x

كمال خليل يروي ذكرياته في «حكايات من زمن فات»

السبت 02-03-2013 23:26 | كتب: ميلاد حنا زكي |
تصوير : إيمان هلال

صدر حديثا عن دار نشر «بيت الياسمين» كتاب «حكايات من زمن فات» وهو بمثابة رحلة عمر يرويها الناشط اليساري كمال خليل.

ويلقي «خليل» الضوء على شخصيات وطنية وشعبية وتدلل على تاريخ صاحبها السياسي الحافل وقيادته الحركة الطلابية في السبعينيات، واعتقاله وتأسيس تنظيم 8 يناير.

نشأ «خليل» في حي الدقى، هذا الحي الفقير وقتئذ، وسط عمالقة النضال الذين تعلم منهم وكان منهم الشاعر والمناضل محمد سيف الذي توفى وترك ثلاثة أطفال لا يعرفون ما هو الموت، فالتف شباب الحى وجمعوا قروشهم القليلة واشتروا كفنا رخيصاً للرجل ودفنوه. وقصص الفقر كثيرة فى هذا الكتاب منها حكاية «شلوفة مع المخدة والديك» التي انتشرت في كل حارة بالحي، وهو رجل فقير يعمل «سمكرى لبواجير الجاز» كان يسكن عشة من الصفيح فوق عمارة بالدقي هو وزوجته وأربعة أطفال، ولم يكن يجد عشاءه فى بعض الأيام حتى جاءه على عشته ديك رومي ولم يتردد على الفور وذبحه وأطعم أطفاله، وبعد أربعة أيام وجد موظفاً يسأل عن الديك فى المقهى المجاور للحي الذى يسكن فيه، فلم يصمت «شلوفة» بل وخزه ضميره واعترف بأنه أكل الديك هو وأولاده ثم أعطاه «مخدة» وقال له «دى يابيه من حقك´ولما سأله عن علاقة المخدة بالديك الرومى، رد «شلوفة»: «دى ريش الديك عملت منه المخدة دهية عشان أنام عليها أنا أو أولادى» وضحك الجميع وكانت هذه القصة نموذجاً لكوميديا الأحياء المتجاورة والمتناقضة، كوميديا تجار البؤس والثراء.

وعن تراجيديا البؤس قال «خليل» فى مذكراته: الحواري والأزقة بالحي كانت بلا صرف صحي وكانت السيدات وبنات الحي يحملن فوق رؤوسهن براميل من الصفيح لنقلها لمسافات طويلة لإلقائها في بلاعات خارج الحي، وكان يكلف هذا في بعض الأحيان حياة أطفال مثل ابن عم معوض الذي سقط في إحدى البيارات وأصبح يملأ الخوف عيون الأمهات من المصير الذي ينتظر أطفالهن.

وينوه «خليل» بفضل بعض الشخصيات الذين أثروا في تكوينه ومنهم الدكتور محمد أنيس، أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، الوفدي القديم، الذي كان له دور في تثقيف الحي ونضج العملية الثورية، وشقيقه محمد خليل، مرشح العمال في برلمان 76، 1979، فضل أيضا ترك تعليمه ونزل سوق العمل لإعالة الأسرة مع أخوة الأكبر، وله الفضل أيضا في دفع كثير من شباب الحي إلى العمل السياسي، واعتقل عام 1975 كما وقفت أمامه السلطة لتحول دون وصوله للبرلمان في1976 .

كما كان لمعسكر الحوامدية الذى ضم حوالى 70 شابا سنة 1967 دور فى حياة «خليل»، فهناك كان التثقيف السياسى وتلقى خطب الثورة من أخيه «محمد» والدكتور «أنيس» وبعد هذا المعسكر انضم الشباب إلى منظمة الشباب الاشتراكي، ومنها انطلق «خليل» إلى بحر السياسة وقاد مظاهرات عديدة ثم أنشأ مجلة الحائط التي علقت في حي الدقي وكانت سياسية تنشر مشاكل الحي حتى ذاع صيتها وجاء البوليس السياسي ومزقها واعتقل محمد خليل سنة 1971، وفي هذا الوقت لم يكن بيد كمال خليل، الطالب الجامعي آنذاك، إلا المظاهرات والاعتصامات بالجامعة، حيث شارك في اعتصام جامعة القاهرة يوم 17 يناير 1972 لمدة سبعة أيام هزت مصر كلها وكانت مطالبهم تخص جميع المواطنين عن حالة اللاسلم واللاحرب وحرية الصحافة والإفراج عن المعتقلين، وقد خدعتهم الحكومة، بعد لقاء مع أعضاء مجلس الشعب، حين وعدتهم بالاستجابة لمطالبهم، وبعد اللقاء فض الأمن المركزي الاعتصام بالقوى واعتقل عدداً كبيراً من الطلبة.

ووصف «خليل»عام 1973 بعام التحالف والتنسيق المباشر بين مباحث أمن الدولة والتيار الاسلامى لاستئصال مجلات الحائط التى كانت قد انتشرت فى الجامعة أيضا، وتفريغ حلقات النقاش من الطلاب، حيث كان الأمن المركزى خارج الجامعة مسلحاً بالخوذات والعصى والقنابل المسيلة للدموع، وكان التيار الإسلامى داخل الجامعة مسلحاً بالمطاوى والجنازير.

وشارك «خليل» في مظاهرات يناير 1973 التى أغلقت فيها الجامعة وتعرض «خليل» للضرب وسجن سبعة شهور واثنين وعشرين يوما في سجن القناطر، وخلال فترة السجن لم يصمت ولكنه كان يعقد ندوات ثورية ويخطط من داخل السجن لنشر العمل الثوري، وكان معرض الثورة من ضمن خططه، وكان مقررا له أن يعقد خارج السجن، وقدم خليل رسومات تعبيرية على الفانلات الداخلية أو التيشرتات، وكل «فانلة» تحتوى على كاريكاتير أو رسمة تعبيرية أو شعار للحركة الطلابية، حيث رسم قبضة يد تخرج من شباك زنزانة وكتب تحتها «النصر للحركة الطلابية، الإفراج عن طلاب المعتقلين» ووقع بأقلام الفلوماستر أسماء المعتقلين السبعين من الطلاب، وأسفل كل التوقيعات كتب بالخط العريض «الطلاب الوطنيون بسجن القناطر»، كما كتب مقالات متنوعة عن جرائم التعذيب من الكرابيج والعصي التي يحملها السجانة لضرب المساجين الطلبة، ووصلت الرسالة عبر المعرض للعالم كله، وجن جنون ممدوح سالم، وزير الداخلية آنذاك، وقال «بقى أنا ساجن الطلبة علشان ما يعملوش مجلات حائط يقوموا يعملوا مجلات حائط جوة السجن ويهربوها برة السجن يبقى أيه فايدة السجن؟».

وخلال هذه الفترة كان الصوت الأعلى للطلاب، ثم جاءت الفترة من يناير 1975 حتى انتفاضة يناير 1977، كان الصوت الأعلى للعمال فى إضراباتهم وحركاتهم المتتالية ومعهم صوت الطلاب الذى شاركهم كمال خليل، وامتلأت السجون بالعمال وكان يقبض عليهم بطريقة غريبة: يجهز الأمن بعض الميكروباصات فى بعض الميادين وينادون على الركاب، الشرابية أو شبرا أو السيدة أو الزاوية الحمرا .. إلخ، وحينما يكتمل الميكروباص يقوده السائق إلى السجن، واعتقل «خليل» مرة أخرى وخرج من المعتقل فى منتصف شهر سبتمبر 1977 بعد ثمانية شهور من القبض عليه، بحكم للقاضى حكيم منير صليب الذى قام بتبرئة الجميع فى حكم تاريخى رائع رفضه أنور السادات.

وانتقل «خليل» إلى مكان آخر بمنطقة كفر طهرمس بالجيزة وسط الزراعات، وهناك عمل على بناء منظمة 8 يناير خلال الفترة 1977 حتى عام 1983. كان يعمل فى صمت وينظم اجتماعات سرية وأسس مواقع تنظيمية واستخدم ماكينات الطباعة السرية التى كانت توزع منشوراتها فى الجامعات من خلال تنظيمات أخرى تابعة له، ووصل عدد أول منشور وزع بالجامعة إلى 300 نسخة، وأثناء عودة السادات بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع كارتر وبيجن، قامت منظمة 8 يناير بقيادة كمال خليل بتوزيع منشورات وصل عددها إلى أكثر من 20 ألف نسخة فى جميع محافظات مصر، وهنا تعرضت المنظمة لضربة فى منطقتين وقبض على 50 عضواً خرجوا بعد 5 شهور.

ومع أوائل الثمانينيات نقل «خليل» سكنه إلى مدينة بنها لكى تبنى المنظمة خلاياها هناك فى القرى، إلا أن المنظمة حلت عام 1983 بعد تبادل الاتهامات بالعمالة والخيانة، واعترف «خليل» فى مذكراته بأنه كان قد اتهم وقتها من وصفهم فيما بعد بالشرفاء.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية