«خطف المجندين الـ7 لن يكون الأخير، وتوقعوا مزيداً من الكوارث»، هذه هى الرسالة التى تأكدت لدينا من خلال رحلة طويلة قضتها «المصرى اليوم» على مدار 3 أسابيع مع سجناء سيناء فى سجون «أبوزعبل وأبوزعبل المشدد وطرة والزقازيق وبرج العرب»، ومع ذويهم، الذين التقت بهم الجريدة لفك شفرة أزمة سيناء، التى تزيد اشتعالاً مع مرور الأيام، وتنذر بانفجار لن يهز الصحراء المجهولة خلف خط قناة السويس، ولكنها يمكن جداً أن تهز القاهرة نفسها.
فى البداية كان الهدف رصد أحوال سجناء سيناء وأوضاعهم داخل السجون، والذين كانوا يريدون التواصل لكشف ما يتعرضون له من تعذيب نفسى وبدنى، حسب قولهم، بالإضافة إلى التمييز والمعاملة غير الآدمية داخل السجون، فضلاً عن عدم الإفراج عمن قضى عقوبته منهم بزعم «التأديب».
اتفق السجناء على أن حادث خطف الجنود «لن يكون الأخير»، وألمح بعضهم إلى إمكانية محاصرة مطار شرم الشيخ والمناطق الحيوية، لأن ذويهم سيواصلون الضغط والتصعيد لإطلاق سراحهم. وقال أحدهم فى حوار مسجل: «ولسه، دا أبسط رد على كذب الرئاسة وعدم تنفيذ وعودها بالإفراج عنا، أو إطلاق سراح المرضى، ومن تخطوا سن السبعين، ومن أمضى نصف عقوبته، مع تحسين أوضاع الباقين منهم داخل السجن».
شهادات السجناء، التى لم تختلف، جميعها دارت حول سوء المعاملة وشعورهم بالتمييز ضدهم بخلاف باقى السجناء من المحافظات الأخرى، وأكدوا أنه «لم يختلف شىء بعد الثورة» وأن «أيام حبيب العادلى كانت أرحم».
كشف أبناء سيناء المحبوسون فى السجون عن الكابوس الذى يعيشونه، وحالات التعذيب الممنهجة، والاضطهاد القاسى الذى يعانون منه دون غيرهم، بالإضافة إلى استغلال مسؤولى السجن لهم مادياً.
تمكنا من خلال أحد السجناء المفرج عنهم، الذى تحتفظ الصحيفة باسمه، من التواصل تليفونياً مع عدد من المحكوم عليهم داخل السجن، منهم سجين فى قضية تسلل عبر الحدود، وبمساعدته تواصلنا مع السجناء وحصلنا على صور لهم داخل الزنازين.
ورصدت «المصرى اليوم» على مدار 3 أسابيع، وفى أكثر من 20 مكالمة، حياة السجناء، وما يتعرضون له يومياً من معاملة قاسية، واستمعنا إلى مطالبهم، قبل أن تشن مصلحة السجون حملة صادرت خلالها جميع وسائل الاتصال، ليتم غلق الوسيلة الوحيدة التى يملكونها للتواصل مع العالم.
وقال السجناء لنا إن أجسادهم تحمل آثار التعذيب الذى يتعرضون له يومياً، وإن عدداً منهم أصيب بأمراض خطيرة بسبب الإهمال المتعمد من قبل مسؤولى السجون، ومستشفى السجن، وإن عملية خطف المجندين كانت وسيلة ذويهم للاحتجاج على ما يتعرضون له، وللضغط لإطلاق سراحهم.
قال السجناء أيضاً إن أحوال السجون لم تتغير بعد الثورة، ومسلسل التعذيب والإهانات متواصل بدرجة أكبر وأقسى مما كان يحدث فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، ووزير داخليته حبيب العادلى، وأضيف إليها رغبة فى الانتقام منهم، وتمييز عرقى تمارسه إدارة السجن ضدهم، لأنهم بدو وليسوا من أبناء الوادى.
وقال «م. أ»، من سجن أبوزعبل أول، إن خطف المجندين رد على وعود الرئاسة الكاذبة، التى لم تتحقق، لذا ماذا الذى تنتظره الدولة من أهالى السجناء وقد يحدث تصعيد آخر، وأكد أن الخاطفين من قبائل مختلفة، وليسوا من قبيلة واحدة، ووصفهم بأنهم «إخوة» اجتمعوا على نصرة الظلم، وأنهم لم يجدوا أى وسيلة أخرى للضغط على الجهات الأمنية سوى إرسال رسالة قوية، تصل إلى الرأى العام، حتى يستجيبوا لمطالب السجناء.
وأكد «ر. م» فى سجن طرة أن السجناء أو أبناء القبائل لم يكونوا يتمنون أن تصل الأمور إلى هذا الحد، لأن المجندين فى النهاية لا ذنب لهم، ولكن السلطات الأمنية، أو باقى مؤسسات الدولة، لم تلتفت إلى السجناء، ولم يفلح تنظيم المظاهرات أو طع الطرق فى دفع الدولة إلى معالجة قضية المعتقلين والسجناء.
وقال «ى. ع»، من سجن أبوزعبل مشدد الحراسة، إنه وزملاءه يعانون بشدة من سوء المعاملة ورداءة الطعام، ونقص الرعاية الصحية، بالإضافة للتمييز العرقى ضدهم لأنهم بدو، ويشكك ضباط وأفراد السجن فى ولاء أبناء سيناء وانتمائهم إلى مصر، ويحاولون بشكل دائم إرغامهم على التجسس على زملائهم من المحافظات الأخرى، بحجة أن البدوى جاسوس.
وقال «ى. س» إن سلطات السجن لو عرفت أنهم تحدثوا إلى وسيلة إعلامية «هنتقتل ومحدش هيعرف عننا حاجة». وأوضح أنه محبوس فى قضية قتل وحيازة أسلحة، ومحكوم عليه بالسجن 35 سنة. وأضاف: «تم تلفيق التهمة لى، عندما كان عمرى17 عاماً، ووقتها لم تجر معى تحقيقات، وكانت الأحكام جاهزة، لأنها هكذا دوماً لأبناء سيناء، والمحامى الخاص بى كان خائفاً، ولم يهتم بإثبات براءتى، رغم أن السلاح الذى تحدثوا عنه لم يكن له وجود».
وتابع: «سلطات السجن تتعامل مع أبناء سيناء وكأنهم من جنس آخر، أو أنهم هنود حمر، ويصفهم الضباط بأنهم يهود سيناء وجواسيس».
وأوضح: «تعرضت لإهانات وضرب شديد، لا تزال آثاره واضحة على جسدى، إذ نظم مأمور سجن طنطا (حفل استقبال) لمجموعة من أبناء سيناء حين تم إرسالهم إلى هناك لقضاء جزء من العقوبة، وأمرنا أن نركع كنوع من الإذلال و(كسر النفس) تبعه سيل من التعذيب والإهانات دون سبب».
وقال: «نعيش فى زنزانة مساحتها 3 أمتار فى 4 على أحسن الأحوال، بها حوالى 18 شخصاً، وبسبب ضيق المكان أصيب عدد كبير من السجناء بمرض الجرب، وممنوع وجود الأقارب مع بعضهم فى زنزانة واحدة».
وتابع: «إذا أصيب أحد سجناء سيناء بمرض فعلاجه الوحيد (حبة المحاياة) وهو برشام براستيمول، الذى يعتبره أطباء السجن علاجاً لجميع الأمراض، حيث لا يفرق بين مريض السكر مثلاً وأى مريض آخر، والطبيب يفحص السجناء الذين يتقدمون بطلب إلى إدارة السجن للعلاج مرة كل أسبوع، وقد أصيب عدد كبير من السجناء بالعمى والشلل، لأنهم لم يحصلوا على العلاج فى الوقت المناسب، وبعض السجناء يطلبون أن يتم علاجهم على نفقتهم الشخصية، والنتيجة واحدة: تأتى الموافقة بعد فوات الأوان».
وحكى سجين آخر من مدينة الشيخ زويد أن هناك مافيا داخل السجن قادرة على توفير أى متطلبات للسجين، خاصة وسائل الاتصال، وهم بالطبع من أفراد الحراسة، حيث يتم توفير تليفون محمول بـ 1200 جنيه، رغم أن ثمنه لا يتجاوز الـ 150 جنيهاً خارج سور السجن، ولتحقيق مزيد من المكاسب يشن أفراد الحراسة حملات تفتيش على الزنازين لمصادرة الممنوعات ومنها التليفونات ليعيدوا بيعها للسجناء.
وأضاف: «لا نحصل على طعام مناسب أو رعاية صحية مناسبة وهناك سجناء تخطوا الستين، وأصيبوا بعاهات مستديمة، وحالات شلل نتيجة الإهمال الطبى».
وقال: «الزنزانة صغيرة الحجم وبها دورة مياه لا يتم فتحها سوى ساعة واحدة فى اليوم، وبذلك لا نرى الشمس، وهو ما أدى إلى تعرض السجناء لأمراض خطيرة أقلها ضعف الإبصار والجرب».
وأكد السجين أن مطالب أبناء سيناء بالسجون تتلخص فى تنفيذ وعد الرئاسة بأنه سيتم الإفراج عمن أمضى فترة العقوبة منهم والمرضى ومن تخطوا سن السبعين. وقال: «الإفراج عن بعض السجناء فى عيد تحرير سيناء كان مجرد مسرحية لأنهم كانوا أمضوا عقوبتهم بالفعل، واحتجازهم كان بدون سبب».
وقال «م. ع»، من سجن طرة، إنه تنقل فى عدة سجون، وإن سجن «برج العرب» يعد من أسوأ السجون التى دخلها فى حياته، وأضاف: فى «الغربينيات» سجن برج العرب بالإسكندرية يترك أحد الضابط الكلاب البوليسية، تهاجم المسجونين الجدد خلال استقبالهم فى الدقائق الأولى لدخولهم السجن ثم يضعهم فى «التأديب»، وهى زنزانة بدون نوافذ ومساحتها متر فى متر واحد، دون سبب.
وأضاف أنه يكفى أن يرى الضابط أن محل الميلاد «شمال سيناء» حتى يعامل السجين وكأنه من كوكب آخر، أما القضايا المتهم فيها أبناء سيناء فملفقة، و«هناك مواد فى قانون العقوبات هى سبب النكبة التى يعيشونها، وطالب أبناء سيناء بتغييرها، لأن أحوال أبناء سيناء لا تزال متدهورة فى عهد مرسى». وتابع: «المعاملة السيئة من قبل سلطات السجن لا تقتصر فقط على السجناء، ولكنها تمتد للأهالى أثناء الزيارات».
وقال «ع. س» إنه تنقل بين أكثر من سجن، منها سجن بورسعيد، الذى دخله فى يوليو 2011 حيث تم تسكين أكثر من 40 شخصاً فى زنزانة لا تتعدى 2: 3 أمتار، وأضاف: «نحن فى النهاية بشر ولنا حقوق فلماذا يعاملوننا بتلك الطريقة؟!».
وتابع: «هناك رغبة دائمة من مسؤولى السجن فى إجبارنا على العمل كجواسيس لصالح سلطات السجن على زملائنا وإفشاء إسرارهم والإبلاغ عنهم.