سُجنت امرأة شابة تُدعى دلال فى تكريت، شمال بغداد بالعراق، وبعثت بخطاب إلى شقيقها تستنجد به، واعترفت له بحملها بعد تعرضها للاغتصاب من قبل حرّاس السجن.. وبالفعل، طلب الشقيق زيارتها، ثم دخل إلى الزنزانة وأخرج مسدساً وأطلق عيارًا ناريًا صوبها، فأرداها قتيلة.. القصة الواقعية تعود إلى عام 2009، وتندرج تحت مسمى جرائم «غسل العار» التى تشهدها الدول التى تعانى من وطأة الحروب المزمنة، وما يترتب على ذلك من انتهاكات جسيمة بحق المرأة.
وعادةً ما يتم تقدير تأثير الصراعات بحساب الخسائر البشرية، والتى يشكل الرجال والفتيان غالبيتها فى معظم الأحيان، لكن النساء أيضًا يأتين فى مقدمة ضحايا تلك الصراعات. فحتى إن استطاعت المرأة النجاة من القتال، قد تواجه مخاطر الاعتداء أو التعذيب أو السجن، أو تضطر إلى النزوح لتعيش فى ظروف تفتقر إلى سبل البقاء والعيش.
وتفيد إحصائيات نشرتها «هيئة الأمم المتحدة للمرأة» مؤخرًا، بأن 80% من عدد اللاجئين والنازحين فى العالم، الذى يتعدى 42 مليون شخص، هم من النساء والأطفال، كما أشارت البيانات إلى أنه من بين 80 مليون شخص حول العالم تم اعتبارهم فى حاجة إلى المساعدات الإنسانية فى 2014، وُجد أن 75% منهم من النساء والأطفال.
ومن إجمالى ما يقرب من 8.4 مليار دولار تم تخصيصها لتمويل المساعدات الإنسانية فى 2012، ذهبت 3% فقط من الأموال (257 مليون دولار)، لبرامج تركز على المساواة بين الجنسين.
وبالرغم من أن النساء لا يشاركن عادةً فى الحروب، إلا أنهن يتعرضن للعنف بأنواعه المختلفة فقط بسبب جنسهن، إذ يتعرضن للاتجار بهن وإجبارهن على ممارسة الدعارة، كما يخضعن للتعذيب والخطف وغيرها من الانتهاكات.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة أيضًا إلى أن عدد الأسر التى تعولها نساء يزداد أثناء وبعد الصراع، وهو ما يقدر بـ40% من الأسر، وغالبًا ما تكون هذه الأسر الأكثر فقرًا. وفى هذا الصدد، أشارت «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» إلى أن أسرة من كل 3 أسر للاجئين السوريين فى الخارج تعولها امرأة، وفى مالى تعول النساء أكثر من 50% من الأسر النازحة.
وللصراعات أثرها السلبى أيضًا على المشاركة السياسية للمرأة، ففى مناطق النزاع، تقل حصة النساء من المقاعد البرلمانية بـ4 نقاط عن المتوسط العالمى، الذى يبلغ 22%، ولا يشغلن سوى 13% من المناصب الوزارية. ويرتفع احتمال تعرض النساء لخطر الترهيب والمضايقات أثناء الانتخابات فى الدول الهشة والتى تمر بمراحل انتقالية بـ4 أضعاف عن بالرجل.
ومن الأهداف الاستراتيجية التى وردت فى مجال النزاعات المسلحة فى «إعلان بكين» لعام 1995، زيادة مشاركة المرأة فى حل النزاعات وصنع القرارات، ولكن عندما تبدأ مرحلة الجلوس إلى مائدة مفاوضات السلام على أرض الواقع، يتم تجاهل المرأة بشكل كبير. فمن إجمالى 585 اتفاقية سلام أبرمت فى الفترة من 1990 إلى 2010، احتوت 92 اتفاقية فقط على إفادات تخص النساء. وفى 2013، تضمنت أكثر من نصف اتفاقيات السلام الموقعة خلال العام موضوعات عن المرأة والسلام والأمن، وفقًا لإحصاءات أممية.
ومن 1992 إلى 2011، بلغت حصة النساء من إجمالى الموقعين على اتفاقيات السلام أقل من 4%، فيما بلغت نسبتهن أقل من 10% من المفاوضين على طاولات السلام.
ويبقى مستوى حماية ودعم النساء اللائى يتعرضن للعنف خلال النزاعات وبعدها ضعيفًا، حيث لاتزال تمارس انتهاكات بشعة بحق المرأة، وأحدثها تجنيدها فى تنظيمات متطرفة مثل «داعش»، واستخدامها كدروع بشرية أو كرهائن على غرار الممارسات التى ترتكبها جماعة «بوكو حرام» النيجيرية، فضلًا عن تعرض النساء للاغتصاب فى الحرب بدعوى «جهاد النكاح».
ويشكل قرار مجلس الأمن، رقم 1325 الصادر عام 2000 بشأن «المرأة والأمن والسلام»، نقطة تحول حاسمة فى تناول الأمن الإنسانى للمرأة خلال وبعد النزاعات المسلحة، حيث دعا المجتمع الدولى إلى اتخاذ مزيد من التدابير لتحسين مشاركة المرأة فى كافة مستويات صنع القرار وفى منع الصراعات وحلها وفى بناء وحفظ السلام وتعزيز الحماية القانونية لضحايا النزاعات المسلحة.