استقبل الليبيون عام 2013 غارقين في جدل شديد، محوره إقصاء فلول نظام العقيد الراحل معمر القذافي (الطحالب كما يطلق عليهم الليبيون)، من المشاركة في الحياة السياسية بالمستقبل، حفاظاً على مُكتسبات وأهداف الثورة، ولكن تعذر، حتى الآن، الاتفاق على المظلة التي تشمل من سيشملهم القانون والمعايير التي يمكن اعتمادها لتحديد من وإلى النظام السابق، ومن عارضه.
وانطلق قطار العزل السياسي في ليبيا، مع نهاية العام الماضي، بعدما اتسعت رقعة الحراك الشعبي بخروج مظاهرات سلمية لمطالبة المؤتمر الوطني العام، (البرلمان المؤقت)، بضرورة الشروع في سن قانون للعزل بأسرع وقت، ما أدى إلى موافقة المؤتمر المبدئية على سن القانون بأغلبية 125 عضواً، وشكل لجنة لصياغته.
ويتركز الجدل على الفترة الزمنية التي تستوجب العزل، فهناك من أراد أن يشمل العزل كل من كان موالياً للانقلاب، الذي قام به القذافي ضد الملك الراحل إدريس السنوسي، وهناك من اعتبر أن الأمر يقتصر على فترة أقصر.
القانون المقترح يحدد الفئات الممنوعة من ممارسة العمل السياسي والإداري من حيث الحق في الترشح أو التصويت في الانتخابات المقبلة أو تلك الممنوعة من تولي مناصب قيادية أو مسؤوليات وظيفية أو إدارية أو مالية في كل القطاعات الإدارية العامة والشركات أو المؤسسات المدنية والأمنية والعسكرية، وكل الهيئات الاعتبارية المملوكة للمجتمع.
ويحظر مشروع القانون أيضاً تأسيس الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني وعضويتها، وكذلك الاتحادات والروابط والنقابات والنوادي، وما في حكمها لمدة 10 سنوات لكل من تقلد منصبا قياديا خلال الفترة من 1969 حتى 2011. وبحسب تقديرات العديد من المراكز البحثية، فإنه ما عدا المعارضين الذين استطاعوا مغادرة ليبيا خلال حكم القذافي عملت الغالبية العظمى من الليبيين في الوزارات والإدارات والأجهزة الرسمية، لكي يكسبوا قوتهم، وهو ما جعل بعض المحللين يقدرون عدد من سيشملهم قانون العزل بمليون شخص وحذر مركز «بروكنجز» الأمريكي للأبحاث المدافعين عن القانون من توخي الحذر في تطبيقه، قائلاً إن الانقسام المجتمعي، وعدم الاستقرار، وإعادة تجمع الموالين للقذافي كلها قد تشكل عواقب غير مقصودة للقانون.
وأضاف المركز، في دراسة حديثة، أنه يجب عدم تكرار التجربة العراقية الخاصة باجتثاث البعث، التي دمرت إعادة بناء العراق، وأشعلت الطائفية، وتابع: «المسؤولون المستهدفون من قبل القانون هم البيروقراطيون، الذين يتمتعون بخبرات في الحكم، ومعرفة في كيفية إدارة البلاد، بما في ذلك التعليم الحكومي والاقتصاد وإدارة النفط، ومع قلة عدد القضاة، وعمل غالبيتهم تقريباً في عهد القذافي، فإن القانون سيترك ليبيا مع قضاء مشلول، وبنتائج مدمرة على البلاد».
ويرى محللون أن قانون العزل السياسي، الذى يدعمه الإسلاميون، سيشكل الخطر الأكبر في ليبيا ما بعد القذافي، حيث إن التخلص من بقايا النظام السابق يعطي حجة لبعضهم بالتخلص من قيادات حالية في ليبيا، كانت ركنا أساسيا خلال ثورة 17 فبراير، كما يرى زعيم التكتل الليبرالي، أول رئيس وزراء بعد الثورة، محمود جبريل، أن «القانون تم تفصيله للتخلص منه».
ويؤكد المحللون ضرورة تشكيل قانون عدالة انتقالي يستهدف الأفراد، وليس المجتمعات، وهو ما سيجنب ليبيا المزيد من التقسيم، خاصة بعدما اشتدت التجاذبات وحدة النقاش بين أعضاء المؤتمر الوطني في جلساته الأخيرة بين من يضغطون لإقرار قانون العزل ومن يرفضونه، فتأجل التصويت عليه.