اختُتم مؤتمر مصر الاقتصادى فى شرم الشيخ بأغنية «مصر قريبة» التى أُنتجت فى إطار حملة ترويج تستهدف السائح العربى. وبصرف النظر عن النوايا، فإن مصر ليست قريبة بالشكل الذى عرضه الأوبريت. فلو زرت المطار لن تجد «الكنج» محمد منير فى انتظار أحد. وبدلًا منه ستجد جحافل من الشباب يتعاركون على كل «زبون» قادم، ويصرخون فى وجه كل من يخرج من المطار: «ليموزين حضرتك؟».
فى مطار القاهرة لن تجد الممثل لطفى لبيب منتظرًا فى سيارة فارهة. وعلى الأغلب سينتهى بك الحال مع سائق غلبان، يؤكد لك أنك زبونه الأول بعد انتظار يوم كامل. سيقصّ عليك قصة حياة مليئة بالمآسى وهو يخرجك بسيارة متهالكة من متاهة، لم يفكر مسؤول واحد فى مراجعة لافتاتها أو لوحاتها الإرشادية التى تتسبب يوميًا فى «توهان» العشرات ممن يحاولون الدخول إلى المطار أو الخروج منه.
على كوبرى قصر النيل لن تلتقى مع بائعة ورد توزع مع ورودها المجانية ابتسامات موحية بلا مقابل. بدلًا منها ستجد أمًا بائسة، تركت ابنتها نائمة فى حجر خالتها التى تبيع الترمس، ليسهل عليها مطاردتك فى عملية تسوّل مقنع. ستدفع الأم اليائسة بورودها فى وجه أى امرأة تسير بالقرب منك، ثم ترفع صوتها «ربنا يخليها لك يا رب» لتسبب لك أكبر قدر من الإحراج، علّك تمنحها جنيهًا أو جنيهين.
فى رؤية هيئة تنشيط السياحة التى أنتجت الأوبريت، تختفى مصر الحضارة وآثارها. ربما لأن مواقعنا السياحية صارت فى حال مزرية، والاقتراب من أبرزها، وهو منطقة الأهرامات، مخاطرة يندم عليها أى سائح. مزاراتنا الخالدة وقعت تحت سيطرة مجموعات من البلطجية يعملون تحت سمع وبصر الشرطة، ولا يترددون فى القفز على مقدمة سيارتك لإجبارك على الوقوف، وإرغامك على زيارة المنطقة فى صحبتهم.
مصر المقاهى والبازارات و«الخدمات» غطت فى الأوبريت على مصر الحضارة، لأن أحدهم يظن خطأً أننا ينبغى أن نستهدف السائح العربى على حساب غير العربى، ويظن خطأً أن السائح العربى لا يهتم بحضارة مصر وأهراماتها، ويظن خطأً أن الوهم يطمس الحقيقة.
مصر ليست قريبة بعد، وأى استثمارات يأتى بها مؤتمر شرم الشيخ أو غيره من المبادرات الاقتصادية لن تفلح فى تحقيق أى أثر لو ظللنا نستمرئ التغطية على مشاكلنا بالهتاف والأغانى التى نعتقد وهمًا أنها تترجم حبنا للوطن. مشاكلنا لن يحلها إعادة اختراع الواقع من خلال أغانٍ وأوبريتات وإعلانات، نظهر فيها أمام أنفسنا فقط على غير حقيقتنا.
هل فكر أى مسؤول فى الدولة فى فهم معاناة السياح فى مصر والتعامل معها؟ هل قرأ أحدهم التعليقات التى يكتبونها فى مواقع الإنترنت، مثل تريب أدفيزر أو فيرتشوال توريست؟ هل فكر أحدهم فى تحليلها والتعامل معها من أجل توفير مناخ سياحى جاذب؟
هل فكر أحد المسؤولين ممن ترددوا على دبى لتنسيق مؤتمر شرم الشيخ، فى دخول مطارها دون استقبال رسمى، وكتابة انطباعاته عن التنظيم، والنظافة، والاحترام، وسهولة التعامل، التى جعلت من هذه المدينة مزارًا سياحيًا يتفوق على مدن أخرى تتمتع بأضعاف إمكاناتها الذاتية؟
هل قرر أحدهم أن يحدد أين نحن، وأين ينبغى أن نكون، وكيفية ملء الفراغ بين النقطتين؟
قُرب مصر أو بُعدها عن المكانة التى تستحقها مسألة يحددها اختيار، وقرار، وخطة، وليس أغنية أو مؤتمرًا أو صورة ذهنية نرسمها لأنفسنا، ونظن أننا نضحك بها على الآخرين.