قد يكفي كلية الإعلام بجامعة القاهرة فخرًا تخرج دفعة 1986، التي تعتبر «استثنائية» و«ذهبية» بكل المعايير، فتحولت أسماء شابة ربما لا يعرفها، آنذاك، سوى أساتذتهم، إلى رموز معروفة لدى الكثيرين مثل يسري فودة، عمرو أديب، ياسر رزق، مجدي الجلاد، وجميلة إسماعيل، وغيرهم ممن يتصدرون المشهد على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد والمجلات وميكروفونات الإذاعة.
«هي دفعة محظوظة، فقد بدأ معظمنا طريقه في العمل الصحفي والإعلامي في عامنا الثاني في الكلية، لكننا تعبنا كثيرًا لنصل إلى ما نحن عليه الآن، بقدر ما نجحنا بقدر ما تعبنا».. بهذه الكلمات وصف أحد أبناء دفعة كلية الإعلام بجامعة القاهرة لعام 1986 ونائب رئيس تحرير «المصري اليوم»، عبد الحكيم الأسواني، دفعته.
النجاح، الذي تحدث عنه «الأسواني»، سار مع أعلام دفعة «إعلام 86»، وتستطيع أن تراه بعينيك على صفحات الجرائد مثل «المصري اليوم»، التي بدأت في مهدها، عام 2004، تحت رئاسة تحرير أنور الهواري، الذي كان من بين هؤلاء الطلاب، والذي نال إشادة على البداية القوية للصحيفة المستقلة.
لكن «الهواري» ترك موقعه بعد عام واحد، ليخلفه على مقعده، زميله وابن دفعته، مجدي الجلاد، الذي بدأ حياته صحفي تحقيقات بصحيفة «الأهرام»، واستمر على رأس «المصري اليوم» حتى عام 2012، ليرأس تحرير صحيفة حديثة الولادة، «الوطن» وتقديم برامج تلفزيونية.
ولم يخرج مقعد رئاسة تحرير الجريدة عن دفعة «إعلام 86»، فتم تعيين ياسر رزق، الذي ترأس قبلها تحرير مجلة «الإذاعة والتليفزيون» وصحيفة «الأخبار». الأمر نفسه حدث مع بعض طالبات تلك الدفعة، فكانت من بينهم نجوى طنطاوي، عضو المجلس الأعلى للصحافة سابقًا، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الأسبوع»، وعادل السنهوري، مدير تحرير جريدة اليوم السابع.
صورة أخرى من النجاح لواحدة من طالبات تلك الدفعة، التي ارتبط اسمها بالعمل السياسي في أذهان الكثيرين، وهي جميلة إسماعيل، التي سلكت طريقها الإعلامي، مقدمة عدة برامج بدأتها في التلفزيون المصري عقب تخرجها.
وارتبط اسمها بطليقها، أيمن نور، رئيس حزب غد الثورة، كما انخرطت في العمل السياسي وترشحت لانتخابات مجلسي الشعب والشورى، إلا أن النجاح لم يحالفها، فعادت لتقديم البرامج، عام 2012، تحت عنوان «إعادة نظر». كما لمع اسم نسائي آخر من نفس الدفعة، وهي دينا عبد الفتاح، التي ترأست تحرير مجلة «أموال الغد»، فضلًا عن خوضها تجربة تقديم البرامج بعنوان «الشعب يريد» على قناة «التحرير» و«سيادة المواطن» على قناة «المحور».
صحيفة أخرى نالت حظها من نجاح أبناء دفعة «إعلام 86»، وهي «الشروق»، فرئيس تحريرها التنفيذي، عماد الدين حسين، كما أن مدير الفني، أحد أبناء تلك الدفعة أيضًا، حسين جبيل.
محمد علي خير، اسم آخر التحق بعالم الصحافة من بوابة «إعلام 86»، فبدأ شابًا في صحيفة «الوفد»، ومنها انتقل للعمل في صحيفة «الرياض» بالسعودية، ثم عاد لمصر ليشارك في تأسيس العديد من الصحف المستقلة، من ضمنها صحيفة «المال»، التي يشغل منصب مستشار عام التحرير فيها حاليًا، كما التحق بالعمل التلفزيوني مؤخرًا مقدمًا العديد من البرامج، التي عادة ما كانت تحمل اسمه.
مجال تقديم البرامج التليفزيونية كان شغف آخرين في دفعة «إعلام 86»، حيث اتجهت له أسماء نالت شهرة واسعة فيما بعد، على رأسهم يسري فودة، الذي بدأ في قناة «الجزيرة»، مقدمًا برنامج التحقيقات الاستقصائية «سري للغاية»، بعد فترة قضاها في هيئة الإذاعة البريطانية، «بي بي سي»، حتى وصل إلى منصب رئيس مكتب الجزيرة في لندن، قبل أن يعود إلى القاهرة للظهور عبر قناة «أون تي في»، التي يقدم من خلالها برنامج «آخر كلام».
كما يظهر عمرو أديب في كل ليلة عبر شبكة قنوات «أوربت» في برنامجه «القاهرة اليوم»، وهو أحد أبناء دفعة «إعلام 86»، فيما ترأس زميله، مجدي لاشين، اتحاد الإذاعة والتلفزيون، بنما وصل زميلهم الثالث، شريف أحمد إلى التلفزيون النمساوي.
أعلام دفعة «إعلام 86» لم يتوقفوا عند الصحف والشاشات، بل امتد صوتهم إلى أثير الإذاعة، فحظت إذاعة البرنامج العام باسم الشاعر سيد حسن، الذي يحتل مقعد كبير المذيعين، كما يحتل نفس المقعد في إذاعة «بي بي سي»، زميله في الكلية، أحمد عبد الرازق.
كما كان الميكروفون هو أداة المعلق علي محمد علي، الذي اتجه للتعليق الرياضي، عبر شاشات الفضائيات، فيما يعلق حاليًا لقناة «بي إن سبورتس».
«هذه الدفعة كانت تحب بعضها جدًا.. وكانت تربطنا علاقات زمالة وصداقة أولاد وبنات»، يقول «الأسواني».
وكان «الجلاد» قد كشف عن بعض المواقف التي حدثت أيام الجامعة بين هذه النخبة، حين حل ضيفًا على برنامج الإعلامية منى الشاذلي، فكانت المفاجأة أن «فودة» كان يكتب شعرًا عاطفيًا يرسله زملائه للبنات، فيما كانت دينا عبد الفتاح هي حلم شباب الدفعة، وهو ما فسره «خير» في البرنامج قائلًا: «كانت غنية وجميلة وكنا نحن من الأقاليم».
كما كشفا أن عمرو أديب لم يتغير كثيرًا منذ الجامعة، فمن وقتها وهو متعصب لنادي الزمالك، كثير إثارة المشكلات بسببه، وهو ما لا يزال يفعله على شاشات التلفزيون، حيث يظهر منفعلًا بشدة كلما خسر ناديه المفضل.
وعن التقارب بين أبناء الدفعة وأسبابه، يحكي نائب رئيس تحرير «المصري اليوم» بعضًا من تلك الكواليس: «كنا في الثمانينات، وكان التيار الديني المتشدد ينتشر في الجامعة، وكان لدينا الدكتورة عواطف عبد الرحمن، التي كانت تصر على تكوين مجموعات بحثية مختلطة من الأولاد والبنات، لمواجهة التيار الديني المتشدد.. كانت سيدة ليبرالية تتنفس حرية، وكنا نعتز بها كثيرًا، وقد تسببت الأجواء، التي خلقتها في تعزيز جو الألفة فيما بيننا نحن أبناء الدفعة».
ورغم المشاغل والأعباء، إلا أنهم لا يزالوا يحرصون على الاجتماع والتواصل، كما يقول «الأسواني»، وقد قامت الدفعة بتدشين صفحة على «فيس بوك»، تحمل اسم «إعلام 86»، يتواصلون عبره ويتبادلون الذكريات والأخبار، «والصفحة هي جهد مشكور لنجوى طنطاوي، التي تلعب دور الأدمن (مسؤولة الصفحة)». أسماء أبناء الدفعة أصحبت ملء السمع والبصر، على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد والمجلات وأثير الإذاعة، فماذا إذا اجتمع كل هؤلاء في مجلة أو صحيفة واحدة؟ هي فكرة تشبه فكرة «الجلاكتيكوس»، التي انتهجها فريق «ريال مدريد» في العقد الأول من الألفية، حين جمع أفضل لاعبي كرة القدم في العالم في فريق واحد، حطم الأرقام القياسية في المبيعات.
الفكرة اقترحها نائب رئيس تحرير «المصري اليوم»، قائلًا: «ليه لأ؟ ده كل واحد لوحده يقود مؤسسة»، متمنيًا إقامة كيان رسمي يجمع أبناء الدفعة، التي ضمت كما يقول العددي من الزملاء من بينهم كاتب الصحفي مجدي شندي، والإعلامي طارق الشامي، والفنان أيمن الشيوي، ليتولى هذا الكيان شؤون أبناء الدفعة وأسرهم، ويقدم نشاطات ثقافية واجتماعية وصحفية.