استكمالاً لموضوع ماعت، التى رسمت للمصرى القديم حياته وخطت له معاملاته، فكما كانت المبدأ الأخلاقى والمعنوى الذى كان على كل مصرى اتباعه فى جميع مناحى حياته.. كان العقل المصرى يرى ماعت فى كل شىء، فى وحدة الكون، والعالم الطبيعى، والدولة، والفرد، والمجتمع، ينظر إليها جميعا على أنها أجزاء من كلٍ يتكامل مع بعضه البعض، هو ماعت. فكتب عنها الحكيم بتاح حوتب الذى عاش فى عصر الأسرة الخامسة منذ حوالى 4400 سنة: «ماعت عظيمة وقيمتها دائمة، وهى لم تختل منذ يوم أن خُلقت، ومن يتعدّ عليها يُعاقب. إنها الطريق أمام حتى ذاك الذى لا يعرف شيئا. والمخطئ هو الذى لا يعرف طريقها للنجاة. صحيح أن الشر قد كسب الثروة، ولكن قوة الحق هى التى تدوم. والرجل هو من يقول: (إنها- أى ماعت- ميراثى من أبى.. السلوك السليم تعرفه من الطريق السليم فى التعامل.. قد تزداد المساوئ، ولكن الظلم لن يستمر طويلا)».
وكانت ماعت الروح التى تطبق العدالة، والدستور الذى يحكم القانون، إذ إن ماعت مثلت القيم الطبيعية والأساسية التى شكلت الخلفية التى يحتاجها القاضى لتطبيق العدالة التى كان لابد من تطبيقها بما لا يخالف روح الحقيقة والإنصاف.
ووظيفة القضاء كانت ضمن مهام الوزير، اعتباراً من عصر الأسرة الخامسة، حوالى (2510- 2370 قبل الميلاد)، وأصبح الوزير مسؤولا عن العدالة، وعندما كان يُكلف بالوزارة يُكلف بتحقيق ماعت والتعامل بمقتضاها، وكما وصلنا من نصوص مقبرة رخميرع وزير الفرعون تحتمس الثالث من الأسرة الثامنة عشرة حوالى 3400 سنة أنه قال: «أما أولئك الذين ضعفت قلوبهم، وأعوزتهم الاستقامة، فإن سياج الملك (يقصد نفسه) قد أخضعهم.. لقد قضيت بين الفقير والغنى بالقسطاس المستقيم، وخلصت الضعيف من القوى، ووقفت فى وجه غضب الأحمق، وسحقت الجشع فى ساعته، وأنهيت ضيق المحتاج فى وقته.. وأعنت الرجل المسن مانحا إياه عصاى.. وكرهت الظلم ولم أرتكبه، وجعلت أهل الشر يمشون منكسى الرؤوس». لذا لقب الوزير القاضى بلقب خادم ماعت، والمنتمى لماعت.
واستمر قانون ماعت طوال التاريخ المصرى حتى العصر اليونانى، إلا أن القانون اليونانى استمر جنبا إلى جنب مع القانون المصرى. وحافظت مصر على القانون المصرى، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة، التى سُمح لها بالتصرف بشكل مستقل عن الرجل فى الممتلكات الشخصية الخاصة، وقد أثر هذا على الاتفاقيات التى كانت أكثر تقنيناً عند المصريين من الإغريق. وعندما سيطر أوكتافيوس أغسطس على مصر 30 قبل الميلاد وأصبحت مصر ولاية رومانية، انحصرت ماعت وسيطر النظام القانونى الرومانى الذى استمر طوال عصر الإمبراطورية الرومانية فى مصر.
هذا ما كان فى الدنيا، أما فى عالم الموتى فعُرفت الجبانة باسم «ست ماعت»، أى مكان ماعت، وهو دار الحق، وذكرت فى المرة السابقة حساب الموتى ومحاكمتهم بوزن قلب المتوفى أمام رشة ماعت فى كفة الميزان، وأضيف هنا أن المتوفى كان عليه أن يبرئ نفسه أمام أرباب العدالة بعدد 42 تبرئة، هى كما جاءت فى بردية آنى:
أنا لم أرتكب خطيئة.
أنا لم أرتكب السرقة مع العنف.
أنا لم أسرق.
أنا لم أقتل الرجال والنساء.
أنا لم أسرق الحبوب.
أنا لم أختلس القرابين.
أنا لم أسرق ممتلكات الآلهة.
أنا لم أتلفظ الأكاذيب.
أنا لم أنهب الغذاء.
أنا لم أتلفظ الفحشاء.
أنا لم أرتكب الزنى، وأنا لم أنم مع الرجل.
لم أرتكب شيئا يؤدى للبكاء.
أنا لم آكل قلبا [أى أنا لم أحزن دون جدوى، أو شعرت بالندم].
أنا لم أهاجم أى رجل.
أنا لست بالرجل المخادع.
أنا لم أسرق الأراضى المزروعة.
أنا لم أتجسس.
أنا لم أقذف [أى رجل].
أنا لم أغضب دون سبب عادل.
أنا لم أخُن مع زوجة أى رجل.
أنا لم أخن زوجة [أى] رجل. (يكرر تأكيد السابق ولكن موجهة إلى إله آخر).
أنا لم ألوث نفسى.
أنا لم أروع أحداً.
أنا لم أتجاوز [القانون].
أنا لم أغاضب أحداً.
أنا لم أغلق أذنى لقول الحقيقة.
أنا لم أخدع.
أنا لست رجلا عنيفا.
أنا لم أكن مثيرا للفتنة (أو معكرا للسلام).
أنا لم أتصرف (أو أحكم) متسرعا دون مبرر.
أنا لم أتدخل فى الأمور (التى لا تعنينى).
أنا لم أثرثر وأكثر كلماتى فى الحديث.
إنى لم أظلم، ولم أفعل الشر.
أنا لم أعمل السحر ضد الملك (أو افتريت على الملك).
لم يسبق لى أن أوقفت [تدفق] الماء.
لم يسبق لى أن رفعت صوتى (يتحدث بعجرفة أو بغضب).
أنا لم ألعن (أو أجدف) الرب.
أنا لم أتعامل مع الغضب والشر.
أنا لم أسرق خبز الآلهة.
أنا لم أنتزع الكعك من أرواح الموتى.
أنا لم أنتزع خبزا من طفل، ولم أحقر من إله مدينتى.
أنا لم أقتل الماشية التى يمتلكها الإله.
* وزير الاثار