x

منار الشوربجي خطاب مفتوح موجه لمجهول! منار الشوربجي الثلاثاء 17-03-2015 21:43


فى خطوة كاشفة عما آل إليه الوضع داخل الحزب الجمهورى الأمريكى الذى ينصح البعض مصر بربط مصالحها به، وقّع 47 عضوا جمهوريا فى مجلس الشيوخ خطابا مفتوحا موجها لشخص غير محدد فى «القيادة» الإيرانية، ثم فوجئ الموقعون برد الفعل السلبى الواسع فى واشنطن والعالم، فقدموا تبريرات مسلية أكثر من الخطاب نفسه! فالخطاب الموجه «لقادة» إيران عبارة عن محاضرة فى النظام السياسى الأمريكى. ديباجته تقول إنه «بينما نراقب مفاوضاتكم النووية مع حكومتنا، انتبهنا إلى أنكم ربما لا تفهمون بشكل كامل نظامنا الدستورى. لذلك نكتب لنحيطكم علما بسمتين من سمات دستورنا». ثم يمضى الخطاب فى محاضرة عن دور الرئيس والكونجرس فى صنع السياسة الخارجية، ليقول بعدها إن حصة الدستور هذه معناها أن أى رئيس يأتى بعد أوباما بإمكانه أن يلغى «بجرة قلم» الاتفاق الذى قد يوقعه «أوباما وآيات الله خامنئى»، وأن أى كونجرس حالى أو قادم قادر على «تعديل ذلك الاتفاق وفى أى وقت». وينهى الموقعون خطابهم قائلين: «نتمنى أن يكون هذا الخطاب قد أثرى معرفتكم بنظامنا الدستورى، وكرّس الفهم المتبادل والوضوح، بينما المفاوضات النووية جارية».

والحقيقة أننى لم أستطع أن أمنع نفسى من الضحك وأنا أقرأ الخطاب. فدعك، عزيزى القارئ، من الغطرسة التى يفترض فيها الخطاب أن أحدا فى العالم لا يستطيع أن يفهم النظام الأمريكى، حتى إن قيادة دولة تعتبر أمريكا خصما لها حتى تاريخه، وتدخل معها مفاوضات حساسة «لا تفهم» نظامها السياسى أو تعدم حتى من الخبراء المحليين من يشرحونه لها. ودعك أيضا من الفكرة الساذجة التى يبدو أن الخطاب مبنى عليها، ومؤداها أنه لو أن الإيرانيين فهموا النظام الأمريكى لتوقفوا فورا عن التعامل مع أوباما! دعك من هذا كله، فالطريف فعلا هو أن الموقعين على الخطاب يفترض أنهم لا يريدون المفاوضات بشأن برنامج إيران النووى أن تنجح، لأنهم يرون أنه لا يمكن الوثوق بالنظام الإيرانى أبدا، كما قال لهم نتنياهو. وبناء عليه، فقد قرروا أن يرسلوا بخطاب لقيادة ذلك النظام الإيرانى «ذات نفسه» ليحذروهم من الوثوق بأوباما! ويثقون بأن النظام الإيرانى الذى لا يمكن الوثوق به سيثق برأيهم وينفذه!

الأطرف من هذا كله أن ردود الفعل السلبية للغاية تجاه الخطاب، التى جاءت حتى من كتاب رأى محافظين ومؤيدين للحزب الجمهورى- فاجأت الأعضاء الموقعين! فبحثوا عن تبريرات، كان أولها مُجَهّلا، يزعم أن الحكاية هذار مقصود بها «الإهانة» فقط، (بخصوص موضوع بالغ الحساسية!) وآخر يقول إن الهدف كان «تقوية يد أوباما فى المفاوضات»! ثم جاء تبرير جون ماكين الذى وقّع على الخطاب، ليقول إن التوقيع تم «بسرعة، فكلنا كنا نسعى للخروج من واشنطن قبل العاصفة الثلجية»! لكن ما جرى هو أحد تجليات هيمنة أقصى اليمين على مقدرات الحزب الجمهورى، بما يجعله يصل فى معركته مع الرئيس لهذا المدى العبثى، ويتناول السياسة الخارجية بمثل هذه الخفة غير المسبوقة فى تاريخ الحزب.

مصر العظيمة لا يجوز أبدا أن تربط نفسها بالحزب الجمهورى، ولا بالحزب الديمقراطى بالمناسبة الذى يعانى مشكلات كبيرة هو الآخر. فلا يجوز رهن مصالحنا العليا وأمننا القومى بمواقف قيادات حالية فى أى من الحزبين على استعداد لتصفية حسابات حزبية ضيقة على حساب قضايا دولية حساسة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية