جماعات وأفكار رجعية متخلفة متطرفة تنتشر فى أنحاء المنطقة العربية بالطول والعرض، ليس اليوم فحسب بل بالأمس وغد وبعد غد.. تحمل السلاح وتدعو للعنف وتمارسه.. الإرهاب فى مصر كان ومازال موجودا وللأسف سوف يظل. اعتدنا محاربة الإرهاب بشكل موسمى، ولو أن الدولة اعتبرت محاربة الإرهاب والأفكار المتطرفة استراتيجية منذ جرى اغتيال الرئيس السادات أو بعد اغتيال رفعت المحجوب أو فى أعقاب حادث الأقصر الإرهابى الشنيع فى 1997 لكانت مصر غير مصر ولكان الحال غير الحال.
مصر عائمة على بحيرة من المتطرفين المتشددين المنغلقين الذين يكّفرون الأمة والدولة فى قرارة أنفسهم ولا يجرؤون على التصريح أو التلميح بسبب الظروف الأمنية (أرجو مراجعة موقع الدعوة السلفية فى مصر وبلاد الشام)..
ليست مصر وحدها فى ذلك بل الأمة العربية بأكملها. ومن يقوم بجولة مطالعة بسيطة وسهلة للغاية لكنها ثقيلة على النفس من أجل معرفة ما الذى ينشره التكفيريون من أفكار وفيديوهات على الإنترنت سوف تنتابه حالة من الأسى على حجم ومستوى التخلف والوحل الذى تخوض فيه أمة «اقرأ».
إن كل الجهود المبذولة فى مصر والمنطقة فى إطار عمليات محاربة الإرهاب تجرى على الصعيد الأمنى فقط، وكأن الجماعة مجرد تنظيم والضربات الأمنية كفيلة بإضعافه والقضاء عليه. والمشكلة أن الجماعة فكرة والفكرة منتشرة لها تربة خصبة فى نظام التعليم المعمول به لدينا، ولا ننوى تغييره وليس لدينا الشجاعة لنقول إن هذه أفكار متخلفة ورثناها عن متشددين لا تصلح لزماننا وكانت عبئا على زمانهم.
لقد فضلنا حسن البنا وأفكاره المنغلقة على جمال البنا وأفكاره المنفتحة المتقدمة، وفضلنا أبوحامد الغزالى صاحب كتاب تهافت الفلاسفة و«إحياء علوم الدين» على ابن رشد صاحب كتاب «تهافت التهافت» وهو صاحب «العقل» و«القياس»..
هناك عشرات الكتب التى بحثت فى أزمة العقل العربى، ومن أهمها كتاب د.زكى نجيب محمود «تجديد الفكر العربى».
هناك آفة عربية عربية تحتاج إلى مراجعة نقدية وشجاعة فى المواجهة، وعلينا ألا نشعر بالصدمة عندما نعلم أن كل مفكرى التسامح والمحبة التى يحسبهم البعض على الفكرة العربية هم فى الحقيقة ليسوا عربا.. ولا من أصول عربية بل من أصول أخرى، وربما لهذا السبب آثروا الفكرة العربية والحضارة العربية.
ففى التراث العربى هناك العديد ممن يعرفون بمفكرى التسامح، أمثال محيى الدين بن عربى الذى لم يكُن عربى الأصل بل أندلسياً.. وجلال الدين الرومى وشمس التبريزى والاثنان من أصل فارسى.. أحدهما عاش ومات فى قونية التركية والثانى كان رحالة بين البلاد. وابن رشد من الأندلس، وابن خلدون أيضا وإن كان تونسى المولد لكنه أندلسى الأصل، وهو مؤسس علم الاجتماع وصاحب الكتاب الشهير «مقدمة ابن خلدون».. فهل نعترف بشجاعة بأنه تنقصنا الشجاعة فى نقد ذواتنا وأفكارنا؟