x

محمد محمود فواتير المؤتمر الاقتصادي محمد محمود السبت 14-03-2015 22:58


أثارت أرقام الاستثمارات التي أعلنت الحكومة جذبها بعشرات المليارات خلال المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ، موجة تفاؤل بانتعاش اقتصادي ينهي التعثر الذي تعانيه مصر في السنوات الأربع الماضية.

وعزز هذا التفاؤل أن إخراج المؤتمر وتنظيمه بدا جيداً، كما أن مستوى المشاركة شكّل رسالة دعم سياسي دولي للنظام، إضافة إلى الأهمية السياسية الرمزية للوعود الرسمية بحزم مالية من السعودية والإمارات والكويت، لا سيما أنها تأتي كرسالة لطمأنة مخاوف القاهرة من تغير سياسات الرياض تجاهها أخيراً.

غير أن هذا الدعم ليس مجانياً، وهناك فواتير سيتعين على مصر تسديدها، لذلك يبدو التفاؤل برخاء تجلبه وعود الاستثمارات المتواترة من شرم الشيخ سابقاً لأوانه، خصوصاً أن هناك مؤشرات ترجح تحميل عموم المصريين كلفة هذه الفواتير.

أول هذه المؤشرات يتعلق بنموذج التنمية الاقتصادية الذي تخدمه الاستثمارات الموعودة. وهذا يمكن استشفافه من طبيعة المشاريع المطروحة على المؤتمر وتلك التي حصلت على الحصة الأكبر من وعود الاستثمارات. فطبقاً لما أعلنته الحكومة، بلغت حصيلة وعود الاستثمارات والاتفاقات في المؤتمر147 مليار دولار، استحوذت على ثلثيها ثلاثة مشاريع عقارية فقط هي العاصمة الجديدة (45 مليار دولار) و«جنوب مارينا» (24 مليار دولار) و«واحة أكتوبر» (20 مليار دولار).

وبصرف النظر عن جدوى مشروع العاصمة الجديدة الذي أسند بالأمر المباشر إلى شركة أجنبية ولم يطرح على نقاش عام رغم أهميته وتكلفته الكبيرة، لا يحتاج المرء إلى كثير من المعرفة الاقتصادية ليدرك حجم الإضافة التي يقدمها بناء منتجع سياحي آخر في الساحل الشمالي أو «كومباوند» جديد على أطراف القاهرة «يضم ملاعب جولف وواحة ترفيهية»، بحسب وزير الإسكان!

وحتى قطاع الكهرباء الذي كان ثاني أكثر القطاعات جذباً لوعود الاستثمار في المؤتمر، فيرجح فتحه أمام الاستثمار الأجنبي الإسراع بالتوجه إلى خصخصة خدماته الذي لم تخفه الحكومة، ما يعني رفع أسعار الكهرباء وبالتالي تحميل عموم المصريين فاتورة أرباح القادمين الجدد إلى السوق.

أما ثاني المؤشرات فهو الانحيازات الواضحة الذي تبنته حزمة قوانين أصدرها الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل المؤتمر، تحت عنوان تحفيز الاستثمار.

بدأت هذه التشريعات بقانون أتاح تخصيص الأراضي بالأمر المباشر نهاية العام الماضي، ثم قانون الاستثمار الذي منح المستثمرين حصانة قضائية غير مسبوقة وفتح باباً للفساد بإعطاء رئيس الوزراء سلطة منح «حوافز» وإعفاءات تقديرية، وصولاً إلى قانون الإرهاب الذي تبدو الصياغة الفضفاضة لبعض مواده سيفاً مشهراً على رقبة العمال والكيانات النقابية لمصلحة رجال الأعمال.

لكن يبدو أن هذه «التسهيلات» لم تكن مرضية بما يكفي لجمهورها الذي يريد المزيد. وكان لافتاً حديث أمير الكويت في كلمته أمام المؤتمر الاقتصادي عن حاجة مصر إلى «تطوير التشريعات المشجعة للاستثمار الأجنبي وتحسين بيئة الأعمال والانفتاح الاقتصادي بشكل أكبر». وقبل ذلك تبرم مجلس الأعمال السعودي- المصري من القيود التي فرضها البنك المركزي على تحويل أرباح المستثمرين الأجانب إلى الخارج بسبب أزمة الدولار.

ويوضح توزيع عقود المشاريع العقارية الثلاثة الكبرى بالأمر المباشر على شركتين إماراتيتين وثالثة سعودية، أن النظام منح معاملة تفضيلية للمستثمرين من حلفائه السياسيين، ما يضر بقواعد التنافسية والشفافية المفترضة في أي نظام اقتصادي ناجح بصرف النظر عن انحيازاته.

في هذا الإطار، تبدو السياسات المعلنة في المؤتمر، والقوانين التي سبقت انعقاده، امتداداً لمشروع الليبرالية الجديدة الذي أطلقه جمال مبارك وفريقه. وهذا النموذج الذي يركز على أرقام النمو دون غيرها لا يخدم سوى قلة، وإن حسنت النوايا. فحتى في لحظة «انتصاره» في سنوات مبارك الأخيرة بمعدلات نمو قاربت 8 في المائة تحمل عموم المصريين فواتيرها، ما كرّس فجوة العدالة الاجتماعية ومهد للانفجار الكبير.

تويتر: @mohamedhani

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية