x

عصام شيحة قراءة سياسية فى المؤتمر «الاقتصادى» عصام شيحة الأربعاء 25-03-2015 21:20


ليس من شك أن التقييم الموضوعى لمؤتمر شرم الشيخ ينبغى أن يتمهل، ليفسح الطريق أمام مقاربات جادة تنطلق من مسؤولية وطنية حقيقية؛ غير أن اختزالاً معيباً تعانى منه رؤيتنا للمؤتمر «الاقتصادى»، إذا ما ظلت حبيسة دوائره الاقتصادية؛ على نحو يهدر أهمية استيعاب الحدث فى سياقه العام، وتشابكاته السياسية.

فدفعاً بالسياسة إلى مقدمة المشهد، تم بالفعل، وبلغت رسائلها عناوينها المقصودة على نحو صحيح؛ ومن ثم بات حرياً استيعابها وفق ما تمليه قواعد الصراع الدولى من دلالات.

بداية، حرص الرئيس السيسى فى كلمته أمام المؤتمر على تقديم صورة متكاملة عن الدولة المصرية الحديثة التى تنشدها الإرادة الشعبية التى جاءت به رئيساً فى أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو، فبدا الرجل مُنادياً بمجمل منظومة القيم الحاكمة للعلاقات الدولية المعاصرة، وهى التزامات لا بديل عنها، وليس لنا أن نلتمس مهرباً منها بموجب ما يواجهه الوطن من تحديات، إذا ما رسخت قواعد العملية الديمقراطية تعبيراً عن إنجاز تحول ديمقراطى حقيقى.

فى هذا السياق، لا ينبغى تناول ما قدمته دول الخليج الداعمة لإرادة الثلاثين من يونيو، بعيداً عن كونه استثمارا سياسيا بالأساس، يضع رهانه على مستقبل الأمة العربية، وأمنها القومى، دون النظر إلى حسابات اقتصادية تضيق كثيراً عن استيعاب الدور المركزى لمصر فى منظومة الأمن القومى العربى؛ ومن ثم صح توصيف الموقف بأنه «تنمية» وليس مجرد «استثمار»، وعلى هذا الأساس يظل التحدى الأكبر، من الوجهة الاقتصادية، أمام مؤتمر شرم الشيخ محصوراً فى قدرته على جذب استثمارات قوية من خارج دول الخليج.

وفى صياغة لا تخلو من حنكة سياسية، كانت المعايير الحاكمة لتوجيه الدعوات للدول للمشاركة فى مؤتمر شرم الشيخ، وعليها راعت مصر فى الدول المشاركة حجم استثماراتها الفعلية فى مصر، وعضوية تلك الدول فى المنظمات الاقتصادية الدولية، إلى جانب دعوة كل الدول العربية والأفريقية، لخصوصية العلاقات العربية والأفريقية. وعلى خلفية ذلك، يبدو غياب إيران وتركيا وإسرائيل منطقياً، وغير ذلك تغييب العامل السياسى على إطلاقه.

كذلك كانت المشاركة المكثفة للدول الأفريقية مثار تساؤلات عدة، تتعلق بمدى قدرتها على تقديم استثمارات فعلية، خاصة فى مواجهة ما حفل به المؤتمر من قوى اقتصادية هائلة؛ وإلى هنا والنظرة قاصرة عن بلوغ جوهر السياسى للمشاركة السمراء، ودلالات الدعوات الموجهة لتلك الدول؛ فليس إلا التوجه المصرى الجديد نحو استعادة دفء أحضان القارة السمراء، وإعادة تفعيل الدائرة الأفريقية فى منظومة الأمن القومى المصرى، لاحظ هنا التأييد الأفريقى الأخير لترشيح مصر لمقعد غير دائم فى مجلس الأمن «2016ـ2017»، وليس فى ذلك ما ينفى أهمية الدور الأفريقى فى دعم الاقتصاد المصرى؛ بعيداً عن تقديم استثمارات مباشرة؛ فأثر لا ينبغى تجاهله ينشأ جراء عضوية مصر فى التكتلات الاقتصادية الأفريقية، أهمها «الكوميسا»، وفى الطريق سوق أفريقية كبرى تجمع «الكوميسا» بتكتل شرق أفريقيا وتكتل «السادك» الجنوب أفريقى.

وفى وجود مشتركات قوية بين قطر والدول المستبعدة «إيران وتركيا وإسرائيل»، ليس يخفى البعد السياسى لمشاركة قطر فى مؤتمر شرم الشيخ، وبمستوى تمثيل متواضع «وكيل وزارة الاقتصاد»؛ فاستباقاً للمؤتمر بيومين فقط، أذاع ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز بياناً تناول استمرار المملكة فى جهود تصفية الأجواء بين الدول العربية والإسلامية، وإن كان البيان لم يشكل رافعة لتركيا إلى مقاعد المؤتمر، فقد نجح فى الأمر ذاته بالنسبة لقطر، فضلاً عن عضوية قطر فى مجلس التعاون الخليجى، الأمر الذى دفع بقطر إلى شرم الشيخ، فى حدود ما يسمح به الظرف السياسى بين البلدين، ليظل تقييم المشاركة القطرية حصراً فى ظرفها الاستثنائى، وأمره مطروحا فى أطره السياسية قبل الاقتصادية.

كل يغنى على ليلاه، هذا صحيح؛ ففى عثراتها استمرت مصر تحمل قضايا أمتها العربية، فجاء الرئيس الفلسطينى أبومازن حاملاً هموم وطنه إلى العالم عبر «مؤتمر مصر»، ممثلاً لشعب ينفرد بالاحتلال الوحيد فى العالم المعاصر، وكقضية مركزية فى الأمن القومى العربى، تلقى بظلالها الكثيفة على مصر واقتصادها «محل المؤتمر»، كما أشاعت كلمات الإخوة الأفارقة أمنيات طيبة لمصر باعتبارها الرائدة الأفريقية التى لا ينبغى أن تغيب كثيراً عن استعادة دورها ومواصلة «سحب» دول القارة إلى مواقع أفضل على خارطة التنمية الشاملة. كذلك كانت تطلعات سودانية مشروعة لحل يأتى عبر المؤتمر، بموجبه يمكن توصيل مياه النيل السودانى إلى الأراضى القابلة للزراعة، وهى مشكلة سودانية مزمنة، ربما لا يتسع الأفق القريب لمواجهتها فى ظل الأجندة المصرية والعربية المزدحمة.

بينما الأحاديث الأوروبية فى المؤتمر لا ينبغى عزلها عن سياقها وامتدادها الأمريكى. لاحظ إفشال الولايات المتحدة محاولة مصر استصدار قرار من مجلس الأمن فيما يتعلق بالأوضاع فى ليبيا، وهو أمر ذهبت إليه مصر مدعومة بقوة من أقطاب أوروبية، من هنا يجدر بنا تقديم ما جاء به وزير الخارجية الأمريكى «جون كيرى»؛ إذ لم يشأ الرجل التخفف من أعباء تعقيدات الموقف الأمريكى تجاه مصر، حيث يمكن تفسيرها فى إطار اتساع دوائر صناعة القرار الأمريكى المتعلق بالسياسة الخارجية، خاصة فى المنطقة الأكثر سخونة فى العالم بفعل ما تكتنزه من وقود الحضارة الغربية؛ فإلى جانب إشارات كيرى حول أهمية تمكين الشباب، وغيرها من التلميحات، لم يكن هناك جديد إلا ما نسبه الرجل إلى أوباما شخصياً من دعم لمصر فى المرحلة الراهنة، مع ما تردد كثيراً عن أن دعم مصر يجد مبرراته فى البنتاجون والخارجية، أكثر مما يلقاه فى البيت الأبيض وبعض دوائر الكونجرس الأمريكى.

والآن وقد انفض المؤتمر ليس أدق من المنظار المُصوب حالياً يرصد كل ما يدور من فعاليات على الساحة الداخلية، وليس التاريخ يذكر أمة نهضت من سباتها، بينما أبناؤها تتنازعهم الأحلام الصغيرة، وتتجاذبهم المصالح الضيقة، ثم إذ بهم فى مدينة ساحرة يجتمعون على قاعدة من قيم لا يدرك واقعهم منها الكثير؛ ومن ثم ليس لنا إلا أن نعتبر المؤتمر مناسبة للعمل الجاد... بعد الحديث الجاد!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية