x

مصباح قطب أسئلة لا إجابات... أحمدك يا رب مصباح قطب الأربعاء 25-03-2015 21:14


لن أمل من القول إن السؤال هو سر التقدم وإن السؤال هو العنوان الأصلى للإنسان. من أخطر عيوبنا السياسة والثقافية أننا نجاوب على نفسنا.. بنفتى ..دون وجود أسئلة حقيقية تعكس معاناة ومعرفة. لكن دلت المناقشات التي دارت على صفحات أغلب الصحف في الأيام الأخيرة حول العاصمة الإدارية الجديدة على تقدم يدعو لـ«ندعة» أمل في أننا بدأنا نسأل قبل أن نأخذ قرارا بالقبول أو التحفظ أو الرفض. لا يمكن محاسبة أي سلطة دون أن يكون لدينا سؤال قوى وعميق وفى الاتجاه السليم. السلطة الفاشلة تفرح بالإجابات المشوشة ولو أضرتها لحظيا. إنها تعرف كيف تتعامل مع أصحابها.. ببساطة تلوح لهم بقدر من المنافع فتنضبط السيولة التي في عقولهم. صاحب السؤال الصعب هو كيان يصعب على أي سلطة احتواؤه. عبارة: «إن بريق الحقائق لا يأتى إلا من احتكاك الآراء» مهمة.. لكن الحقيقة الخالدة هي عندى السؤال الذي يترجم هما واهتماما وطنيا أو إنسانيا. رئيس أسبق لأمريكا قال إنه يريد اقتصاديا بذراع واحد لأن الاقتصادى اعتاد دائما القول: هذا من ناحية أما من ناحية أخرى فكذا.

الخير كله يكمن في أن تكون هناك ناحية أخرى لأى موضوع مطروح ولو كره الرئيس. اعرف أن المحترفين في الميديا والسياسة الغربية وغير الغربية يستخدمون الأسئلة الذكية لينتجوا شرا محضا. مناسبة كل هذا القول هي المؤتمر السنوى لمنتدى البحوث الاقتصادية والذى انقعد منذ أيام في تونس. نحو 200 أستاذ وباحث من فطاحل علمى السياسة والاقتصاد في العالم، وبعض أصحاب الخبرات التنفيذية للإجابة على سؤال جوهره علاقة الديمقراطية بالتنمية ومحددات التحول إلى كليهما. كان أمرا مذهلا حقا. كل إجابة كانت بمثابة طلقة رش تبدر أسئلة أكثر مما تقدم إفادة أو حلا. العقول الكبيرة تتبارز والأسئلة تتطاير كالشرر طوال الوقت. إذا قلت الفقر يعوق الديمقرطية جاء الرد وماذا عن الهند؟. إذا قلت النمط الجماعى الآسيوى يعرقل التعددية قيل وماذا عن كوريا الجنوبية؟ وإذا قيل أن الدين يقف حائلاً دون التطور الديمقراطى.. جاء الرد ماذا عن ماليزيا وإندونيسيا.. قس على ذلك دور الثقافة والجوار الإقليمي ومدى الانسجام الاجتماعى في الدولة ومستويات الدخل ومعدلات النمو وطبيعة النخبة والقيم الشعبية السائدة والعمليات الثورية ودور الجيوش والثروات الطبيعية، دور القيادة الكاريزمية ومستوى الاندماج التجاري ودور العوامل الخارجية ودرجة الحريات المدنية ونوع الاستبداد الموجود ومدى ترابط أنظمة الاستبداد ودور العوامل الأمنية- كمثال الولايات المتحدة بعد أحداث سبتمبر ومصر بعد أحداث الإرهاب- ومدى كفاءة أو عدم كفاءة المؤسسات السياسية والاقتصادية ونوع الاأغلبية والمعارضة السائدة وطبيعة النظام الانتخابى.. درجة التصنيع.. كثافة السكان.. بل عدد قتلى التحول الديمقراطى!! وتأثير كل ذلك على انتكاس أو انتصار الديمقراطية والحريات، وعلى سهولة أو صعوبة المراحل الانتقالية الاقتصادية والديمقراطية في حياة الدول.

في كل تلك القضايا كانت هناك وجهات نظر مختلفة ومتشككة ومتصادمة ومتحيزة أحيانا أو كثيرا بحيث كان التعليق النهائي الذي يمكن قوله إن الانتقال إلى الديمقراطية والشروط اللازمة له بالغ التعقيد، فما أكثر ما قدمت دولاً فقيرة أجوبة مهمة في المسألة الديمقراطية أفضل مما قدمته دول غنية، وما أكثر الثورات التي أفضت إلى استبداد وما أكثر الاستبداد الذي أدى إلى ثورة جلبت الديمقراطية، كما كان التعليق أيضا أنه لا يوجد عائق هيكلى حقيقي سياسى أو اقتصادى أو اجتماعى أو ثقافى أو ديني يحول دون تحول أي دولة إلى الديمقراطية، كما لا يوجد أيضا أي ضمان أن تتحول هذه الدولة أو تلك إلى الديمقراطية أو تحقق التنمية المنشودة أو تستمر فيهما بعد أن تكون قد خطت خطوات. ما تقدم لا يعنى أن كل الآراء تتساوى أو أنه لا يوجد موقف، لكنه يعنى أن تعقد الظواهر يوجب التفكير بعمق يليق. لقد قال د. أحمد جلال، مدير المنتدى، إنه سعيد بما جرى لأن كل من حضر خرج كما لم يدخل.. خرج أكثر قلقا ويقظة فكرية. محدش بياكلها (أو بينجزها) بالساهل. هكذا قال المثل الشعبى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية