منذ صباح السبت، وقفت والدة الشهيد محمد مصطفى، شهيد مجلس الوزراء، بين عشرات الشباب من أعضاء ألتراس أهلاوي، أصدقاء ابنها، أمام بوابات النادي، منتظرين بدء الجلسة. تجمع الكثيرون حولها، قبلوا يديها واحدًا تلو الآخر، وطلبوا منها الدعاء، وهي تنظر لهم من خلف نظاراتها الشمسية بابتسامة مطمئة، وهي تقول: »أنا بشوف محمد فيكم«.
الأم الثكلى، التي اعتادت دومًا مشاركة المجموعة في جميع الفعاليات من وقفات احتجاجية، ومسيرات تطوف شوارع مصر طيلة عام ونصف، أصرت على حضور المحاكمة أمام بوابات النادي، مع أعضاء المجموعة، ليقينها من أن مجزرة بورسعيد لم تحدث إلا للانتقام من ألتراس أهلاوي، الذين كانوا يطالبون بالقصاص من قتلة محمد أثناء اشتباكات مجلس الوزراء، واتهمت قوات المظلات بالقوات المسلحة والأمن المركزي الموجودة بميدان التحرير وقتها بقتله بشكل مباشر، فتم تدبير مجزرة بورسعيد عقابا لهم.
وتقول والدة محمد: »كل ما حدث في مجزرة بورسعيد، والإبادة الجماعية اللي حصلت للأولاد بسبب مطالباتهم المستمرة للقصاص من قتلة محمد«، وتكمل »هم دبروا المكيدة لما الألتراس قال إن الداخلية والجيش تآمروا لقتل محمد«، وهو الدافع وراء مشاركتها المستمرة معهم بجانب أنها تري في أغلب شباب المجموعة محمد، »أي حاجة بيحبها محمد أنا لازم أحبها، ومحمد كان بيحب الألتراس عشان كده لما استشهد أصحابه مسابوهوش«، »إزاي الولاد دي كلها وقفت بكل رجولة عشان محمد وأنا مجيش«.
من خلفها يأتي مسعد، أحد أصدقاء محمد، يحييها ويبتسم لها ويقبل يدها، وهي تعاتبه أثناء تقبيله ليدها لغيابه عنها وعدم الاطمئنان عليها باستمرار، فيلقي اللوم علي أحد أصدقائه في المجموعة عبد الفتاح جار محمد والذي كان يقف بجانبهم، فتمازحهم ويضحكون وتطلب منهم أن يأتوا ليرسموا صور محمد أمام المنزل، ثم تقول له »عبد الفتاح متاخدش منه مواعيد، سيبك منه وتعالى.. البيت مفتوح ليكوا، كلكم ولادي«، فيعدها ويقول مسعد: »هنجيلك يا أمي والله ونرسم صورة محمد«.
وبينما كانت تنتظر والدة محمد في ترقب الحكم المنتظر والذي يعد هو الأهم بالنسبة لها، تقول إن »الحكم اللي فات ولا يعني ليا شيء، رأس الثعبان مازالت موجودة وتحكم، والأمر واللي دبر واللي خطط واللي حبس الأولاد في المدرج عشان يقتلهم لسه متحكمش عليه».
بدأ القاضي تلاوة محضر الجلسة استعدادًا للنطق الحكم، فوقفت الأم بجانب إحدى السيارات التي كان ينطلق منها صوت الراديو، وما إن نطق القاضي الحكم، وانطلقت صيحات أعضاء المجموعة بالتهليل والتكبير وحمد الله، نظرت الأم لهم من خلف نظارتها الشمسية، تأملت الموجودين حولها وجلست على أحد الأرصفة تبكي رافضة التعليق.
على امتداد الرصيف، كان والد محمد أشرف يقف أمام بوابات النادي الأهلي، محاولاً الخروج من البوابات التي أغلقها الأمن ورفض دخول أو خروج أي شخص إليها، مما أثار استياء والد الشهيد، وصاح غاضبًا مهاجما إدارة النادي، ورئيسه حسن حمدي، متهمًا إياهم بالمشاركة في الجريمة.
يقول والد الشهيد: »الحكم إلى حد ما معقول، ونحن سنجلس مع المحامين، دا أول حكم يتحكم في حق الثورة منذ بدايتها، لكن اللي أخد براءة مش هنسيبه، سنجلس مع المحامين ونعيد المحاكمة، وبعد ذلك سنحاسب إدارة النادي الأهلي، وحسن حمدي، الذي كان واجبًا عليه أن يمنعهم. وإذا كانت الدولة تتواطأ مع حسن حمدي فنحن لن نتواطأ معه وسنقتص منه«.
داخل النادي وبعد اقتحام ألتراس أهلاوي للبوابات، وقفت والدة الشهيد محمد علي، أمام صالة الشهداء المغطاة، ممسكة بيديها لافتة كبيرة عليها صورة ابنها، والآية القرآنية: »يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية.. فادخلي في عبادي وادخلي جنتي«، ومن حولها عشرات الشباب الذي يأتون ويذهبون مقبلين صورة محمد، فتقبل رأسهم وتطبطب عليهم بكف يدها.
تقول والدة الشهيد: »أتكلم أقول إيه بس، أنا مش راضية عن الحكم، كان نفسي كل واحد ياخد عقابه بالذات بتوع الشرطة وبتوع الأمن، كان المفروض كلهم يتحكم عليهم، ليه ياخدوا براءة«، الحكم الأول جعلها تترقب صدرو حكم ثان أشد غلظة على المتهمين، »كنت متوقعة إن الحكم يبقى أكبر من كده، خاصة بعد ما حكموا في الأول على 21 واحد بالإعدام لكن هنقول إيه. الحمد الله«.
بجانبها وقف والد الشهيد مهاب صالح ممسكًا في يديه أوراق القضية، وكتب بجانب كل اسم من أسماء الضباط حكمه: »كنت متوقع إن الضباط كلهم ياخدوا علي الأقل مؤبد، لكن كده لما مدير الأمن وعقيد ياخدوا 15 سنة والباقي براءة يبقي ماينفعش، لم يتم الحكم علي مدير الأمن المركزي، ولا مدير المباحث ولا مفتش الأمن العام، ولا مدير الأمن الوطني«.