x

أيمن الجندي حسناً.. فلنتحدث عن الأشرار أيمن الجندي الأحد 15-03-2015 21:28


ربما أكون آخر شخص فى العالم شاهد فيلم آل باتشينو الشهير «الوجه ذو الندبة Scar face ».

تونى مونتانا، المهاجر الكوبى ذو الندبة فى وجهه، والذى فر من جحيم كاسترو إلى الحلم الأمريكى. مجرد شاب مندفع عدو للمجتمع، مستعد لأى شىء حتى يأخذ فرصته. شاب كهذا، جرىء القلب مستعد للمجازفة، من الطبيعى أن ينخرط فى تهريب المخدرات.

وهكذا يبدأ الفيلم: حرب عصابات وإطلاق رصاص. قلبه الجرىء جعله يتدرج فى سلم الصعود. كان واضحا أنه سيصبح أكبر من تابع لزعيم العصابة الذى اختلف معه وانفصل عنه بعد خلاف كبير.

لم أستغرق وقتا طويلا حتى فطنت إلى التشابه الكبير بينه وبين فيلم أحمد زكى «الإمبراطور». أنقص هذا من متعتى بالمشاهدة، لكنى بأمانة شعرت بأن قامة أحمد زكى- رحمه الله - تضارع بكل فخر قامة «آل باتشينو».

نعود إلى أحداث الفيلم. بعد حروب عصابات تبوأ «تونى» القمة. أصبح المسيطر على تجارة المخدرات. الملايين التى لا تعد من فرط كثرتها صبت فى عصابته الجديدة. كلنا نذكر أحداث الفيلم، على الأقل فيلم أحمد زكى، ونذكر نهايته التعيسة. هذه النهاية التى أثارت فضولى ودفعتنى إلى التساؤل: لماذا لم يستمتع تونى بوضعه الجديد؟ حقا لماذا بدا وكأنه يدمر نفسه، وينحدر إلى نهايته المحتومة مفتوح العينين! بعبارة أخرى رجل شرير، عدو للمجتمع، قاتل وتاجر مخدرات، لماذا لم يستمتع بالحياة الرغدة والملايين الكثيرة؟ ألا يمكن أن يكون الشرير سعيدا؟ أتكلم عن الدنيا طبعا، فكلنا نعرف أن الخاطئ سينال جزاءه يوم الحساب.

إجابتى: نعم. من الممكن أن يكون الشرير سعيدا، بشرط أن يكون شريرا خالصا. أما الشر الجزئى، وهذا هو الحال عند تونى فمستحيل. كان يحمل بذور التناقض فى شخصيته. بمعنى أنه لم يكن شريرا بالكامل. كانت لديه بعض الأخلاقيات حتى وهو يمارس القتل. هو لا يخون أحدا أبدا. كل ما يملكه هو شجاعته وكلمته. لا يقتل منافسه إلا لو حاول قتله.

تونى كانت داخله نقطة النور التى جعلته يتودد إلى أمه ويحب أخته ويحاول أن يجنبها طريقه المظلم. تونى الذى يحب الأطفال. تونى الذى رفض أن يقتل لاجئا سياسيا لأنه كان يصطحب أطفاله معه، وكلفه ذلك الرفض حياته. هذه خصال خير لا شك فيها، صحيح أنها لا تكفى لمغالبة الشر المهيمن داخله، ولكنها أورثته تعاسة التناقض. تونى انهار، ليس لأن الشر يؤدى إلى الانهيار، ولكن لأنه كان يحمل داخله بذور انقسامه. أصحاب القصد الموحد، أخيارا كانوا أم أشرارا، سعداء منسجمون مع ذواتهم. أما الممزق داخله، المنقسم فى ذاته، الذين أشار القرآن الكريم إلى تعاستهم «مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء». وقال عز من قائل «كَالَّذِى اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِى الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا». فليته كان من أصحاب القصد الموحد، ولو فى الشر، بل هو المعذب بين الشياطين وأصحابه الأخيار.

مات تونى لأنه أراد أن يموت. الشر ليس لعبة يلهو بها الأطفال. الشر سلاح خطر، وعليك أن تفكر ألف مرة قبل أن تطلق العنان لشرك وتشهره على الناس. ربما يكون الطيب داخلك، دون أن تدرى، فيدور صراع مميت بين الطيب والشرير داخلك، كما حدث مع تونى. وقتها لا تلومن إلا نفسك.
[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية