x

الفلاحون: إنتاجية فدان القطن انخفضت لـ5 قناطير.. وتعهدات المسؤولين «في الهوا»

الجمعة 07-11-2014 19:26 | كتب: ريهام العراقي |
مشاكل القطن في مصر مشاكل القطن في مصر تصوير : محمد السعيد

فى طريقه اليومى إلى الفدان الذى يستأجره من صاحبه بعشرة آلاف جنيه فى العام، كانت أفكار كثيرة تتقافز فى ذهن «محمد الشرقاوى»، تلك الأفكار التى كانت تراوده يوميًا طوال مارس الماضى بينما ينثر بذور القطن، زواج الابنة وكسوة الأبناء، مصاريف عام كامل قادم، تنتظر جميعها بيع المحصول فى نوفمبر.

يوميًا كان محمد الشرقاوى يرتدى جلبابه الأبيض ويُحكم ربط كوفية من الصوف تغطى رأسه وعنقه، يسير مسافة 4 كم على طريق ترابى على يمينه ترعة غطتها نباتات ورد النيل، بينما تمتد الأراضى الزراعية الخضراء بمساحاتها الشاسعة على يساره. يصل الرجل الخمسينى بعد سيره الطويل لأرض لا تتخطى مساحتها فدانا واحدا، استأجرها من صاحبها مقابل 10 آلاف جنيه فى العام، يربط الشرقاوى حماره فى عامود خشبى ثم يحمل «قفة» ثقيلة احتضنها طوال الطريق.

ثمانية أشهر كاملة اعتنى فيها الشرقاوى بمحصول قطنه، فهناك على بعد 8 كم من مركز صان الحجر بالشرقية قضى ساعات يومه داخل أرضه بعيداً عن أسرته أملا فى تسويق محصوله بـ1400 جنيه للقنطار الواحد مثل العام الماضى، آملاً فى أن يعينه ثمن القطن على زواج ابنته وكسوة أبنائه فى الشتاء، وسداد مديوناته لبنك الائتمان الزراعى. إلا أنه فوجئ هذا العام بانحدار ثمن قنطار القطن ليصل إلى 940 جنيها التى لن تسد مصاريف عمال جنى المحصول على حد قوله، فلم يصدق حاله ورفض بيع ثمن تعبه فى زراعة المحصول بهذا الثمن البخس فخرج ليلا وقام بحرق محصوله أمام عينيه ليتحول الذهب الأبيض إلى رماد أسود.

ارتفاع تكاليف زراعة القطن وقلة الإنتاج وسوء التوزيع كانت أسباب كافية أمام الفلاح المصرى للهروب من زراعة القطن والاتجاه إلى زراعة الكانتالوب واللب بديلا عنه، فتقلصت مساحة القطن المزروعة منه فى مصر هذا العام بنسبة 10% عن الأعوام الماضية، وهو ما يراه خبراء البحوث الزراعية بأنه بداية لخروج القطن من قائمة الحاصلات الزراعية المساهمة فى الاقتصاد القومى.

انحناءة ظهره وتجاعيد وجهه والشيب فى شعره لم تمنعه من البحث عن عمل يجلب له بضعة جنيهات، حتى وإن تطلب ذلك منه الوقوف على قدميه الحافيتين لساعات طويلة، لتطبع أشعة الشمس الحارقة لونها على وجهه.

«تحول عيد جنى القطن للفلاح إلى مأتم».. بهذه الكلمات وصف محمد عبدالعزيز، أحد الفلاحين حال الفلاح فى موسم حصاد القمح وقال: «بعدما كان ينتظر الفلاح موسم حصاد القطن من العام للعام لسد مديوناته من زراعته، أصبح مديونا للبنك الزراعى لأن فدان القطن الواحد يتكلف 5 آلاف جنيه مصروفات لزراعته التى تبدأ فى مارس وتستمر حتى نوفمبر، وتتضمن تكاليف الأسمدة والتقاوى وحرث الأرض وعمالة أنفار زرع وجنى القطن».

لا يقتصر جنى محصول القطن على الرجال فقط بل تشاركهم النساء، فخلف أشجار القطن وقفت أم محمد السيدة الأربعينية تجنى القطن من ثماره، حرصت على ارتداء طاقية أعلى رأسها تقيها من أشعة الشمس و«جوارب» ابنها المهلهلة تغطى يديها لحمايتها من جروح جذوع شجر القطن الحادة. ثلاثون عاما قضتها أم محمد فى هذا العمل ورثته عن عائلتها، تكتم شكواها من آلام ظهرها، ولكنها تحلم بمستقبل أفضل لأبنائها بعيدا عن هذه المهنة الشاقة».

قرار وزيرى الزراعة والتجارة بوقف استيراد الأقطان بصفة مؤقتة لحين التعاقد على كامل الأقطان المصرية للموسم الزراعى الحالى، لم يكن حلا مرضيا للفلاحين الذين وصفه بعضهم «كلام فى الهواء». وقال عبدالهادى محمود أحد الفلاحين: «لا نسمع من الحكومة سوى وعود فى الهوا، فطالما سمعنا وعودها بدعم الفلاح ولا نجد دعما واحدا لنا بل نضطر إلى شراء الأسمدة والكيماوى من السوق السوداء».

يضطر عبدالرحمن لترك حقيبته المدرسية فى البيت يوم الخميس ليبدأ عمله الموسمى فى جنى القطن لثلاثة أيام أسبوعيًا، ويتجه من قريته «أبوالروس» إلى الحقل ليشتغل أجيرا فى جمع القطن مقابل يومية 20 جنيها مقابل سبع ساعات عمل يومية بلا انقطاع. وجهه الشاحب وملابسه الرثة وقدماه الحافيتان ويداه الصغيرتان الخشنتان تحكى قصة سنوات عمره القصيرة، فهو يضطر إلى العمل لمساعدة أسرته، ورغم ذلك يتمسك بحلمه باستكمال تعليمه فى المدرسة».

وكشف أبوعلاء، أحد الفلاحين، أسباب قلة إنتاجية الأرض من القطن للفدان الواحد لتصل إلى 5 قناطير بدلا من 10 وقال: «فساد المبيدات والتقاوى وغياب الحملات التموينية على تجار المبيدات وعدم عقد دورات الإرشاد الزراعى للفلاحين، وخلط أصناف التقاوى بالجمعيات الزراعية، واستخدام مياه الصرف الصحى فى الزراعة تسببت فى انتشار القوارض وضعف جودة التربة».

قبل حلول المساء ينزل أبوعلاء إلى قرية أبوالروس، التابعة لمركز أولاد صقر، يمر على عدد من أهالى القرية، نساء ورجالا، للاتفاق معهم على جمع القطن بعد صلاة الفجر، إلا أن ارتفاع أجرة عمال جمع القطن التى تصل إلى أربعين جنيها للعامل فى اليوم الواحد دفعته للنزول مع العمال إلى الأرض وجمع القطن مغالبا سنوات عمره الستين بمساعدة زوجته المصابة بالسكر، فلم يعد مستأجر الأرض يختلف كثيرا عن العامل البسيط».

طوال العشرين عاما الماضية كان يزرع محمد رأفت القطن فى أفدنته الثلاثة، كان يكتفى بربحه القليل مقابل عدم التفريط فى أرض والده التى ورثها عن جده. حتى جاء محصول العام الماضى وأصيب القطن بدودة اللوز الشوكية ودودة القطن، ولم يرض التجار بشراء المحصول منه فتراكمت الديون عليه وهدده بنك التنمية والائتمان الزراعى بالحبس إذا لم يدفع ديونه، فاضطر رأفت إلى بيع جزء من أرضه وقرر عدم زراعة القطن مرة أخرى وقال: «رفع يد الحكومة عن الفلاح كانت السبب وراء حبس العشرات من الفلاحين، فالقطن المصرى تدهور بعدما امتنع البنك الزراعى والجمعيات الزراعية عن شرائه، وأصبحت رقبة الفلاح فى يد التاجر الذى يتحكم وحده فى تحديد سعر القنطار». وطالب صالح راضى، أحد الفلاحين، وزير الزراعة بالتصدى للمستوردين الذين يقومون باستيراد القطن الأجنبى الردىء ورخيص الثمن، مما يؤدى إلى وقف حال أقطاننا، كذلك تصدير القطن المصرى عالى الجودة وشراؤه بأضعاف ثمنه فى هيئة ملابس جاهزة».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية