x

منار الشوربجي كيف نواجه الثورة المضادة؟ منار الشوربجي الثلاثاء 17-04-2012 21:01


ثورتنا فى خطر والثورة المضادة لا تكل ولا تمل، ثورتنا العظيمة التى انبهر بها الخلق فى كل مكان وصارت تدرس فى جامعات الدنيا، تواجه منذ فترة حملة منظمة لإجهاضها لم تتكشف كل أبعادها بعد. وأخشى ما أخشاه أن يؤدى القرار المبدئى الذى صدر عن اللجنة العليا للانتخابات باستبعاد عمر سليمان إلى انصراف القوى السياسية لإعادة إنتاج صراعاتها من جديد، باعتبار أن الخطر قد زال، فترشيح عمر سليمان ومن قبله أحمد شفيق من تجليات الخطر الذى تواجهه الثورة، لا جوهر الخطر ذاته، فترشيحات الرئاسة مجرد أداة من أدوات الثورة المضادة ومحاولاتها التى لن تنتهى. وانقسام القوى السياسية على نفسها وتراكم أخطائها مسؤولان عن تسلل الثورة المضادة حتى صارت تعلن عن نفسها بكل صراحة وصفاقة، ومن هنا فإن كل أطراف اللعبة السياسية، من المجلس العسكرى لجميع القوى السياسية، صارت إزاء اختبار حقيقى فى هذه المرحلة.

فالاختبار الأهم على الإطلاق للمجلس العسكرى هو دوره فى هذه اللحظة تحديدا تجاه الثورة وأعدائها، وليس مقبولا على الإطلاق أن يقف المجلس موقف «الحياد»، فالحياد فى مثل هذه اللحظات الحرجة هو فى الحقيقة انحياز ضد الثورة وليس معها. ولا توجد ثورة فى العالم تقبل من السلطة التى تولت الحكم بموجبها أن تكون محايدة بينها وبين من ثارت عليهم، ومن غير المقبول أن يوصف من ثار عليهم الشعب بأنهم «لاعبون» مثل غيرهم من اللاعبين، كما قال اللواء «بدين».

وإذا كان مطلوبا من المجلس العسكرى إعلان موقف لا لبس فيه، فإن المسؤولية الكبرى تقع على القوى السياسية وإن بدرجات مختلفة، فالمسؤولية الكبرى تقع بالضرورة على الأغلبية. وعلى جماعة الإخوان أن تدرك مسؤوليتها عن إحكام الخناق حول الثورة فى الشهور الأخيرة، فمنذ فترة ليست بالقصيرة، انفصلت الجماعة عن باقى قوى الثورة، واختارت أن تعمل وحدها، ثم ما إن فازت بأكثرية مقاعد البرلمان وشكلت الأغلبية مع حزب النور حتى راحت رموزها تكيل الاتهامات لشبابنا الثائر، فإذا بها اتهامات شبيهة بتلك التى وجهها رجال مبارك لهؤلاء الشباب فى الأيام الأولى للثورة.

ثم دخلنا مرحلة جديدة راحت فيها رموز إخوانية تشكك فى شرعية الميدان وتزعم أن الشرعية صارت للبرلمان وحده. كل تلك المواقف رغم أنها كانت موجهة للقوى الأخرى، على أساس الاستقطاب الأيديولوجى القائم إلا أنها كانت تطعن الثورة فى مقتل. ومما زاد من خطورة الموقف أن تزامن هذا كله مع خطوات متلاحقة أثارت قلق قطاعات واسعة من المصريين بمن فى ذلك بعض من أعطوا أصواتهم للإخوان، وذلك حين اتضح أنهم يديرون الأمور بمنطق الهيمنة فى لحظة تاريخية لا تحتمل ضيق الأفق، فتشكيل الهيئة التأسيسية المعيب ثم تقديم مرشحَين للرئاسة أدى لتعميق فجوة الثقة مع التيارات الأخرى، فوصل الصراع لذروته.

وفى ظل هذه الأجواء وحدها، كان بإمكان أحمد شفيق ثم عمر سليمان الترشح، وفى ظل هذه الأجواء وحدها صار من الممكن اللعب على أوتار الانقسامات الأيديولوجية والطائفية لدعم فرص سليمان. والحقيقة أن من وجدوا فى اللجوء لعمر سليمان خلاصا من الإخوان هم أنفسهم الذين لم يكونوا يوما مع الثورة، ولكنهم اضطروا لتبديل جلودهم حين نجحت، وما إن لاحت فرصة لإعادة إنتاج النظام الذى استفادوا منه حتى أعلنوا تفضيلهم لنظام مبارك بحجة الخوف من الإسلاميين، ولأن جماعة الإخوان هى التى أعطت الفرصة لاستخدام تلك الذريعة، فعليها أن تتحمل مسؤوليتها فى تفكيكها، وهو ما لا يتأتى إلا بالتراجع فورا عن منهج غطرسة القوة، الذى جعلها كالفيل الضخم الذى يدخل متجرا للزجاج فيحطمه تحطيما.

والتراجع لابد أن يتم فى المرحلة الأولى عبر أمور ثلاثة، أولها إجراء حوار وطنى جامع لا يستثنى أحدا من القوى السياسية، ليس فقط للتوافق حول معايير اختيار الهيئة التأسيسية وإنما حول مضمون الدستور، ومبادرة «البلتاجى» تمثل خطوة إيجابية فى الطريق الصحيح، وثانيها سحب مرشحَى الجماعة لمنصب الرئاسة بدلا من الطعن على قرار استبعاد الشاطر، وثالثها التراجع العلنى عن إهانة شباب الثورة. فلا يجوز أن تزعم بالأمس أنه لا شرعية للميدان ثم تعود اليوم لذلك الميدان بمفردك وتعتبر أن مجرد نزولك هو الشرعية ذاتها.

ورغم أن القوى والتيارات السياسية الأخرى أخطأت هى الأخرى فى حق هذا الوطن، حين حاولت تحقيق ما تريد من أعلى، مرة من خلال وثيقة الأزهر، ومرة عبر وثيقة «السلمى»، ومرات عبر اللجوء للمجلس العسكرى، كان آخرها مطالبته بحل البرلمان، إلا أن الخطأ الأكبر يظل من نصيب الأغلبية كونها صاحبة السلطة. ومن ثم لا بد أن تأتى الخطوة الأولى من الأغلبية بطرفيها عبر مواقف متتالية ملموسة لرأب الصدع العميق الذى ولده سلوكها لدى القوى السياسية المختلفة والجرح الغائر الذى سببته لشباب الثورة. لكن لأن مصر فى لحظة بالغة الحساسية، فإن القوى والتيارات السياسية مطالبة- إذا ما قدم الإخوان الخطوة الأولى نحوهم- أن يستجيبوا ويقدموا هم الآخرون خطوة مماثلة، فهذا ليس وقت تصفية الحسابات.

باختصار، لا يوجد سبيل لحماية الثورة غير الوقوف صفا واحدا، فحين توحدت القوى السياسية فى الثمانية عشر يوما لم ينجح أحد فى الداخل ولا فى الخارج بالمناسبة فى الوقوف فى وجه الثورة. هى فعلا لحظة اختبار عسير للجميع، أتمنى ألا تكون نتيجته «لم ينجح أحد».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية