x

جمال أبو الحسن حوار مع صديقى الطيب حول داعش وإيران جمال أبو الحسن الأحد 08-03-2015 20:58


تساءل صديقى الطيب فى دهشة: ولكن كيف يُمكن أن تصمد داعش فى مواجهة حشد من ستين دولة تقودهم القوة العظمى فى عالم اليوم؟

قلت: هذه العصابة هى أغنى جيش إرهابى فى التاريخ. هى تُسيطر اليوم على منطقة يقطنها ستة ملايين إنسان. لا ينبغى الاستهانة بقدرتها على الصمود. إنها لا تُمارس «إرهاب الضعفاء»- مثل القاعدة- ولكن ما يُشبه الحُكم بالإرهاب. الأخطر أن داعش فكرة قبل أن تكون منظمة إجرامية. هى فكرة جاذبة لآلاف من الشباب المسلم باتساع العالم. قد يكون باستطاعتك قتل الآلاف من داعش، ولكن كيف تقتل فكرة؟

قال: يُمكن أن نعمل على نشر الفكر المعتدل لمواجهة التفسيرات المتطرفة للدين..

قُلتُ: انشر الاعتدال ما شئت، ولكن السيف أصدق أنباء من الكتب. أكثر ما يهزم فكرة دموية كهذه هو دحر أنصارها. داعش- فى هذه المرحلة- هى مشكلة عسكرية تستدعى حلاً عسكرياً. لا شىء يقنع الشباب المُسلم بانحراف داعش أبلغ من مشهد سحقها سحقاً واستئصال شأفتها. استمرارها، حتى ولو بصورة محدودة، هو أعظم دعاية للفكرة.

قال: ما فهمته هو أن الضربات الجوية نجحت فى وقف تقدم داعش خلال الأشهر الماضية، كما تمكنت البيشمركة الكُردية من دحرهم فى كوبانى. لماذا لا يتم الاستمرار فى هذا الطريق حتى يُقطع دابر هؤلاء المجرمين؟

قلت: صحيح أن الضربات الجوية (80% منها أمريكية بالمناسبة) أوقفت تقدمهم، لكنها لم تقتلعهم من المدن التى تحصنوا بها، وذابوا بين سكانها. لا يُمكن أن تفعل ذلك من الجو. لابد أن تنزل بقوات تقاتل من شارع لشارع ومن بيت لبيت على الأرض، فى الموصل والأنبار وغيرها. من أين تأتى هذه القوات؟

قال: من الجيش العراقى والبيشمركة الكردية.

قُلت: ولكن الجيش العراقى- الذى صُرف عليه ما يقرب من 25 بليون دولار خلال السنوات الماضية- فرّ تاركاً وراءه أسلحته فى أول اختبار حقيقى فى الموصل. إعادة بناء هذا الجيش وتدريبه عملية تحتاج وقتاً طويلاً. الوقت ليس فى صفنا. أما البيشمركة، فلن يكون بمقدورها إنجاز المهمة بمفردها.

قال: لا يبقى أمامنا سوى الميليشيات الشيعية.. أليست هذه الميليشيات هى التى تقوم بعملية تحرير تكريت من داعش هذه الأيام؟

قلت: بلى. هذه الميليشيات، التى تُسمى الحشد الشعبى، هى القوة الحقيقية على الأرض الآن فى العراق. ولكنها ميليشيات تابعة لإيران يُحركها الجنرال قاسم سليمانى. هو لا يخفى ذلك، بل تُلتقط له الصور من الخطوط الأمامية. طهران تقول إنه لولا تدخلها لكانت بغداد قد سقطت منذ زمن طويل. الحقيقة أن سياسات قاسم سليمانى نفسه هى التى أنتجت داعش. هذه العصابة من شذاذ الآفاق والمهووسين ما كانت لتلقى أى مساندة فى الوسط السُنى لولا طائفية المالكى الفجة. هذا الأخير- كما تبين- لم يكن أكثر من مخلب قط لسليمانى، الحاكم الحقيقى فى بغداد.

قال: فى هذه الحالة لابد أن نطبق الحكمة الشهيرة: عدو عدوى هو صديقى. لا أرى مفراً من التعاون مع الإيرانيين لصد داعش. ألم يتحالف الإنجليز مع ستالين لدحر هتلر؟

قُلت: ولكن يا عزيزى اسمح لى: هذه استراتيجية قصيرة النظر. هب أن العصابات الداعشية قد طُردت من الموصل، من سيسيطر على الأرض هناك لضمان عدم عودتهم من جديد؟ مواجهة هذا النوع من العصابات الإرهابية لا تتطلب فقط هزيمتهم، ولكن تحصين المدن وحمايتها وإعادة بنائها. هم كالفئران يفرون إلى الجحور، ثم يعاودون التسلل. من سيقوم بذلك العمل؟ الميليشيات الشيعية التى تتلقى أوامرها من طهران؟!.. لا يعنى ذلك سوى التسليم بضياع العراق كُلياً. لا ينبغى التفكير فقط فى هزيمة داعش، ولكن أيضاً فى «اليوم التالى» لهزيمتها.

قال: أراك تتشكك كثيراً فى نوايا إيران، بينما الولايات المتحدة على وشك التوصل إلى اتفاق يُنهى مشكلتها النووية. ألا يُمكن أن يُمهد هذه الاتفاق إلى تغيير فى السلوك الإيرانى؟

قلت: الحق أن الاتفاق النووى المُرتقب يفاقم هواجسى. قد يكون الاتفاق مُقدمة لتكريس إيران كدولة «عتبة نووية»، أى أن تحتفظ بالقدرة على إنتاج القنبلة فى الوقت الذى تختاره. وزير الخارجية الأمريكى قال إن إيران لديها بالفعل المعرفة النووية، وإنه لا يُمكن قصف هذه المعرفة بالقنابل. معنى ذلك أن الولايات المتحدة لا ترى أى سبيل للتعامل مع معضلة إيران غير التفاوض معها لوضع بعض القيود على برنامجها النووى. هذه القيود قد تُبطئ من طموحات إيران بعض الوقت، ولكنها تكفل لها خيار التحول إلى دولة نووية إذا- ومتى- ما أرادت ذلك فى المستقبل.

قال: عجيب أمرك!.. معنى كلامك أن نتنياهو على حق فيما طرحه أمام الكونجرس؟!!

قلت: حتى الساعة المعطلة تشير إلى الوقت الصحيح مرتين فى اليوم.

قال: ما العمل إذن فى كل هذه اللخبطة؟

فكرتُ ملياً ثم قلتُ بتسليم: لا أدرى!

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية