قامت الكنيسة الإنجيلية بتسليم ملاحظتها على مشروع قانون الأحوال الشخصية إلى وزارة العدالة الانتقالية، وفى تصريح للقس صفوت البياضى رئيس الطائفة الإنجيلية لـ«المصرى اليوم» قال إن الطائفة اتفقت مع الكنائس الأخرى على رفض مواد الزواج المدنى، مشيرا إلى أن مشروع القانون الموحد لجميع الطوائف المسيحية لن يتضمن نصا لكل كنيسة. لكنه أضاف أن الكنيسة لم تكن تتدخل فى الزواج والطلاق حتى القرن الثانى عشر، والأهم أنه قد صرح بأن الأقباط يتم تطبيق قوانين الدول الأجنبية عليهم فى الزواج والطلاق وليس قوانين الكنيسة.. وتصريح رئيس الطائفة الإنجيلية يعكس موقف الكنيسة الإنجيلية من مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية كما يعكس الضغوط التى تعرضت لها الكنيسة الإنجيلية، حيث إنها هى التى اقترحت فى الأساس إقرار الزواج المدنى فى مقترحاتها لمشروع القانون الجديد، من منطلق رؤيتها لضرورة وجود مخرج قانونى للمشكلة، حيث قال القس رفعت فكرى «إنه فى مشروع القانون الذى وضعته الطوائف الثلاث منذ أربع سنوات تقدمت الكنيسة الإنجيلية باقتراح أنه يجوز أن يتزوج الزوجان مدنيا»، من منطلق رؤيتها لما يتم تطبيقه فى الدول الأجنبية من قوانين مدنية على الأقباط، لكن الكنيسة الإنجيلية اصطدمت بإصرار الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية على عدم إقرار الزواج المدنى. وأوضح القس رفعت فكرى المشكلة من الزواج المدنى لدى الكنائس الأخرى فى قوله «أنا مؤسسة دينية فكيف أضع فى مشروع القانون بندا مدنيا». وفى تصريح له قال المستشار منصف سليمان، عضو المجلس الملى للكنيسة الأرثوذكسية «إن الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية سوف ترفضان الزواج المدنى لأنه ضد العقيدة وبالتالى ضد الدستور»، وكان المطروح إما أن تخضع الكنيسة الإنجيلية لرؤية الكنيستين ويتم الحفاظ على وحدة الكنائس الثلاث وإما أن تصر على وجهة نظرها وتطلب بابا خاصا بها فى القانون الموحد. وبتصريحات القس صفوت البياضى يتضح أن الخيار الأول هو الذى انتصر.. وفى تصريحه قال القس البياضى إن المشروع الجديد سيحل مشاكل عشرات الآلاف من الأقباط ممن يعانون من مشكلة الحصول على تصريح بالزواج الثانى، وهو ما يطرح تساؤلا حول هل يحل القانون مشكلة الأقباط الذين لديهم مشاكل فى الطلاق والحصول على تصريح بالزواج الثانى أم أنه يفك الاشتباك ما بين الكنيسة والدولة بينما تظل مشاكل الراغبين فى الطلاق والزواج الثانى على ما هى عليه؟
ما الحل؟ وهل الحل فى إجبار الكنيسة على أن تغير قناعتها بالنص الدينى؟.. يقول الأستاذ الدكتور «سمير تناغو» الأستاذ بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية والمتخصص فى قوانين الأحوال الشخصية لغير المسلمين، حيث صدرت له فى ذلك كتابات كثيرة ما بين كتب ومقالات: «نصوص الإنجيل لا تطبق نفسها بنفسها بل يقوم البشر بمحاولة فهمها وتفسيرها وتطبيقها بمجهود عقلى، وهو مجهود يستحق الاحترام والتقدير لكنه مجهود بشرى فى آخر الأمر فقول السيد المسيح فى إنجيل متى (من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزنى ومن تزوج مطلقة يجعلها تزنى) يحتاج مثل غيره من النصوص إلى محاولة الفهم والتفسير، وبالرغم من أن النص يبيح الطلاق فى ظاهره لسبب الزنا إلا أن المذهب الكاثوليكى لم يأخذ بهذا المعنى الظاهر للنص ورفض وقوع الطلاق لأى سبب بما فى ذلك الزنا وأجاز فقط الانفصال الجسمانى مع بقاء الزواج قائما، وقد أخذ فى ذلك الموقف بقول آخر للسيد المسيح وهو (ما جمعه الله لا يفرقه إنسان).. تغليب نص على نص آخر هو اجتهاد بشرى عملا بقاعدة التفسير المعروفة وهى أن النصوص يفسر بعضها بعضا والمذهب القبطى الأرثوذكسى فى مصر أجاز الطلاق لعلة الزنا لكنه أدخل تفرقة لم يرد ذكرها فى النص وهى التفرقة بين الزوج الظالم المذنب والزوج المظلوم المجنى عليه، ورغم أن النص عام فى أن من يتزوج مطلقة يزنى إلا أن الكنيسة تسمح بزواج المطلقة والمطلق إذا كان هو الطرف المظلوم ولا تسمح بزواج الطرف المذنب رجلا كان أو امرأة... قول السيد المسيح جاء لتقييد الطلاق بالإرادة المنفردة حسب شريعة موسى وألا يقع الطلاق إلا لسبب قوى وواضح كالزنا».
يبقى السؤال إذا ما كان التفسير للنص هو عملا بشريا فهل يمكن إجبار الكنيسة على تغيير قناعتها؟ وماذا إذا اصطدمت هذه القناعة بالقانون ومن يطبقه ممثلا فى القضاء؟ يقول الدكتور سمير تناغو «ظل الخلاف ما بين الدولة ممثلة فى محكمة النقض والكنيسة هادئا طوال عقود سابقة إلى أن صدر حكم المحكمة الإدارية العليا الذى ألزم الكنيسة باستخراج تصريح زواج للمسيحى المطلق لكن حكم المحكمة لا يؤدى إلى إبرام عقد زواج دينى أمام الكنيسة لكنه فقط يلزم الكنيسة بمنح تصريح زواج لكنه لا يستطيع أن يجبرها على إتمام الطقس الدينى وهو إكليل الزواج»
إذا كانت أحكام المحاكم تبقى عاجزة عن الحل فما هو الحل؟ هل الحل فى الزواج المدنى على ألا يتضمن فى مشروع القانون الذى تقدمت به الكنائس، فهناك إحراج أن يقال إن الكنائس قد وافقت على إقرار الزواج المدنى؟.. وهنا يبقى الحل فى يد الدولة فهذا دورها.. وهنا يكون السؤال هل المادة الثالثة من الدستور تمنع الدولة من التدخل فى التشريع للمسيحيين فيما يخص أحوالهم الشخصية؟
الدولة لا تستطيع أن تتخلى عن مسؤوليتها فى مواجهة مواطنيها المسيحيين الذين يرغبون فى الزواج وترفض الكنيسة تزويجهم.. وهنا يصبح الحل فى الزواج المدنى، ويؤكد الدكتور سمير تناغو «أن الدولة لا تستطيع أن تسير ضد التطور التشريعى الذى حدث فى كل الدول المسيحية فى العالم والذى وصلت فيه ألمانيا إلى آخر الشوط عندما أصدرت المحكمة الألمانية الفيدرالية العليا حكما تاريخيا فى 11 أكتوبر 2006 قررت فيه أن أحكام الشريعة الكاثوليكية التى لا تجيز الطلاق تخالف النظام العام فى ألمانيا وقالت المحكمة الألمانية الفيدرالية فى هذا الحكم التاريخى إن الزواج علاقة إنسانية لا يجوز إجبار أى زوج على الاستمرار فيها إذا فقد الزواج معناه».
المشكلة هنا ليست فقط اختلاف درجة التطور الحضارى لكن أيضا كون أن المجتمع الألمانى وقضاءه وحكومته لا يصطدم بالأزمات الطائفية وتداعياتها على تدخل الدولة- التى هى فى مراحل كثيرة تتأرجح ما بين الدولة الدينية والدولة المدنية- فى مثل هذا الملف، ولكنه يصطدم أيضا بدرجة موافقة الأقباط أنفسهم على مثل هذا التدخل لنفس السبب حتى لدى بعض هؤلاء الذين يعانون من موقف الكنيسة تجاههم، سواء فى الحصول على الطلاق أو الحصول على تصريح بالزواج الثانى، والذين يرى بعضهم أنه يجب على الكنيسة أن تغير قناعتها، ويقبلون الزواج المدنى على مضض بينما لا يأتى الحل إلا بفك الاشتباك بين ما هو مدنى وما هو دينى.
هاجمت «حركة شباب كريستيان» للأقباط الأرثوذكس ما وصفته بتصريحات «زاخر» التى «تهدف إلى زحف العلمانية» على حد قولهم، وهى هنا تقصد تصريحات المفكر «كمال زاخر» التى تطالب بالزواج المدنى وكأنما هى المرة الأولى التى تتم الدعوة فيها إلى إقرار الزواج المدنى فى مصر، بينما يقول الأستاذ الدكتور هشام على صادق أستاذ القانون بجامعة الإسكندرية إنه «بعد تفجر الخلاف بين القضاء المصرى والكنيسة القبطية الأرثوذكسية للمرة الثانية خلال سنتين بعد صدور الحكم الثانى للمحكمة الإدارية العليا الذى يلزم الكنيسة بتزويج المسيحى الحاصل على حكم طلاق، والذى عقب عليه البابا شنودة فى ذلك الوقت بقوله إن الحكم غير ملزم للكنيسة، وهو ما اضطر أكبر متخصص فى الجامعات المصرية فى شؤون الأحوال الشخصية للمصريين من غير المسلمين، وهو الأستاذ الدكتور سمير تناغو، إلى كتابة رأيه فى جريدة الأهرام منوها إلى أن هذا الخلاف قد وصل إلى حد لا يمكن السكوت عليه وأنه على المشرع أن يتدخل لحل المشكلة حتى لا تتفاقم الأمور أكثر، مقترحا إقرار الدولة مشروع قانون سبق أن أعدته لجنة مشكلة من أكبر أساتذة القانون فى الجامعات المصرية، وكان لى شرف عضويتها، كانت قد انتهت إلى عدة مقترحات كان من بينها إتاحة الفرصة للمسيحى المطلق الذى ترفض الكنيسة عقد زواج دينى له أن يعقد زواجا مدنيا إن أراد وفقا للشروط والإجراءات التى يحددها وزير العدل، ويخضع هذا الزواج فى آثاره وانحلاله للشرائع المسيحية، وذلك من منطلق حق الدولة فى التنظيم التشريعى الوضعى لزواج مواطنيها بصرف النظر عن ديانتهم، كما أن هذا المشروع قد تضمن تعديل المادة 3 من القانون رقم 1 لسنة 2000 التى تقضى بتطبيق الشريعة الإسلامية على المسيحيين فى حالة اختلاف الملة أو الطائفة، وهو ما يخالف قصد المشرع والمبادئ القانونية السليمة، ولهذا اقترحت اللجنة فى حالة اختلاف الطائفة أو الملة أن تطبق فى شأن انقضاء الزواج شريعة الزوج عند الطلاق. لقد حاول القضاء المصرى تقديم الحل فى المشكلة المزمنة للأحوال الشخصية للأقباط إلا أن الحل القضائى رأينا صعوبات تنفيذه، خاصة فى ظل ردود أفعال تقوم على المشاعر الدينية وهو ما نال من هيبة الدولة فى وقت يستحيل فيه الإصلاح إلا بتدخلها الفاعل الذى يجب أن يقوم على حكمتها لتصحيح سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان التى هى المصادر الحقيقية لقوة الدولة المدنية الحديثة».