x

أنور الهواري مشاعر ضد الحرب أنور الهواري الخميس 26-03-2015 21:47


«الرأى قبل شجاعة الشُّجعان، هو أوَّلٌ وهى المحلُّ الثانى

لولا العقول لكان أدنى ضيغمٍ، أدنى إلى شرفٍ من الإنسان»- أبوالطيب المتنبى.

أزمة العرب الكبرى: ليس عندهم مشروع سياسى، بينما كل جوارهم المؤثر يملك مشاريعه السياسية، من إيران، إلى تركيا، إلى إسرائيل، إلى إثيوبيا.

أعرف أن كلامى- فى هذه اللحظة- غير مبلوع، لكن يلزمُ القول: إيرانُ هزمت العرب بالسياسة، ولن يهزمها العربُ إلا بالسياسة. أعرفُ أن العرب يملكون أحدث وأغنى خزائن السلاح، لكن يؤلمنى أن أقول إن أدوات العرب من السياسة هى من الضعف والتشرذم بحيث تتكفل- وحدها- بإبطال مفعول ما لديهم من سلاح.

للأسف الشديد، ليست إيران- وحدها- من تهزمنا بالسياسة وليس بالسلاح، تركيا تتفوق علينا بالسياسة وليس بالسلاح، بل إثيوبيا- مؤخراً- هزمتنا بالسياسة وليس بالسلاح. أليس هؤلاء هم جوار العرب؟!

أليس قد حان الوقتُ، لنسأل أنفسنا- نحن العرب- أين كنا ننام على أنفسنا، لنستيقظ على حين بغتة، ولنكتشف أن إيران تحاصرنا من الشرق، وأن تركيا تحاصرنا من الشمال، وأن إثيوبيا تحاصرنا من الجنوب، وأن إسرائيل سعيدة بحصار العرب من كل الجهات بأيدى جوارهم الأقدمين فى الإقليم؟!

مهما تكُن الأسباب، لا أحب قصف العواصم العربية، ولا أحب أن أرى الاقتتال العربى- العربى، أو الإسلامى- الإسلامى، لا أحب أن أرى ألسنة اللهب والنار تحرق ما بقى لدينا من أشباه العمران ومن بقايا الإنسان.

سواءٌ كانت البداية من خطايا الحكام مثل: طالبان فى أفغانستان، أو صدام فى العراق، أو بشار فى سوريا، أو القذافى فى ليبيا.

وسواءٌ كانت البداية من صراع على السلطة بين شرعية لا تستطيع حماية نفسها بسندٍ من شعبها أو بقوةٍ من سلاحها، وبين قوة انقلابية مسلحة تفرض سيطرتها دون غطاء من قانون أو توافق شعبى، مثلما هو الحالُ بين الحكومة الشرعية والحوثيين فى اليمن.

فى كل تلك الحالات السابقة، لا يوجد منتصر، توجد هزيمة كبيرة تطال جميع الأطراف، وتزيد على ذلك: أن الحرب بدلا من أن تحسم الصراع، زادت فى عدد الأطراف المتورطة فيه، وأطالت من أمده فى الزمان، ووسعت من مداه فى المكان، وعمقت من جذوره فى أخاديد الزمن، ورسمت ظلاله الكئيبة على وجوه المُدن، وفى أعماق البشر.

أعلمُ أن إيران تُحاصرُ جزيرة العرب من كل الجهات، ولكن أعلمُ كذلك أن النفوذ الإيرانى 1979م- 2015م هو محصلة استراتيجية مخططة ودؤوبة ومتواصلة لأكثر من ثلاثة عقود، لم توقفها عشر سنوات من حربها مع العراق ومن خلفه كل دول الخليج ومصر من 1980م- 1989م، ولم يوقفها الحصار والعقوبات الاقتصادية الغربية التى بدأت منذ اللحظة الأولى، مع أزمة الرهائن فى السفارة الأمريكية فى طهران 1979م، ثم تحولت إلى حظر تجارى أمريكى كامل 1995م، ثم صدرت بها ثلاثة قرارات من مجلس الأمن:

القرار الأول فى ديسمبر 2006م، رقم 1737، يحظر بيع ونقل كل المعدات والبضائع والتكنولوجيا ذات الصلة بأنشطة التخصيب والمياه الثقيلة.

القرار الثانى فى مارس 2007م، رقم 1747، يحظر التعامل مع البنك المركزى الإيرانى وعدد من الشخصيات الإيرانية.

القرار الثالث فى مارس 2008م، رقم 1803، يفرض الحظر الكامل على كافة الأصول والأرصدة الإيرانية فى الخارج.

العرب- بالعكس من ذلك- كانوا خلال الفترة نفسها الحلفاء التابعين الأوفياء لمن بيدهم قرار الثواب والعقاب، بل إن العرب- خلال الفترة نفسها- كانوا دعاة تفاوض وسلام مع عدوهم الرئيس فى الإقليم، إلى حدود وصفها السيد عمرو موسى، عندما كان وزيراً للخارجية، بأنها هرولة غير مقبولة، يعنى كانت فترة لم يحارب فيها العرب حرباً كبرى تؤلمهم أو تستنزفهم- باستثناء صدام مع إيران، ثم مع الكويت- بل عاشوا فى أزهى عصور الرغد والترف والتنعم والبغددة المالية التى تعجز عن وصفها الخرافات والأساطير.

آخرُ الكلام: نعم، الحوثيون قوة تحتاج إلى ترويض، لكن الشرعية التى تعجز عن حماية نفسها وشعبها وبلدها، ثم تستدعى التدخل العسكرى من الخارج، هى شرعية تنسف شرعية نفسها بنفسها، الشرعية- فى التحليل الأخير- قوة، سواء قوة المادة أو قوة الموقف الأخلاقى. هذه الشرعية تضع نفسها وبلدها تحت كفلين من العذاب: مطالب خصومها فى الداخل، ومصالح مُنقذيها من الخارج.

كذلك: فإن أمن الخليج العربى لن يستقيم مع هذا الحصار الإيرانى، لكن تلجيم الحصار الإيرانى للجزيرة العربية لا يكونُ بقصف بلد عربى، ولا يكون باقتتال عربى- عربى جديد، هذه حلول سوف يُضار بها اليمن، ولن يُحمى بها أمنُ الخليج العربى.

وقف الزحف الإيرانى يحتاج إلى مشروع عربى، والضربات العسكرية ليست هى الحل فى اليمن، مثلما هى ليست الحل فى سوريا وليبيا.

الحديث مستأنف.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية