فى 18 إبريل 1974 شهدت الكلية الفنية العسكرية هجومًا مسلحًا، أسفر عن مقتل 17 وإصابة 65، قاد تنفيذه "صالح سرية" الذي صدر حكمًا بالإعدام ضده فيما بعد، وهو الهجوم الذي تكشف وثائق ويكليكس تقارير السفير الأمريكى بالقاهرة حوله، والتي تتضمن معلومات عن منفذ العملية وتفاصيلها وعلاقة ذلك بجماعة الإخوان المسلمين.
ففى وثيقة بتاريخ 27 إبريل 1974 أرسل السفير الأمريكي رسالة إلى الخارجية الأمريكية وعدد من سفاراتها فى السعودية وليبيا ولبنان، يوضح فيها هوية منفذ التفجير وعلاقته بالإخوان المسلمين بعنوان "الاتصال بين منفذ هجوم الفنية العسكرية وجماعة الإخوان المسلمين".
وفى الوثيقة يوضح السفير لا يوجد سوى تقرير واحد يفيد بأن "صالح سرية" كان عضوًا قديمًا بجماعة الإخوان المسلمين، وعدا ذلك فليس هناك ما يؤكد اتصال تنظيم الإخوان الحالي بالهجوم، ولكنها أشارت إلى بعض الدلائل التي توضح اتصاله بما سمته "التنظيم القديم للإخوان".
حيث لفتت الوثيقة إلى وجود تقارير صحفية تحدثت عن علاقة "سرية" بمرشد الإخوان الراحل "حسن الهضيبي" قبيل وفاته، كما إن الشيخ "محمد الغزالي"، مستشار وزارة الأوقاف، قد تم استبداله بإمام آخر بمسجد عمرو بن العاص حتى تنتهى التحقيقات وتتبين طبيعة موقفه من القضية بعدما ذكر سرية اسمه فى التحقيقات وادعى إنه كان على اتصال به.
وعلقت السفارة على هذه المعلومات بترجيح اتصال سرية بالإخوان قائلة: "إن المعلومات سالفة الذكر هى مثيرة حقا، حيث توحى بأن سرية قد يكون قد لجأ بالفعل إلى مساعدة الإخوان مستندا فى ذلك إلى علاقته بالتنظيم القديم للجماعة".
وقد سبق تلك البرقية مجموعة من المراسلات الممتدة في الفترة من 23 إلى 26 أبريل تتحدث عن التفجير وأسبابه وأهدافه، ففى 23 إبريل 1974، أرسل السفير الأمريكى بالقاهرة برقية إلى الخارجية الأمريكية وسفاراتيها بكل من المملكة العربية السعودية وليبيا، تحمل الرقم 1974CAIRO02521_b ومعنونة بــ "الهجوم على الكلية الفنية العسكرية"، كشف من خلالها عن المعلومات التى قدمها السفير السعودى بالقاهرة "فؤاد نظير" لنظيره الأمريكى، وأخبره فيها عن التفاصيل التى تمكن من الوصول إليها فيما يتعلق بالحادث.
أخبر "نظير" السفارة - وفقما ورد بالوثيقة - "إن الغرض من تنفيذ الهجوم هو السيطرة على أربعين دبابة لاستخدامها فى استهداف عدد من الوزارات المصرية الحساسة، وإجبار السادات على تقديم استقالته"، كما أفادت المعلومات التى قدمها "نظير" بتورط بعض طلبة الكلية الفنية العسكرية فى الحادث، وعن تشكك أجهزة الأمن المصرية فى تورط بعض الضباط المنتمين للكلية أيضا.
كما أوضحت المعلومات التي قدمها السفير السعودي بأن "التحقيقات مع من تم القبض عليهم، أظهرت إنهم إما أصدقاء لطلاب الكلية، أو أبناء لضباط معينين بها، ومن ثم كان لديهم معلومات وافية حول الكلية وما تحتويه من معدات وأجهزة" وبالنسبة لمنفذ التفجير، تنسب الوثيقة لسفير الرياض إنه أفاد بـ"انتماء متزعم التفجير لحزب شيوعى قبل انضمامه إلى جماعات التطرف الدينى، تحديدًا جماعة "السنة المحمدية" التى تأسست كامتداد لجماعة الإخوان المسلمين فى طنطا".
وفى السياق نفسه أضافت الوثيقة إن الحكومة المصرية، وفق المعلومات التى أوردها "نظير"، تتهم القذافى بكونه الفاعل الرئيسي وراء هذا الحادث، مستشهدة في ذلك بزيارة وزير الداخلية الليبى "محمد الحميدى" والتقائه نظيره المصرى "أشرف مروان"، وكذلك بالزيارة المرتقبة التي سيقوم بها قائد القوات الجوية "حسنى مبارك" إلى ليبيا، فى غضون اليومين القادمين.
وعن العلاقات الليبية المصرية أشارت الوثيقة على لسان "نظير" إلى لقاء جمع بين الرئيس السادات و"أبوبكر يونس" أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبية، حيث سلمه السادات ملفا يحتوي 26 صفحة به جميع الأعمال التى ارتكبتها ليبيا ضد مصر منذ حرب أكتوبر، وإنه من المفترض أن يعرض "يونس" الملف على المجلس، حيث هدده السادات إنه فى حال استمرت ليبيا فى أعمال التخريب هذه، فسوف يقوم بنشر الملف.
وتقول الوثيقة إن السفير السعودي ظل يلاحق وزير الداخلية المصري لمعرفة المزيد من التفاصيل، وإنه أخبره إنه في حال عدم توفير المعلومات الكافية عن الحادث فسيعتقد الملك فيصل بأن الأوضاع الأمنية فى مصر غير مستقرة، موصيا الوزير المصري بأن يخرج السادات ويفصح بنفسه فى بيان واضح عن هذه المعلومات.
وأشارت السفارة الأمريكية بالقاهرة فى الوثيقة ذاتها إلى إن ثمة تقارير أخرى، تفيد بأن "حالة التعتيم التى فرضتها الحكومة المصرية على الحادث، ومنعها الصحف من نشر أى تقارير عنه، تسببت فى دفع المصريين إلى الاهتمام ومحاولة استنتاج التفسيرات كل وفق أهواءه، ورغم تشككهم فى تورط أيادى خارجية فى الحادث، إلا إنهم باتوا على يقين بأن الفصل الذى أسقطته الحكومة من الرواية يتعلق بحساسية المتورطين فى الحادث من الداخل، أى من أبناء مصر".
ووسط العديد من التفسيرات المتباينة ذهبت السفارة إلى الاعتقاد باحتمالية أن تكون الحكومة المصرية على علم مسبق بالحادث، مستدلة على ذلك بتكثيف الوجود الأمنى ودوريات الشرطة قبل يوم وقوع التفجير، ولكنها في الوقت ذاته أشارت إلى احتمال آخر قد يبرر حالة الاستعداد المصرية وهو تأمين وجود السادات في مبنى الاتحاد الاشتراكي، ما دفع قوات الأمن للحفاظ على حالة التأهب والترقب والإجراءات المشددة فى محيط الجامعات وبعض السفارات، ومنها السفارة الأمريكية.
وفيما يتعلق بالفاعل، رأت السفارة إن "الحدث قد ألقى الضوء على واحدة أو اثنين من الجماعات الإسلامية التى قد تكون أو لا تكون على علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، والتي يتطابق أهدافها وسياساتها مع أهداف وسياسات الإخوان، فأهدافها سياسية، وتتخذ من العنف وسيلة لبلوغ أهدافها".
وفى يوم 24 إبريل، أرسل السفير الأمريكي برقية أخرى إلى الخارجية بواشنطن تحمل الرقم 1974CAIRO02568_b بعنوان "السنة المحمدية وشباب محمد والإخوان: رؤية سعودية"، يسرد فيها المزيد من التفاصيل عن منفذ الهجوم.
يوضح السفير إنه بعد لقاءه بفؤاد نظير، توجه أحد مسؤولي السفارة إلى السفارة السعودية بالقاهرة، وذلك من أجل الوقوف على ما توصلت إليه حول حادث تفجير الأكاديمية وتفسير السعودية له فى سياق الوضع الداخلى فى مصر، وكذلك علاقة منفذى الهجوم بقوى خارجية مثل ليبيا.
وأشارت الوثيقة إلى ما صرح به مسؤول السفارة السعودية "الفقي" بخصوص جماعة السنة المحمدية، حيث أوضح إن جماعة السنة المحمدية تأسست خلال العقد الثالث من القرن العشرين، وكانت جماعة دينية فى الأصل وبعيدة كل البعد عن المجال السياسى، حيث اهتمت بها السعودية خلال العقد الخامس من القرن نفسه، لما وجدت من تقارب بين أهدافها وفكرها والفكر الوهابى، وأفاد "الفقى" إن تحقيقات النيابة كشفت عن تورط بعض أعضاء الجماعة فى حادث التفجير، ولكنه يعتقد بشكل شخصى إن هؤلاء المتورطين انشقوا عن جمعة أنصار السنة المحمدية، وكونوا جماعة أخرى خاصة بهم أطلقوا عليها اسم "شباب محمد". وعلقت السفارة الأمريكية على ذلك بأن السعودية تفتقر إلى المعلومات الكافية بشأن قضية يفترض أنها موضع اهتمامها.
وأوضح الفقى إن جماعة "شباب محمد" هى جماعة جديدة وإنها هى التى قامت بتنفيذ الهجوم بقيادة زعيمها "صالح سرية" ولازالت حتى الآن تتابع أنشطة الجماعة التى وصل عدد أعضائها إلى 150 عضو، ومقرها الرئيسى "طنطا"، مضيفا إنه على الرغم من تشكك بعض المصريين فى تورط ليبيا والعراق بالحادث، إلا إنه يعتقد إن الاتحاد السوفيتى ليس بعيدا عن الاتهام وإنه شجع العراقيين على تنفيذ الهجوم من أجل زعزعة الاستقرار فى مصر، وبالتالى زعزعة نظام السادات، واستبعد المسؤول السعودي تورط الإخوان المسلمين فى الحادث.
وفى اليوم نفسه، أرسل السفير الأمريكى برقية أخرى سرية للغاية إلى الخارجية الأمريكية وسفاراتها فى لبنان، والسعودية وبيروت تحمل الرقم 1974CAIRO02549_b عنوانها "خطة الأكاديمية ونشاط فدائى محتمل"، شرح فيها السفير ما دار بين أحد مسؤولى سفارته وأحد مسؤولى أجهزة الأمن المصرية، والتي حذر فيها الأخير من احتمالية قيام بعض الفرق "الفدائية" بعملية تستهدف بعض السفارات ومنها السفارة الأمريكية، كامتداد لتفجير الكلية الفنية العسكرية، وإن أجهزة الأمن قامت بتعزيز التواجد الأمنى عند محيط السفارات بمجرد ورود تلك المعلومات إليها.
وتحدث السفير فى رسالته عن الأسئلة التى وجهها مسؤول السفارة وكان أولها ما إذا كانت السفارة الأمريكية هى الهدف الأوحد للهجوم المحتمل أم أن هناك سفارات أخرى مهددة، وكان الرد أن الهجوم المحتمل يستهدف أيضًا السفارة الأمريكية والسعودية وعدد من السفارت الأوروبية، ولكن المسؤوال المصرى رفض الإجابة على الأمريكى حين سأله ما إن كانت السفارة الألمانية والإيطالية مستهدفتان أم أنهما خارج المخطط.
وعن ارتباط العملية الفدائية الجديدة بهجوم الكلية العسكرية، وما إذا كانت ستشكل خطرًا على زيارة وزير الخارجية الأمريكي المرتقبة، أفاد المسؤول الأمني المصري إن تحقيقات النيابة كشفت عن إن الخطة التى وضعها مخططو هجوم الكلية اشتملت فى الجزء الثانى منها على احتجاز رهائن بأى من السفارات الأجنبية بالقاهرة، حتى إذا ما نجحت قوات الأمن المصرية فى القبض على الفريق الأول الذى سيتولى مهمة تفجير الكلية، يقوم الفريق الثاني باستخدام الرهائن المحتجيزن للضغط على الحكومة.
ووصف المسؤول المصرى زعيم التفجير "صالح سرية" بأنه قوي البنية والشخصية، من أصل فلسطينى، ولديه جواز سفر عراقى، وعند سؤاله عن انتماء المتورطين لجماعة الإخوان المسلمين أجاب بأنهم لا ينتمون لهم، ولكنهم ينتمون إلى "اليسار الإسلامى الجديد"، وأنهم مجرد منفذين لا يدركون الهدف الفعلى من وراء التفجير، وكانت الخطة كالتالى: أن يقوم الفريق الأول بالهجوم على الكلية العسكرية، والاستيلاء على الأسلحة اللازمة للهجوم على مقر الاتحاد الاشتراكى العربى أثناء تواجد السادات فيه، على أن يكون الفريق الآخر مستعدًا لاختطاف رهائن أي من السفارات الأجنبية حال تم القبض على منفذى هجوم الكلية. وحول تورط ليبيا فى الحادث أشار المسؤول إن المخطط خارجى وإنه "حتى روسيا قد تكون متورطة فيه".
وفى يوم 26 إبريل، أرسل السفير الأمريكي برقية سرية جديدة تحت الرقم 1974CAIRO02637_b بعنوان "الهجوم على الكلية العسكرية" إلى الخارجية الأمريكية وسفاراتها فى السعودية وليبيا ولبنان، يخبرهم فيها بما نشرته الصحف من اعترافات منفذ الهجوم ومنظميه، بعدما رفعت الحكومة حظر النشر عن الحادث. حيث اعترف منفذ الهجوم "صالح سرية" إن هدفه كان بلوغ الكلية والسيطرة عليها والانتقال منها للهجوم على مقر الاتحاد الاشتراكى أثناء وجود السادات وإجباره على تقديم استقالته، لتأسيس دولة بنظام حكم جديد يقوم على مبادئ العقيدة والوحدة، ولم يتطرق فى اعترافاته الى ليبيا.
بينما اعترف بقية التنظيم إنه تم تجنيدهم من المساجد والجامعات والمدارس الثانوية، ومن هنا حدث الاتصال بين سرية وحسن الهضيبى، زعيم جماعة الإخوان المسلمين الذى وافته المنية منذ بضعة أشهر، وعدد من الإخوان المسلمين لبحث مسألة إقامة دولة إسلامية.