نعم نستطيع.. نعم قادرون.. هذا هو المضمون البسيط والرسالة السهلة التى أوصلها لنا المؤتمر الاقتصادى، فتنظيمه بهذه الدقة، وإدارته بتلك الكفاءة، وإخراجه على هذا النحو المبهر والأداء المتقن والعمل الاقتصادى المحترف رفيع المستوى، وظهور الشخصية السياسية المتزنة التى تدير علاقتها مع الدوائر العالمية والعربية والأفريقية بميزان من ذهب..
كل ذلك لم يكن رسالة للخارج، بل كان رسالة لنا، نحن المحبطين المهزومين المهتزين المرتعشين الخائفين من المستقبل، الغارقين فى معارك الماضى، المنشغلين فى قضايا مفروضة علينا من فضائيات موالية وقنوات كارهة وأجندات مختلطة أفقدتنا الرؤية حتى جاء المؤتمر الاقتصادى لنمسك به طرف خيط المستقبل. القضية ليست مجرد تفاؤل من مشهد لطيف ومؤتمر منظم وانبهار دولى وعربى نخرج منه سعداء لنعود سيرتنا الأولى، بل هو نقطة البداية لنا جميعًا، فمن الآن جميعنا شركاء، من العامل البسيط الكادح وحتى رأس الدولة. كلنا شركاء حتى ولو بكلمة طيبة نثنى بها على مجهود عامل شارك فى مشروع، أو مهندس نام فى موقع العمل، فالإرادة والعزيمة التى صنعت هذا المؤتمر دون أن نشعر هى كلمة السر، وهى التعبير الصادق عن أول جملة تعلمناها فى كتاب المطالعة «من جد وجد، ومن زرع حصد».
ومن المشهد العظيم الذى صنعه رجال مخلصون فى تنظيم المؤتمر وترتيب أولويات مشروعاته لبناء دولة حديثة والذى اختتم بصورة سيلفى عبقرية للرئيس السيسى مع الشباب، إلى مشروعٍ احتل من قاعة عرض المشروعات الضخمة مساحة 6 أمتار، وضع فى منتصفها ترابيزة أنيقة عليها ماكيت شديد الدقة والأناقة لمشروع استاد النادى الأهلى، صممته أهم شركة فى بناء الاستادات فى العالم، ويقف إلى جواره محمود طاهر رئيس النادى الأهلى، والمهندس محمود عطا الله، رئيس مجلس إدارة الشركة المسؤولة عن التمويل والاستثمار، وهو مشهد يحمل الكثير من المعانى.
الأول: إن الأهلى لا يكتفى أن يعيش على التاريخ والبطولات والألقاب التى أدمنها حتى بات خبر فوزه ببطولة أو حصوله على لقب أمرًا اعتياديًّا، بل يشارك فى صناعة المستقبل، ويؤسس لحقبة تاريخية جديدة، تأخذه إلى أفق أبعد وأحلام أوسع وأمانٍ تصل به إلى مصاف الأندية الأوروبية الكبيرة فى بنيتها الأساسية، وقوتها الاقتصادية، ورؤيتها المستقبلية، وتناغمها مع مقومات صناعة الرياضة الحديثة، فكلنا تربينا على أفكار مغلقة، تعتقد أن إنشاء الاستادات فى مجتمعنا لا يقدر عليه سوى ميزانيات واقتصاديات الدولة، وهو عكس السائر فى العالم، فالأندية الجماهيرية الكبيرة تملك استاداتها، وهكذا بدأ الأهلى كسر الصندوق المغلق وتحرير نفسه من الأفكار العقيمة والمعتقدات البالية والمعطلة، وقرر أن يخوض معركة المستقبل رغم صعوبتها والمجهود الشاق الذى تحتاجه، إيماناً بأن الوقوف فى مكانه يأكل من تاريخه ويطفئ لمعته.
والحركة إلى الأمام هى الملاذ للحفاظ على تاريخه وإبقائه فى صدارة الأندية المصرية والعربية والأفريقية، والأهم تفريغ أجيال جديدة وتوسيع رقعة مشجعيه، وهو ما يعود عليه بالفائدة الاقتصادية، ويجعله متسيداً السوق الرياضية على عكس نادى الزمالك (ليس من قبيل المقارنة.. ولكن من قبيل الحسرة)، يملك تاريخاً عظيماً وبطولات كبيرة، ولكنه غاب عن الحاضر والمستقبل؛ مما قلل من حجم تدفق الأجيال الجديدة التى تشجعه، وربما يعرضه للانقراض (لا قدر الله) إذا لم يهب أهله ومحبوه وأبناؤه المخلصون، وهم كثيرون، لإنقاذه.
الثانى: حتى ولو جاءت من قبيل المصادفة، فإن مشاركة الأهلى فى المؤتمر الاقتصادى جاءت لتؤكد أن هذا النادى العظيم لا يغيب عن وطنه فى الأحداث الكبيرة، بل دائما ما يشارك وبحضور قوى، فكان هو المشروع الرياضى الوحيد فى المؤتمر الاقتصادى، وبغض النظر عما إذا كان الأهلى سينجح فى جذب استثمار بأكثر من ٢ مليار جنيه لبناء الاستاد (ومعلوماتى أنه اقترب من النجاح) أم لا، فإن إصراره على التواجد بحرفية، ومن خلال واحدة من كبريات شركات تصميم الاستادات، وحضوره فى هذا المحفل وطرح اسمه بين كبرى المشروعات المطروحة للاستثمار أمام كبار المستثمرين العرب والعالمين، أمر يزيد من قيمته المعنوية ويعلى من شأن اسمه وعلامته التجارية، أضف إلى ذلك مشاركته الدولة فى تحسين الصورة أمام العالم، وإبراز مدى اهتمام مصر بالرياضة، بالتوازى مع اهتمامها بمشروعات الطاقة والإنشاءات، فالأهلى هنا يكمل الصورة أمام الرأى العام العالمى، ويعطى انطباعًا بأننا مجتمع حضارى، تحتل فيه الرياضة جزءا أصيلا من تفكيره.
الثالث: إصرار الأهلى على مشروعه واقترابه من مستثمر عربى لتنفيذه يعنى بالضرورة أنه سيقود الدولة لتغيير قانون الرياضة بما يتوافق مع السماح للأندية الرياضية بحرية الاستثمار والاستفادة من شعبيتها وتاريخها، وألا تتوقف فى انتظار دعم الحكومة، وهو ما يرفع عنها عبئا كبيرا، ويعطى للأندية ومجالس إدارتها حرية أكبر، وبالتالى ستكون محاسبتها أشد وأقوى من قبل الجمعيات العمومية.
وإذا كان بناء الأهلى لاستاده حلما يأخذ خطواته للتحقق، فإن الأهم ما يجرى الآن على أرض الواقع، فبعد 11 سنة من حصوله على أرض الشيخ زايد، خلال أيام قليلة، سيفتتح فرعه الثالث، ليضيف للرياضة بنية أساسية جديدة من الملاعب والصالات المغطاة وحمامات السباحة، ثم لا يقف عند هذا الحد، بل فاجأنا مجلس إدارته بالاتفاق مع وزارة الإسكان على تخصيص أرض لفرع رابع فى التجمع الخامس، ليزداد العملاق تعملقاً، وتتسع رقعة انتشاره، وهو ما يؤكد أمرين مهمين: الأول، أن الثورة البيضاء التى قادها أعضاء الجمعية العمومية قبل عام بتغيير الوجوه والأفكار القديمة بالكامل وإصرارهم على اختيار مجموعة جديدة بالكامل، جاءت فى وقت تاريخى، رغبت فيه الجمعية العمومية فى تأسيس الجمهورية الثالثة للأهلى.. الجمهورية الأولى، وهى البناء والتأسيس، وأبرز معالمها التيتش، والثانية جمهورية صالح سليم، والثالثة جمهورية الحداثة والتطور والبناء، وهى تقوم على العمل الجماعى، حيث المجموع وليس الفرد هو البطل فى الإنجاز.
الأمر الثانى، أنه إذا توافرت الإرادة فإنه لا يوجد صعب أو مستحيل، فرغم الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد عامة والأندية على وجه الخصوص، ورغم حالة الحرب التى يقودها أحد وزراء الإخوان على مجلس الأهلى، إضافة للخمول والكسل والفساد الإدارى المستشرى فى كل مؤسسات البلاد، إلا أن الأهلى استطاع صناعة النجاح، وأضاف إلى منشآتنا الرياضية مجمع إسكواش ضخما باستثمار ٢٦ مليون جنيه. هذه هى الروح، وتلك هى الإرادة التى تحتاجها مصر فى كل المؤسسات، إما أن نقف مكتفين بالسعادة لإنجازات الأهلى أو الفرحة لنجاح المؤتمر الاقتصادى، فذلك يقودنا للخيبة.