعل لها اليد العليا فى الخليج والمشرق العربى، ومصر، وهذا لن تسمح به مصر أو باقى الدول العربية بالمنطقة، ولذلك فإن الحرب فى اليمن كانت مبررة من الناحية الاستراتيجية، لكنها تحتاج إلى تناول سياسى أيضاً، وأنا سعيد بعبارة الرئيس عبدالفتاح السيسى التى قال فيها «إننا ندعو أيضا فى مرحلة معينة إلى التفاوض بين جميع الأطراف»، وهذا يعنى أنه لا يوجد عمل عسكرى ينهى المشكلة حتى النهاية، ولابد من إيجاد مفاوضات.

■ وهل تتوقع حدوث حوار أم اجتياح برى؟

- سوف تبدأ عملية اجتياح، وأثناء هذه العملية يبدأ الحوار، وأرى أن الرئيس اليمنى السابق، على عبدالله صالح، من المشكلات الأساسية، وأعتقد أن قوته تتراجع وأنه سيتم تعقبه دولياً، ليس بحكم الأموال التى سرقها فقط، لكن بحكم الألاعيب التى مارسها لخرق الاتفاق الذى اعتمد على المبادرة الخليجية لإنهاء الوضع فى اليمن، إذ خرج عليه بعد أن تملكته شهوة الحكم له ولابنه، بعد أن منح الأمان وترك ولم يحاكم.

■ وكيف ترى الاتفاق الإيرانى مع أمريكا بشأن البرنامج النووى؟

- إيران خسرت فى هذا الاتفاق، والبرلمان بدأ ينفجر الآن، والرئيس الأمريكى باراك أوباما أعلن منذ أيام أن نظام الخومينى أعطى تنازلات لم تكن متوقعة، ومعنى ذلك أن الإيرانيين استعجلوا رفع الحصار وإرضاء المواطن الإيرانى وتخفيف الضغوط الداخلية، على حساب الهدف الاستراتيجى، وهو القنبلة النووية، ثم إن الولايات المتحدة الأمريكية دائما تلعب على عدة جبهات، ولها دور كبير فى اختيار قيادات المنطقة، ومازلت متمسكاً بجملة ذكرتها فى حوار سابق مع «المصرى اليوم»، أنه لن يأتى أى رئيس إلا برضا أمريكا، وبالمناسبة الوطنية المصرية لم تأت برئيس منذ أيام جمال عبدالناصر، وربما الرئيس الراحل أنور السادات، إلا بعبدالفتاح السيسى، فحتى مع حكومة الإخوان وقفت الولايات المتحدة الأمريكية داعما أساسيا للرئيس وجاءت به، أما الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فقد كان وصوله للحكم أقرب إلى التوريث العسكرى الذى قبلت به الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1952، ولذلك فإن عبدالناصر والسادات ومبارك جزء من الامتداد العسكرى، ولا يخفى على أحد أن ثورة 1952 كانت بنتاً بكراً للاستخبارات الأمريكية فى البداية، وهذا لا يشكك فى وطنية الضباط الأحرار، لكن أمريكا كانت تقف وراءها فى البداية، إلى أن حدث الخلاف الكبير بين عبدالناصر ووزير الخارجية الأمريكية، جون فوستر دالاس.

المصري اليوم تحاور « الدكتور مصطفى الفقى»

■ لكنك ترى بشكل واضح أن الرئيس المعزول محمد مرسى جاء بموافقة أمريكية؟

- بالتأكيد، والأمريكان هم من نصحوا الإخوان بتقديم مرشح فى الانتخابات الرئاسية، والدكتور محمد حبيب، وهو لم يكن شخصاً عادياً فى جماعة الإخوان، وكان مرشحا لموقع المرشد، قال فى مذكراته إن الأمريكان عام 2005 فكروا فى دفع الإخوان إلى إقصاء مبارك، وأن يأتوا بعزيز صدقى، كشخصية كبيرة، رئيساً للجمهورية فى مرحلة انتقالية، ثم يتولى الإخوان الحكم بعد ذلك، وأنا أرى أنهم راهنوا على الإخوان رهانا طويلاً، ومازالوا حتى الآن يراهنون عليهم.

■ وماذا تقول للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، الآن، وهو الذى سبق أن انتقد جملتك وقت نشرها؟

- هو قارئ جيد للتاريخ، وليته يقرأ ما قيل وما حدث ليدرك أن المسألة ليست بهذه البساطة، والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لا تتركان دولة كبيرة مثل مصر وهى القائدة فى الحرب والرائدة فى السلام، دون أن تدسا أصابعهما فيها، ولا يخالجنى الشك فى أن مشكلة من المشكلات التى تحيط بمصر من حدودها الأربعة، أو القلاقل الداخلية، ومواصلة التيارات المعادية لنظام السيسى، تأتى بدعم خفى من أمريكا وبمباركة إسرائيل، فهم لا يريدون خيراً لرجل جاء بالإرادة المصرية.

■ هل ترى ذلك حتى بعد قرارات أوباما الأخيرة بعودة المعونة والمساعدات العسكرية لمصر؟

- هذه تفاصيل تكتيكية سياسية، لكنهم كانوا يراهنون على مشروع دولى كبير يقوم على فكرة ما تشبه ظل الخلافة الإسلامية بشكل عصرى، تقف فيه أمريكا داعمة وتترك لقيادته التعامل معها وتبتعد عن مشاكل المنطقة، وتقيم هذه الدول تحت مظلة الخلافة الإسلامية علاقات طيبة مع إسرائيل.

■ وهل تعتقد أن نظام السيسى سيظل يعانى فى ظل استمرار أوباما رئيسا لأمريكا؟

- لو وصل الجمهوريون للحكم سيكون هذا أفضل بكثير للرئيس السيسى، ولمصر، ولا أعتقد أن أمريكا حتى هذه اللحظة خالصة النية تماما للسيسى ولمصر، وهم يقبلون الأمر الواقع لأنهم يكتشفون كل يوم أنه يكتسب أرضية، خاصة بعد المؤتمر الاقتصادى، والقمة العربية فى شرم الشيخ، وقد بدا لهم أن الشرعية فى مصر تزداد رسوخاً.

■ وكيف ترى التقارب التركى السعودى؟

- أنا سعيد بأن أشقاءنا فى السعودية سوف يدركون الدور المضطرب والقلق الذى يلعبه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، فهو يعادى مصر وما جرى فيها، وذهب إلى السعودية فى محاولة لشرخ العلاقة مع مصر، لكنه لم يفلح، لأن العلاقة بيننا وبين السعودية علاقة جوار تاريخى «بر مصر وبر الشام وبر الحجاز» وهذه هى الخريطة التاريخية فى العصور الوسطى، فلا يستطيع أردوغان أن يفعل فيها شيئاً، لكن ذهابه إلى إيران وحديثه عن علاقات وثيقة ولجنة مشتركة بين الدولتين رسالة للسعوديين بأن يدركوا أن هذا الرجل يلعب على جميع الحبال، فقبل أن يذهب إلى طهران أطلق تصريحات معادية وطالب إيران بعدم التدخل فى اليمن وفى المنطقة، وترك هذه البلاد وشأنها، واحتج عليه أعضاء البرلمان الإيرانى، بل طالب 35 عضواً منهم بعدم استقباله، لكن هذا هو أردوغان، سلطان عثمانى فى قصره يحاول أن يكون سياسيا براجماتيا على مستوى الساحة، ويحاول أن يتقدم بأوراق اعتماد شرق أوسطية لكل من الاتحاد الأوروبى وحلف الأطلنطى.

المصري اليوم تحاور « الدكتور مصطفى الفقى»

■ وهل تعتقد أن الصراع الفارسى العربى أصبح به طرف ثالث عثمانى؟

- لا مانع لدى فى قبول هذا التحليل، فما حولنا هو صراع قومى، والمشكلة الحقيقية أن تركيا والعرب مجموع سنى، والشيعة فى إيران دولة صفوية قديمة كان بينها خلافات مع السلطنة العثمانية، وأنا مؤمن أن الخلاف ليس مذهبيا وإنما قومى، وتركيا تريد أن تهيمن على المنطقة العربية، ولديها رصيد من الخلافة الإسلامية يسمح لها بالعودة، أما إيران فترى أنها استراتيجيا وعسكريا يمكن أن تعود لكى تكون شرطى الخليج، والعرب لا يمكن أن يظلوا كالأيتام على مائدة اللئام، ولابد أن يتحركوا، ولذلك رغم كل الملاحظات على التدخل السعودى بالتحالف فى اليمن، ووجود البوارج المصرية فى باب المندب، فكل هذا يوحى باليقظة والصحوة، وأن الوجود العربى أصبح هناك ولم نعد كالجثة الهامدة كما كنا.

■ هل ترى أن هناك اختلافا فى طريقة تعامل الملك سلمان مع مصر عن الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز؟

- الاختلاف فى نتائجه لن يكون مؤثراً، إنما الأسلوب وحجم العاطفة مختلف، فالملك عبدالله كان يبدو «أبا» بينما الملك سلمان يبدو «أخا»، وهذا هو الفارق بين الأخ الكبير، والأب، والملك عبدالله أيضا كان شديد الرهان على الوضع فى مصر، والملك سلمان أيضا يراهن عليه، لكنه قد يرى فى مرحلة قادمة إمكانية إحداث توافق وطنى فى مصر.

■ هل يراهن على مصالحة مع الإخوان؟

- لا أريد أن أسميها مصالحة مع الإخوان، وإنما محاولة لتوسيع دائرة التأييد الداخلى للسيسى من خلال العناصر الموجودة فى العالم العربى، خاصة أن بعض هذه المظاهر يلوح فى الأفق الآن، فبعض الإخوان بدأوا إعادة النظر، عددهم قليل لكن شخصياتهم كبيرة، ويرون أن ما جرى فى مصر أصبح أمراً واقعاً، وأن التمسك بمرسى يعتبر نكتة أكثر منه فكرة، وبالتالى عليهم أن يبحثوا عن منفذ للعمل السياسى فى مصر، لكن المشكلة أن الكرة فى مرمى الإخوان، فلا يمكن أن نقبلهم قبل أن يعتذروا عن الماضى، ويزيلوا الإرهاب، ويرفضوا العنف، ولا تكون صدرت ضدهم أحكام قضائية.

■ وهل ترى أن السعودية تحاول أن تحافظ على علاقة مع الإخوان فى الداخل؟

- لا لن تحافظ، لكن هناك بعض الاتجاهات داخل السعودية ترى إمكانية إحداث توافق وطنى فى مصر.

■ وهل يمكن أن تتراجع السعودية عن قرارها بحظر الجماعة؟

- لا أعتقد ذلك، لأنها تدرك أن دول الخليج عادت، ولا تنس وجود الإمارات العربية المتحدة التى تتخذ موقفاً متشدداً من الإخوان لا يقل عن موقف مصر.

■ كيف ترى علاقة قطر مع مصر، خاصة بعد عودة السفير القطرى للقاهرة؟

- بالطبع دعوة أمير قطر لمؤتمر القمة العربية، وحضوره إيجابية، ويجب أن نفكر فيها، فما بيننا وبين قطر أمران يجب حسمهما، الأول علاقة الدوحة بالقاهرة ودعمها للإخوان، والثانى إيقاف بوق الجزيرة الذى ينشر الأكاذيب فى المنطقة لمحاولة زعزعة الاستقرار فى مصر، ولا أجد تفسيراً لهما، فالإخوان نبت مصرى وليس قطرياً.

■ وهل ما يحدث من قطر تجاه مصر يمكن أن يكون بإيعاز أمريكى؟

- كان هذا الموقف فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وكنت ألاحظ أن هناك مشكلات وقطيعة بين قطر ومصر، وكنت أتصور أن سبب المشكلة هو أن الأمير السابق الشيخ حمد بن تميم، كان يتصور أن مبارك دعم والده فى العودة للحكم، وهو بالفعل دعمه وكان يتعاطف معه إلى حد كبير، لكن انتهى عصر مبارك ولم نجد تحولاً إيجابياً فى الموقف القطرى، باستثناء فترة حكم المجلس العسكرى التى لوحوا لنا فيها بالمعونة ثم تراجعوا عنها فيما بعد، وأذكر فى عصر مبارك أنه قال لنا ذات يوم فى اجتماع مغلق أن أمير قطر الشيخ حمد أرسل 800 مليون دولار لشراء قاطرات للسكة الحديد بعد أن وقع أكثر من حادث قطارات.

المصري اليوم تحاور « الدكتور مصطفى الفقى»

■ لماذا قبلت قطر بالدكتور نبيل العربى، أميناً عاماً لجامعة الدول العربية، ورفضتك؟

- المشير محمد حسين طنطاوى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق، قال للشيخ حمد «مصطفى الفقى مرشح يصلح لهذا الموقع، وأنا أعرفه منذ أن كنا نعمل معاً فى رئاسة الجمهورية، وقت أن كنت رئيساً لقوات الحرس الجمهورى»، فقال حمد «لا، إلا هذا، فنحن لا نريده لأنه قد لا يتمشى مع سياساتنا التى نريدها، ونحن نريد أن نسحب مرشحنا وتسحبوا أنتم مصطفى الفقى، ونتقدم بمرشح آخر»، وكانت عينهم على الدكتور نبيل العربى.

■ إذن قطر هى التى اختارت نبيل العربى؟

- أعتقد ذلك، فقد دخل وزير الخارجية القطرى، الشيخ حمد بن جاسم، أحد الاجتماعات وخرج معلناً أن مصر سحبت مرشحها، وأن المرشح هو الدكتور نبيل العربى، وأن قطر وافقت على ذلك، وأن الأمر انتهى، ورفضوا التصويت، ولم تكن هناك سابقة لذلك من قبل، وأنا كان معى على الأقل 18 صوتاً وكنت مدعوماً من الدول العربية الكبرى، والسعودية كانت متحمسة، وكذلك المغرب وتونس والجزائر والعراق وسوريا، كما أن وزير الخارجية المصرى وقتها اتخذ موقفاً سلبياً من ترشحى ولم يساعدنى على الإطلاق.

■ وكيف ترى مستقبل الجامعة؟

- أنا ضد الحملة على الدكتور نبيل العربى، لأنه لا يمكن اختزال مشكلات الجامعة فيه، فمشكلات الجامعة سابقة عليه، وقد تكون لاحقة له إذا ظلت الأمور على ما هى عليه، فلابد من تحديث المنظمة لكى تصبح إقليمية قومية، لأنها تركيبة غريبة جداً، فهى منظمة دولية إقليمية خاصة بإقليم معين، قومية للعرب وحدهم، ويجب أن نعيد النظر فى كثير من بنود ميثاقها، وأن نُقيم عملية «عصرنة» بمعنى أن تكون بشكل عصرى.

■ كيف تقيِّم أحداث الربيع العربى بعد مرور 4 سنوات عليها؟

- لا أشكك فى طهارة ونزاهة الشباب المصرى أو التونسى الذى خرج إلى الشارع يطلب التغيير، والعدالة الاجتماعية، ويرفض البطالة، ويريد لقمة العيش، ويطالب بالحرية، إنما بالتأكيد لأنه حشد جاء من خلال «فيسبوك» فإنه حشد بلا قيادة، فأصبحت حركة شعبية عاطفية بلا قيادة، فقفزت إليها القيادة الوحيدة المنظمة، وعندما تخلى محمد البلتاجى، القيادى بجماعة الإخوان، عن يد وائل غنيم عندما كان يرغب الأخير صعود المنصة فى ميدان التحرير، وأسقطه، كانت هذه هى لحظة انتقال فكرة الثورة من الشباب أياً كان لونهم، إلى جماعة الإخوان، ويومها وقف الدكتور يوسف القرضاوى خطيباً فى الميدان، ويومها اتصلت بصديقى منير فخرى عبدالنور، وقلت له «هل ترى ما أرى»، فقال لى «هل ترى أنت ما أرى»، واعتبرنا أن صفحة قد طويت، وأن الإخوان يقتحمون المشهد كاملاً.

■ هل تغيرت وجهة نظرك فى الدكتور محمد البرادعى، نائب رئيس الجمهورية الأسبق؟

- البرادعى صديقى وأحترمه جداً كإنسان، لكن رأيى فيه أنه كان ومازال غير مؤهل للعمل العام فى الشارع، فهو رجل يتواجد فى صالونات الرؤساء وقاعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهيئة الأمم المتحدة، باعتباره شخصية دولية كبيرة رفيعة القدر، لكنه لم يتمرس على العمل العام فى الحياة، وتلقفته مجموعات من اتجاه إلى آخر، وشعر أن أمنه الشخصى غير مستقر، وأنه غير متوافق مع الأوضاع الموجودة، وبالتالى غادر البلاد، وقد اتصل بى يوم مغادرته البلاد، وقد أكون الوحيد الذى اتصل به، وسألته ماذا جرى اليوم، وكان يومها فض اعتصام رابعة العدوية، فقال لى «لم أتحمل حجم الدماء الذى يزيد على 500 شخص»، فقلت له «إنك كنت شريكاً فى الاجتماعات التى أدت إلى هذا الفض»، فقال «نعم، لكننى لم أكن أتصور أن الأسلوب سيكون على النحو الذى تم به، وأنا سأغادر إلى النمسا وأترك الموقع تماماً»، وأنا أرى أنه على المستوى الشخصى اتخذ قراراً طبيعياً جداً وناجحاً جداً، فقد كان يمكن أن يخسر جائزة «نوبل»، ويخسر مكانته فى الولايات المتحدة الأمريكية، وفى العالم الغربى، لكن أما والأمر كذلك، فلماذا قبل منصب نائب رئيس الجمهورية من البداية.

المصري اليوم تحاور « الدكتور مصطفى الفقى»

■ هل كان يتصل بك لاستطلاع رأيك أم لإبلاغك؟

- قال لى إنه يريد أن يشرح لى ما جرى، خاصة أننا عملنا معا فى النمسا 4 سنوات، وكنت أحد الذين وقفوا إلى جانبه لاختياره مديراً عاماً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولم تكن مصر متحمسة من البداية، وأعتقد أنه شخص نقى، ولا أعتقد أنه خائن على الإطلاق أو عميل، لكنه لم يكن مؤهلاً فيما قام به، وهو ليس رجل شارع، وليس قيادة سياسية، وربما يكون قيادة دبلوماسية.

■ لكن حساباته لأمريكا أكثر منها للداخل فى مصر؟

- يجب أن نضع فى الاعتبار أنه عاش فى الغرب أكثر بكثير مما عاشه فى مصر.

■ كيف ترى العلاقة مع حركة حماس؟

- مقلقة جداً، ليس بسبب الحكم القضائى الذى تم إيقافه مؤخرا، وأذكر منذ شهرين تقريباً وكنت فى حفل زفاف ابن وزير الخارجية السفير سامح شكرى، وأنا فى طريق العودة أنا وزوجتى اتصل بى محمود الزهار، القيادى فى الحركة، وقال لى «هل يرضيك الوضع القائم بين حماس ومصر، وأنا قرأت لك مقالاً عميقاً جداً عن العلاقة بين حماس ومصر، ونريد أن نحتكم إليك فيما يمكن أن نفعله»، وقبل ذلك كان قد زارنى المتحدث الإعلامى للحركة، فقلت له «إنكم متهمون فى الشارع المصرى، وصورتكم مشوهة الآن وأنتم التصقتم بالإخوان وأصبحتم أحد أجنحتهم العسكرية، وراهنتم عليه، وحركات التحرر طوال عمرها يجب أن تكون على الحياد من الخلافات الداخلية، وهناك إحساس عام أنكم تقفون وراء بعض عمليات العنف فى سيناء، إضافة إلى الأنفاق»، فقال لى «هذا الكلام غير صحيح ونحن لا قاعدة لنا إلا مصر ونحن مرتبطون بمصر، خاصة فى منطقة غزة»، فقلت له «عليكم جهد إعلامى كبير، وأن تقدموا إجابة لكل الأعمال التى تحدث، وأن تفتحوا بابا مع أجهزة الأمن المصرية تبرهنون فيه على بعدكم عن هذه الأحداث».

■ وهل عملوا بهذه الوصايا؟

- لا أعتقد وهناك مشكلة كبيرة.

■ هل ترى أن اتفاق مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة مطمئن؟

- على الأقل أزال الآثار السلبية للماضى، لكنه لن يتمكن من وضع النقاط على الحروف كاملة، وما أطالب به إثيوبيا أن تقبل بشراكة فنية فى إدارة السد مصرية- سودانية، لأنها دولة منبع ومصر دولة مصب، وهى تتحكم فى مياهنا، ولذلك يجب أن تكون هناك لجنة فنية مشتركة من الدول الثلاث يناط بها عملية بناء السد، ويكون ذلك فى إطار اتفاق فى ظل المصالح المشتركة، وأن تخلق فى الوقت نفسه شبكة تنمية بيننا وبين دول حوض النيل ككل، والأن أفريقيا تعلم أن سياسة مصر تجاهها تغيرت للأفضل، لأن الرئيس السيسى أعطاها اهتماما كبيرا، ويجب أن نعلم أيضا أن المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، رجل من رجال أفريقيا فى مصر، ووزير الخارجية الحالى من أنشط وزراء الخارجية المصريين، وهذا كله كانت له تداعياته الإيجابية فى «تزييت» وترطيب الأجواء فى العلاقات، ويجب أن نبنى على هذا باتفاق ما نصل إليه يقلل الأضرار، وأعلن أننى لست ضد بناء السد ولست ضد تنمية إثيوبيا، لكننى لا أقبل بتعطيش مصر.

■ لماذا لم تبن إثيوبيا السد فى عهد مبارك؟

- ربما كانت التهديدات العسكرية مستمرة من جانب النظام فى ذلك الوقت، وأعتقد أنه ما كان يسمح لهم بهذه السهولة، والأمر الثانى أنها انتهزت فرصة التفكك القائم فى مصر، وأعتقد أن الوفد الشعبى الذى زار إثيوبيا أعطاها صورة مهتزة عن الواقع المصرى فى ذلك الوقت، خاصة أن أعضاء الوفد أنفسهم وقعت بينهم خلافات ومشادات أمام رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوى، فاقتنعت أديس أبابا بأن هذه هى الفرصة الذهبية للبدء فى بناء السد.

■ ما تقييمك لأداء الرئيس السيسى فى الحكم؟

- رغم أنه لم يكمل عاماً فى الحكم إلا أنه حقق نجاحات كبيرة جداً، وأنا ضد الانتقاد دون مبرر، فالرجل ليس بيده عصا سحرية، ومشاكل مصر عبارة عن تراكمات منذ عشرات السنين، ولا تخفى على أحد، والعقل المصرى نفسه يحتاج إلى علاج، والرؤية المصرية والإنسان المصرى يحتاجان إلى تطوير، فقد جرت تعديلات كثيرة فى الحياة ولم يطرأ على المواطن المصرى تطور يسمح له بأن يواكب ما يحدث فى العالم، ولذلك أرى أن الرئيس السيسى على الصعيد الخارجى حقق نجاحاً كبيراً، وعلى الصعيد الداخلى لم تظهر النتائج الملموسة بعد، لكن هناك عوامل إيجابية فى الداخل، مثل حيوية النظام وقدرته على اتخاذ مبادرات، وفتح مشروعات، والالتقاء بمجموعات من القوى السياسية والشبابية والأهلية، بشكل منتظم، وأرجو أن يتواصل ذلك، بالإضافة إلى أنه يستطيع أن يقف عند نقطة التوازن المطلوبة، بمعنى أنه عندما حدث صدام بين الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة السابق والأزهر الشريف، تصرف الرئيس بحل معين، هو أن جاء بأزهرى مستنير وزيراً للثقافة، ولا تنس أن الدكتور طه حسين الذى وضع لبنة الثقافة فى مصر كان أزهرياً، وأرى أيضاً أن تدين السيسى حرم الآخرين من متعة المزايدة عليه، سواء كان الإخوان أو الجماعات الدينية، فمثلاً خطابه فى احتفالات المولد النبوى، ودعوته للأزهر بإعادة النظر فى الخطاب الدينى، دعوة لها محل تقدير، وذهابه إلى الكاتدرائية مرتين.

■ وهل ترى أن الأزهر يستطيع أن يلبى دعوة الرئيس بتجديد الخطاب الدينى؟

- الأزهر وحده لن يستطيع، ولابد أن يضم إلى جانبه عدداً من المفكرين المعتدلين والقادرين على توضيح وجهة النظر، وبالفعل عقد معنا الإمام الأكبر بعد ثورة 25 يناير مجموعة اجتماعات فى صالونه حضرها مسلمون ومسيحيون، ورجال وسيدات، لبحث دور الأزهر وقيمته، وخرجت منه 4 وثائق كبرى هزت العالم بمعنى الكلمة، وأظهرت أن الأزهر فى القرن الحادى والعشرين هو المنارة، وهى الوثائق التى صاغها الناقد الأدبى الكبير الدكتور صلاح فضل وشاركناه دائماً.

■ وماذا حدث بعد ذلك؟

- غلبت على الأزهر المدارس القديمة، ويبدو أنها قامت بعملية ربما ابتزاز غير مباشر للإمام الأكبر بحكم الظروف الموجودة، فتجمدت الموضوعات، رغم استمرار بيت العائلة وبعض الجمعيات والمنشآت التى أقامها الإمام الأكبر.

■ وهل ترى أن التحركات فى تنفيذ دعوة الرئيس لتجديد الخطاب الدينى مطمئنة؟

- لا، غير مطمئنة على الإطلاق، وأحياناً بها روح انتقامية، وأشعر أنهم جاءتهم روح من العزة بالنصر عندما أطاحوا بوزير الثقافة أو توهموا ذلك، فكانت محاولة ترهيب إسلام بحيرى، وأنا لا أوافق على ذلك، لأن الرد عليه لا يكون بما جرى، ولا يكون باستعداء الحكومة على برنامج أو منعه، لكن من خلال الرد عليه فى برنامجه ودحض أفكاره، فنحن فى مصر نغضب من الخطأ فى البخارى ويقول الشعب «احنا غلطنا فى البخارى»، فلو كان إسلام أخطأ فى البخارى، فكان يجب الرد عليه بحديث عن قيمة البخارى ومكانته، ومشكلة مصر أنها أحياناً ترد على الرأى بالقوة، فلا يموت الرأى ولا تنتصر القوة.

■ بشكل حاسم هل ترى أن الأزهر سيلبى دعوة الرئيس بمراجعة الخطاب الدينى؟

- لا أعتقد أنه قادر على أن يقوم بذلك فى زمن معقول، ولابد أن يتقدم بالعقلاء من علمائه، ولابد من إعادة النظر فى طريقة التعليم الحالية، فلدينا آلاف المعاهد الدينية، ماذا تُفرِّغ، أنا لست ضد التعليم الدينى، لكننى مع التعليم الدينى الصحيح.

■ ما أبرز سلبيات الرئيس من وجهة نظرك؟

- أنه لا يوجد حوله مستشارون معروفون، وربما لا يكون هذا عيباً فيه، وأعتقد أن الرئيس يريد أن يتخذ من جهاز المخابرات العامة، ومن رئيسه ونائبه، مكتباً له، وهذه معروفة فى دول كثيرة

■ لكن الرئيس لديه مستشاران هما السفيرة فايزة أبوالنجا واللواء أحمد جمال الدين؟

- أنا أحترمهما لكن دورهما غير واضح، أو على الأقل هما لا يريدان أن يكون واضحاً، أو لا يراد لهما أن يكون واضحاً، فأنا أخشى من تضييق الدائرة، ومصر عانت من هذا كثيراً، ونحن لا نطلب شيئاً، وأنا جاوزت السبعين ولا أقبل بأى موقع، لكن أريد أن أوجه المشورة عند اللزوم، وأن يتم الاستماع إلى مجموعات مختلفة من رجال مصر دون إقصاء، ومن الممكن أن يكون بين الفلول خبراء.

■ لكن هذا يحدث، فقد استعانت الحكومة بالدكتور مفيد شهاب فى أزمة «النهضة»؟

- نعم، وأنا أقول لهم أيضاً استعينوا بالدكتور خالد عبدالقادر عودة، من جامعة أسيوط، فى أزمة سد النهضة ومياه النيل، ويمكن أيضاً أن يسألوا الدكتور يوسف بطرس غالى فى بعض القضايا الفنية، لأنه فنياً متقدم جداً، وهو عالم اقتصاد كبير، لكن توجهاته السياسية غير مقبولة، فلماذا لا نأخذ الجانب الفنى، ونفعل مثل الهنود الذين عيَّنوا رجلاً من طائفة السيخ التى تمثل 2% من السكان رئيساً للوزراء فصنع المعجزة وأخرج الهند من عنق الزجاجة، فلماذا الإقصاء وحرمان مصر من الكفاءات، وما أريد أن أقوله بصوت مرتفع، أن لجنة السياسات كانت تضم عدداً كبيراً من الكفاءات المصرية، ومن لم يجرمه القانون يجب أن يتم التعامل معه باعتباره كفاءة.

■ ما أبرز السلبيات التى تراها خلال المدة الماضية من حكم الرئيس؟

- ربما أشعر أحياناً بأن الرئيس بحكم تاريخه العسكرى المشرف ونشأته أكثر ميلاً لترجيح وجهة النظر العسكرية فى القضايا المختلفة، حتى السياسية، وأمور التعيينات المختلفة، فهو يعتقد - وهذا هو العقل العسكرى فى كل دول العالم - أن العسكرى دائماً أكفأ من المدنى، وقد يكون أكثر انضباطاً وانتظاماً وإنجازاً، لكن ليس بالضرورة أكفأ عقلاً أو خبرةً.

■ هل رصدت سلبيات أخرى؟

- حالة عدم الحسم فى بعض القضايا، مثل الانتخابات وتقسيم الدوائر، فمن الذى يسمح بهذه الأخطاء، وهل لدينا ترف أن نتحمل هذا فى هذه الظروف، ومن هو المستشار الذى وضع قانون الانتخاب وتقسيم الدوائر، يجب أن يحاسب على هذا.

■ هل ترى أن تأخر البرلمان أثر على مصر؟

- بالقطع، فهناك دول كثيرة ترى أنه لا تعامل اقتصادياً ولا ضخ استثمارياً ولا معونات ولا قروض مع دولة إلا إذا كان بها برلمان، وهذا هو الاستحقاق الثالث وعلينا أن نعجل به، وما زلت أخشى أيضاً من علاقة الرئيس برجال الأعمال، فهى علاقة ملتبسة حتى الآن، وبها صعود وهبوط، وربما شعر هو ومن حوله بجزء كبير من خيبة الأمل من جانبهم، وأيضاً يحاول بعضهم التسلل للسيطرة على مراكز القرار على الجانب الآخر.

■ هل ترى أن رجال الأعمال خذلوا الرئيس فى صندوق «تحيا مصر»؟

- ربما لم يفعلوا ما توقع، لذلك قد يتجه إلى تقنين بعض المواقف التى تسترد بها الدولة بعض مستحقاتها دون أن يلجأ إلى أساليب مد اليد لهم، بمعنى أن ما قيل عن أن كل من تعامل مع البورصة يخضع لقانون الكسب غير المشروع.. يضم عدداً من رجال الأعمال الذين لم يكونوا تحت طائلة قانون الكسب غير المشروع، خاصة فى مسألة المضاربة على الأراضى وغيرها، ولو أننى أؤمن بأن العقد شريعة المتعاقدين، ولا أتصور مثلاً أن أرضاً يتم شراؤها مثلاً لبناء جامعة الفدان بـ 100 جنيه، تأتى وتقول له إن سعره الآن 1000 جنيه، رغم وجود عقد أبرم بين المالك والدولة، فهناك قضية بين الجامعة البريطانية التى كنت أول رئيس لها، والدولة التى تطالب الجامعة بدفع 65 مليون جنيه فرق أسعار، وهى طريقة قديمة ومعروفة وهى أقرب إلى «الجباية»، لكننى أعتقد أن الرئيس سيتجه إلى من اشترى أرضاً ولم يعمرها أو يبنِ عليها.

■ هل ترى أن هناك فرق سرعات بين الرئيس والحكومة؟

- أعتقد أنه يسبق الحكومة بدرجة أو درجتين، لكن دعنى أعترف بأن لديه كوادر فنية فى الحكومة ربما كانت الأفضل حتى الآن.

■ وما رأيك فى الأحزاب؟

- هذه هى نقطة العوار، ليتها كانت أحزاباً قوية، وكنا رجعنا إلى النظام البرلمانى الذى كان فى مصر منذ عام 1922 وحتى 1952 لأنه هو النظام الأفضل للدولة المصرية، ويعدم وجود الفرعون ويجعل الرئيس يملك ولا يحكم، ويجعل لدينا رئيس وزراء يتم تغييره كل فترة، ويكون رئيس الدولة هو الأول بروتوكولياً، ورئيس الوزراء الأول سياسياً، وهذا الوضع كان أفضل لمصر كثيراً.

■ هل تعتقد أننا بحاجة إلى تغيير الدستور؟

- بالتأكيد.. فالدستور كان كريماً وسخياً ونظرياً وعاطفياً فى بعض النصوص، بشكل لا يمكن تطبيقه، فمثلا بند النوبة يحتاج إلى سنوات، فلا تعد بما لا تستطيع، وهناك أيضا الكثير من القضايا الفرعية التى أُقحمت على الدستور وهو ليس مكانها، وعندما تتحدث عن نسبة من الدخل القومى لبعض أنواع الخدمات، فهذا أمر غير مضمون ولا يجب أن يكتب فى الدستور.

■ ما الذى تندم عليه فى السنوات الأربع الماضية؟

- ربما أننى لم أكتشف فى أزمة ترشيحى لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أنه كان يجرى اللعب بى كـ«أرنب سباق»، والآخرون يلعبون من وراء ظهرى، ومن أقرب أصدقائى، فمن كان يستطيع أن يدعم لم يدعم كما يجب، ومن حارب كان يحارب فى الظلام، وقطر والسودان اتخذتا موقفاً لا مبرر له، ولم يكن بينى وبينهم شىء، وكنت كتبت عن أمير قطر مقالاً فى عصر مبارك، فى ظل القطيعة وكنت منصفا جدا، لأننى كنت التقيته وولى عهده من قبل، والسودان كان رأيى فيها وربما لا يتغير، أنا مواطن عربى مصرى حزين جدا لتقسيم السودان، والسياسات التى أدت إلى ذلك، ومحاولة تطبيق سياسات دينية قصيرة المدى على سياسات ديمقراطية طويلة لأكبر دولة أفريقية مساحة، وهذه خطيئة لن يغفرها التاريخ، وأنا قابلت «جون جارنج» وقال لى «نريد سودان متحداً وأريد مدارس تعليم لغة عربية فى الجنوب ونريد دولة ديمقراطية، يعيش فيها الشمال والجنوب والمسلم والمسيحى والوثنى بلا تفرقة، ويمكن أن أصل فيها أنا إلى رئاسة الدولة»، فكيف بنا يصل الحال إلى هذا.

■ ألا ترى أن هناك رأياً قلته خلال الأربع سنوات الماضية وعدلت عنه؟

- لا.. ربما انضمامى لحزب الوفد كان محل انتقاد كثير من الأصدقاء على أساس أننى صاحب خلفية ناصرية، لكننى لا أندم على ذلك، وأرجو أن أواصل هذا الدور لأننى أرى أن هذا هو الاسم الوحيد المعروف عن مصر.

■ هل يمكن أن تخوض الانتخابات المقبلة؟

- فى هذه السن يجب أن يعكف الجميع على تقديم المشورة وإبداء الرأى، وأن يكون مطلوباً للتنوير ولا يزاحم الشباب فى المواقع.

■ ألا ترى أن هناك بعض الشخصيات تجرأت على نظام مبارك بعد ثورة يناير.. رغم قربهم منه؟

- «هوهوهو» هذه ظاهرة، فالذين كانوا يلهثون وراء النظام أصبحوا يتحدثون عن انتقاده، وأنا شخصياً كنت متأرجحاً مع النظام ولست قريباً، وكان مبارك يسخر منى ويقول «إنت مثل مراجيح الهوى معانا شوية وضدنا شوية»، فكنت أقول له «سيادة الرئيس أنا بشجع اللعبة الحلوة، المعارضة تعمل حاجة كويسة أنا معاها، والنظام يعمل حاجة كويسة أنا معاه»، وسبق أن منعت من الكتابة فى جريدة الأهرام لمدة عامين، وعوقبت كثيراً، ومع ذلك حاولت أن أكون موضوعياً فى تحليلى لنظام مبارك، ورفضت تعبير الرئيس المخلوع.

■ هل تتصل به؟

- لا.. وأعتقد أنه غير سعيد بجزء كبير جداً مما قلته، فهم تعودوا أن الحياة أبيض وأسود «إما أن تكون معايا قوى، أو مش معايا».

■ كيف ترى الحريات فى مصر؟

- الظروف تحتم بعض التدخلات دون الحرية المطلقة، لكن نأمل أن يتنامى مناخ الحريات.

■ هل ترى أن السيسى يمكن أن يتحول إلى فرعون؟

- لا أعتقد ذلك، لكن يمكن أن يحوله من حوله إلى شىء متفرد ومقدس، وهذا لا يليق بالحاكم أبداً، ولديه كثير من أصدقاء العمر ورفاق السلاح والأصدقاء.

■ البعض ينادى بأن تكون مدة الرئاسة ست سنوات بدلا من أربع.. ما رأيك؟

- ليس مهماً على الإطلاق، ويجب أن نعطى الشعب فرصة كل أربع سنوات للمراجعة، ويمكن أن يمد أربع سنوات أخرى للحاكم إذا كان راضياً عنه، لكن فكرة أبدية المناصب أطاحت بكثير من الكفاءات فى تاريخنا وأدت إلى الوضع الذى وصلنا إليه.

■ هل ترى أن مؤسسة الرئاسة تدار بالكفاءة الواجبة؟

- أعتقد أن الرئيس لا يرى أحداً الآن، وأنا قابلته عندما كان مرشحاً وقال لى «لتجعل بينى وبينك دائما اللواء محمد العصار، إذا أردت أن تبلغنى شيئاً أو تعطينى رأياً»، لكن بعد ذلك ومع مرور الوقت تراجع هذا تماماً، فمرة واحدة رد على اللواء عباس كامل، مدير مكتبه، أما الآن فلا يرد على أحد على الإطلاق، وقد طلبت موعداً معه من خلال السفير علاء يوسف، المتحدث باسم الرئاسة، فقال لى «سأرد عليك»، لكنه لم يرد حتى الآن، وأرفض فكرة أن أكتب له خطاباً مفتوحاً فى إحدى الصحف، فنحن لا نريد أن نرى الحاكم، لكننا نريد أن نقدم المشورة، ومع كل ذلك فأنا أسجل حماسى له واحترامى لوجوده وإحساسى أنه الخيار الأفضل لنا.

■ وما الذى عكسه عندك هذا البعد؟

- أن الحكام دائماً فى البدايات يكونون بسطاء ومتواضعين، لكن بعد أسابيع وشهور يبدأ الحاكم اكتساب ثقة متزايدة فى النفس ويعتقد أنه قادر وحدة على إدارة الأمور، ويستطيع أن يستمع فقط إلى من يريد.

■ لكن هل تعتقد أن الرئيس وصل إلى ذلك فى هذه المدة القصيرة؟

- أعتقد أن تمتعه بشعبية كبيرة سمح له بهذا الشعور، وكنت أريد أن أبدى بعض الملاحظات الخاصة بالسياسة العربية التى أتخصص فيها، وأعتقد أنه كان يجب أن يكون بجواره مستشارون للأمن القومى والعلاقات العربية، لأن هذا أمر هام للغاية.

■ لكن هو لديه مستشار للأمن القومى هى السفيرة فايزة أبوالنجا؟

- مع احترامى لها، لكن قدراتها دولية أكثر منها عربية وكفاءتها دبلوماسية أكثر منها سياسية، وهذا لا يقلل من قيمتها على الإطلاق.

■ كيف ترى التواصل بين الرئاسة والرأى العام؟

- كنت أتصور أن تكون هناك خطوط اتصال أقوى، خاصة أن أجهزة الأمن دورها متزايد، وهذا خطر فى مصر دائماً، ولا أتصور أن يأتى اختيار الوزير والترجيح بين وزير وآخر من خلال أجهزة الأمن.

■ وهل هذا يحدث؟

- أعتقد أن هذا يحدث، لأن القضية ليست فقط قضية الطهارة الأخلاقية، لكن أيضا قبل ذلك القدرات العقلية والخبرات، فأنت تنتقى شخصاً لخبراته وقدراته وتجاربه، وهى أمور لا يحكم عليها جهاز أمنى فقط، فالجهاز الأمنى يعرف فقط من سرق أو فعل شيئاً آخر، وهذا لا يليق بتقييم السياسيين فى العالم كله، لكن اللجوء لتقييمات أجهزة الأمن حتى فى الترشح للانتخابات، وحتى فى تشكيل قائمة «فى حب مصر» كان هناك عوار حقيقى، كشف أن أساليب النظام القديم مازالت قائمة.

■ هل تعتقد أن أجهزة الأمن هى التى شكلت قائمة فى حب مصر؟

- أعتقد إلى حد كبير جداً أن جهاز الأمن الوطنى، والمخابرات العامة، لعبا دوراً كبيراً فى ذلك.

■ ما أوجه الشبه بين الرئيس السيسى وعبدالناصر والسادات ومبارك؟

- السيسى يشبه عبدالناصر فى الوطنية والبطولة والتفرد والكاريزما، وارتباطه ببسطاء الناس، وطهارة اليد، ويشبه السادات فى كثير من الدهاء لأنه ابن حى الجمالية يعنى ابن محال خان الخليلى الذى يعلم كيف يساوم ويناقش ويخفى ويناور، ولديه مخزون من الخبرات النفسية والتاريخية تسمح له بأن يكون قائداً حكيماً، ولديه قدر كبير جدا من ضبط النفس، وأمامى نموذجان الأول السيناريست وحيد حامد، والثانى الدكتور محمد أبوالغار، رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، فعندما بدا فى مقالاتهم شىء من التجاوز تجاه مؤسسة الرئاسة، كان موقفه حكيماً وعاقلاً، وأسجل له ذلك بإيجابية.

■ لم تذكر مبارك.. فهل يوجد أى شبه بينهما؟

- ربما الشبه الوحيد هو حترام القوة العسكرية، والانتماء للمؤسسة العسكرية، فمبارك كان يرى أن المؤسسة العسكرية هى مدرسة تعليم الإدارة وكان يقول لى إن الضابط الصغير وهو فى العشرينيات يقود سرية فيها عدد كبير من الجنود.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية