استقال من منصبه احتجاجاً على «الإعلان الدستورى» المكمل الصادر فى نوفمبر الماضى، الذى أثار موجة من الرفض فى المجتمع كبيرة، وأدى إلى حالة من الاستقطاب السياسى تعانى منها البلاد حتى الآن، ما يؤكد أن النظام الحالى يعمل من خلال منظومة أطلق عليها «القبة الحديدية» تستهدف إصدار قرارات واتخاذ إجراءات استبدادية تعوق عملية التحول الديمقراطى.
يرى أن ما يحدث حالياً فى مصر هو استيلاء على الدولة أطلق عليه «شرعية الإكراه»، يؤدى إلى تقسيم مصر تقسيماً ناعماً لنوعين إسلامية وغير إسلامية.
إنه سمير مرقس، مساعد رئيس الجمهورية السابق، الذى أجرينا معه هذا الحوار:
■ لماذا رفضت الاستمرار فى منصبك كمساعد للرئيس؟
- لأن الإعلان الدستورى الصادر فى 21 نوفمبر الماضى يعكس حالة استبدادية وخللاً فى التوازن بين السلطات.
■ ما رأيك فى قانون حماية الثورة؟
- قانون حماية الثورة فى ظنى سيترتب عليه أجهزة قضائية موازية للجهاز القضائى المصرى، وتضاف إلى ذلك قضية «التحصين» تحصين القرارات والمؤسسات، وبالنسبة لمجلس الشعب كان مطعونا فى شرعيته، وكانت هناك دعوى مرفوعة أمام المحكمة الدستورية. إضافة إلى أن تمرير «الدستور» بالصورة التى رأيناها يعكس فى النهاية مجموعة من الإجراءات والقرارات التى تميل إلى الاستبداد وسميتها «القبة الحديدية» مانعة ومعيقة للتحول الديمقراطى.
■ هل توقعت أن يكون لهذه القرارات رد فعل سلبى؟
- بالفعل أدت إلى تقسيم مصر إلى فئتين، وبالتالى جملة المسألة هنا كما لو كنت تمرر دستوراً سميته منذ وقت مبكر دستور «الغلبة» وهذه الإجراءات تؤدى إلى ما يمكن تسميته «شرعية الإكراه» التى تؤدى إلى الاستيلاء على الدولة المصرية بشكل يؤدى إلى تقسيم مصر تقسيما ناعما بمعنى إسلاميين ولا إسلاميين، كما رأينا فى الفترة الأخيرة.
■ هل هذا لم يكن واضحا قبل استقالتك؟
- على الإطلاق بل بالعكس نحن كنا كفريق عمل نسير فى اتجاه الحوار الوطنى، وبالفعل كانت هناك مجموعة لقاءات مع رموز العمل السياسى فى مصر أمثال حمدين صباحى والبرادعى وشخصيات كثيرة ومجموعات شبابية مختلفة، وكانت تسيرهذه المجموعات فى اتجاه «ما العمل؟» وكيف يمكن أن يحدث نوع من التواصل بين القوى الوطنية لتجاوز المرحلة الراهنة من مشاكل ونقاش حول الدستور، والمسائل الإجرائية المختلفة وحول خارطة الطريق الخاصة بالتحول الديمقراطى، ولكن حقيقة جاءت هذه القرارات فى طريق آخر مناقض تماما لمسار الحوار الذى كان يتم، وأنا بشكل شخصى بحكم الملف الذى كنت مسؤولا عنه كنا نبنى نوعاً من أنواع التراكم المعرفى فيما يتعلق بمعرفة بعض الخبرات الدولية فى موضوع التحول الديمقراطى، وكيفية الاستفادة منها، خاصة الحالتين الإسبانية والألمانية على سبيل المثال، والكل كان لديه الرغبة فى التعاون مع مصر، خاصة أن فى الخارج لا يفصلون بين التحول الديمقراطى والدعم الاقتصادى، وبالتالى كان من الممكن فتح آفاق كبيرة فى دعم مصر من حيث التحول الديمقراطى من جانب، والدعم الاقتصادى من جانب آخر، وكنا نسير فى هذا الطريق وكتبنا بعضاً منه فى «المصرى اليوم».
وكنت أتمنى أن تنجح هذه التجربة عمليا وموضوعيا، وتنقل مصر نقلة موضوعية بدلا من أن يستأثر الرئيس بالقرارات، لأنه كان هناك فريق عمل متنوع ومن تيارات مختلفة.
■ هل انضمامك لجبهة الإنقاذ كان رد فعل لاستقالتك؟
- أولا دعنا نأخذ فى الاعتبار أن هناك أحداثاً وقعت بين استقالتى وتشكيل جبهة الإنقاذ، وهى أحداث «الاتحادية» التى سفكت فيها دماء، وهو ما توقعناه فكرة تقسيم مصر.
ومنذ بداية تشكيل الجمعية التأسيسية على أساس تمثل فيه كل التيارات ولا تقسم على أساس «الغلبة» السياسية فى البرلمان حدث أن تم اتخاذ عدة قرارات وإجراءات قسمت مصر إلى فريقين، وبالتالى كان لابد من وجود نوع من أنواع التكاتف، الذى يؤكد فكرة التحول الديمقراطى، ويؤكد فكرة أن هناك مشكلة فى شرعية تمرير الدستور بهذا الشكل، مشكلة فى شرعية القرارات والإجراءات التى يتم اتخاذها، ومن هنا جاءت فكرة التحالف الوطنى الواسع، وأنا مع التحالفات الوطنية الواسعة بحكم تركيبتى، لأننا الآن لسنا فى معركة سياسية، بل نحن فى معركة تتعلق بسلامة الوطن.
■ على ذكر سلامة الوطن.. هل تعتقد أن جبهة الإنقاذ ستكون متوترة؟
- للأسف لا أعتقد ذلك، خاصة أنها سارت فى طريق الانتخابات، والإجراءات الانتخابية وقانون الانتخابات، وإن كنت أتمنى حقيقة أن يكون هناك تكتل وطنى واسع، يضم إسلاميين، لأن منهم من عارض الإعلان الدستورى فى نوفمبر الماضى، وهذه نقطة لابد من التنبيه لها، والفخ الذى يتم الترويج له أن القضية قضية إسلاميين وعلمانيين، ولكن الحقيقة أننا أمام دولة حديثة يتم التعامل معها بشكل تشكيكى، إضافة إلى فكرة ضرب السلطة القضائية، أحد مقومات الدولة الحديثة فى مصر إضافة إلى أنه، ومهما كانت أخطاء المرحلة الانتقالية من المجلس العسكرى، فالجيش المصرى هو جيش وطنى، لأنه يمثل مصر من مسلمين ومسيحيين وأغنياء وفقراء، وهذه المقومات التى قامت عليها الدولة الحديثة، وإذا بدأت التعامل مع تفكيك السلطة القضائية وغيرها فكيف تحكم؟، وكيف ستأتى بأجهزة موازية؟، وهذه هى الإشكالية.
■ ما تعليقك على إنشاء نيابة حماية الثورة؟
- يعتبر جهازاً موازياً، وأنا قمت بالتحذير منه وكتبته نصا فى استقالتى: «إن هذا جهاز مواز للسلطة القضائية الحالية وللنظام القانونى الحالى، وأيضا بعض النصوص الدستورية يؤدى إلى ضرب البنية القانونية المصرية الحالية».
■ ماذا يعنى من وجهة نظرك إلغاء الإعلان الدستورى والإبقاء على آثاره؟
- يعنى أنه لم يكن هناك نوع من الاستجابة لمطالب الناس التى سفكت دماؤهم فى «الاتحادية»، فهناك مشكلة مع الدستور، ومشكلة أيضا مع الإجراءات القانونية التى تم اتخاذها، ولكن تم امتصاص الغضب واستمرت الامور عادية.
■ ما تأثير هذه الإجراءات على وضع مصر الدولى؟
- من الناحية الإقليمية أعتقد أن مصر أصبحت مباحة للتقاسم، إذا جاز التعبير، وهذا أمر خطير يجب الانتباه إليه، مع احترامى للمشاعر العروبية، ولكن مصر لأول مرة فى الدولة الحديثة يتم تقاسمها بهذا الشكل، والأمر الثانى يبدو لى أن هناك مشروعاً إقليمياً أيضا، وحاولت التلميح لذلك بشكل أو بآخر، والسؤال هنا: هل هناك علاقة لتوقيع الهدنة فى غزة بالإجراءات التى تم اتخاذها، لأن الهدنة تمت فى 20 نوفمبر، واليوم التالى كان إعلان هذه الإجراءات، وبالتالى فإن البعد الدولى كان يتمنى لمصر الاستقرار والتحول الديمقراطى، ولكن أتصور عندما يتم الانتباه لمضمون ومحتوى ما جرى أعتقد أنه سيكون هناك مواقف مختلفة من قبل الجانب الأوروبى.
■ قلت فى تصريحات إن قانون حماية الثورة الذى أعلن عنه فى الإعلان الدستورى الملغى أخطر من قانون الطوارئ القديم .. لماذا؟
- بعد المراجعة الدقيقة للنصوص القانونية التى تحتويه وجدت أنها تؤدى إلى نوع من التقييد الشديد، وبالصدفة بمجرد إعلان الدستور وتسلم مجلس الشورى مهمة تشريع أول قانون تم تفجير البالونة الخاصة وهى قانون التظاهر، الذى يعتبر «بالونة اختبار».
■ هل تعتقد أنهم سيعيدون الكرة مرة أخرى؟
- أخشى هذا، لأن ثورة 25 يناير جاءت لمواجهة الاستبداد السياسى والقيود وأسقطت حاكماً، فلا يعقل أن أول إجراء يتم تشريعه فى ضوء الدستور الجديد هو تقييد حركة المواطنين، فإسقاط حاكم فى تاريخ مصر الحديث يساوى حرية الحركة للمحكومين، يعنى أقيد الناس بهذا الشكل وتقول حماية ثورة، فهذه مسألة تحتاج للمراجعة.
■ ما توقعاتك للايام المقبلة؟
- أتوقع أن ثورة 25 يناير قادمة قادمة لا محالة، حيث ستكون هناك موجة ثانية من التذمر المصرى، وإن 25 يناير الأولى كانت ثورة ناعمة أو حراكا ناعما فى إطار ما هو قائم، بمعنى أن الطبقة الوسطى قامت واحتجت، وثارت لعمل بعض الإجراءات الإصلاحية، أما 25 يناير المقبلة فنتيجة استمرار السياسات الاقتصادية نفسها وارتفاع الأسعار، والتدهور الاقتصادى، الذى يعتبر خليطاً بين النظام الحالى والنظام السابق، ستؤدى إلى ثورة خشنة، ربما تكون فيها دماء، لأنها تتجاوز تغييراً فى إطار ما هو قائم إلى تغيير ما هو قائم، وهذا هو الفرق النوعى لأن الناس لن تتحمل الانتظار مرة أخرى للإصلاح على طريقة «طب استنوا لما نصلح» سننتقل إلى تغيير ذرى.
■ فى تصريح للدكتور محمد مرسى، قال «انتظروا عشر سنوات وستكون هناك نتائج»، وهذا يعنى أن هناك مدتين أولى وثانية رئاسية، وأن الإصلاح سيحدث فى منتصف المدة الثالثة؟ ما رأيك؟
- لا أظن أن الأجيال المقبلة لديها الاستعداد للانتظار مثلما انتظرنا نحن، وباقى أجيالنا.
■ هل هناك الآن صراع بين سلطات الدولة الثلاث الرئيسية؟
- بالطبع، وواضحة تماما لأى شخص متعلم ومثقف، أى أن أى شخص يستطيع أن يدرك أن هناك نوعا من أنواع المحاولة لإحلال ما هو قائم من أجهزة وسلطات بسلطات أخرى، وبالصدفة سمعت أحد الأشخاص فى القنوات الفضائية قال نصاً: «إحنا أخدنا السلطة التنفيذية، ووضعنا أيدينا على السلطة التشريعية، وتتبقى لنا السلطة القضائية»، وبهذا يكتمل المشروع لفئة بعينها.
■ إذن هناك مشروع؟
- ما كنا نكتبه نظرياً عن الخوف من إحلال واستبدال، هناك من بدأ يصرح به، وهذا أمر خطير، لأن أى قوى سياسية إذا جاءت للحكم وقامت بعمل دولة بديلة، فهذه إشكالية حقيقية.
■ اشتبك مؤيدو الرئيس مع معارضيه فى «الاتحادية» لدرجة سقوط قتلى، واقترحت تجنب هذا الصراع بإيجاد آليات للحوار بين المعارضة ومؤسسة الرئاسة دون النظر لمصالح جماهيرية أو سياسية؟ كيف؟
- كنت أقصد دون النظر للمصالح السياسية الضيقة، لاشك أن الإخوان لديهم مشروع، وأنا أحترم رؤيتهم ومشروعهم، ولكن لا يجب أن يكون على حساب الوطن، أو على حساب المشروعات الأخرى، أنا متفق مع شرعية الرئاسة، وانتخاب الدكتور مرسى، وليس عندى اعتراض، ولكن إذا أردت الاستمرار لا يجب أن تستمر بمشروع يكون على حساب الوطن، وما حدث فى نوفمبر الماضى من إعلان دستورى هو نوع من أنواع التقييد لصالح مشروع فئة أو جماعة على حساب مشروع الوطن، خاصة إذا أخذت فى الاعتبار أن التركة ثقيلة جداً وأكبر من أن «يشيلها» شخص بمفرده.
■ الحوار دائما يكون مع شخص مرن، ولكن الرئيس مرسى انفرد تقريبا بالسلطات الثلاث؟ فكيف يحدث حوار وهناك انفراد بالسلطات؟
- الدعوة للحوار هى فى حد ذاتها نوع من المبادرة والتنازل فى حال قبول الحوار، ولكن ليست على قضية قانون الانتخابات، ولكن هناك قضايا خلافية حقيقية حول رؤيتنا للدولة المصرية، فلا يمكن أن تختزل كل شىء فى قضية الهوية كمثال، ومع ذلك لا ننسى أهميتها، ويقولون إن مصر ولدت من جديد من حيث الهوية الإسلامية، وكأن مصر لم تكن مسلمة من قبل، وكأن التدين لم يكن موجوداً فى مصر، وأنا متمسك بإسلام الخبرة المصرية، ولن أقبل ببديل له فهناك جدول أعمال آخر لم يتطرق أحد إليه مثل الفجوة الطبقية، والفجوة التكنولوجية، والفجوة فى التنمية بين الحضر والريف، الكتلة الشبابية الحديثة.
■ ما رؤيتك لمستقبلهم؟
-50% من شباب مصر تحت سن الـ25، أى أن هناك قضايا حقيقية لم نقترب منها مثل قضاياهم، وكذلك حقوق العمال أيضا، وإحالة كل شىء إلى قوانين لاحقة أمر خطير، لأن الموجة الجديدة من الدساتير تضع ملامح القوانين فى النص الدستورى عكس ما هو شائع، على حد قول بعض الدستوريين، للأسف عندما يصفون الدستور بأنه الدستور الصغير، هذا غير صحيح لأن الدستور الصغير يناسب الموجة الأولى من الدول التى اختبرت الديمقراطية حسب تقاليدها مثل: «ألمانيا»، أما الموجة الثانية من الدساتير فهى التى تناسب مجتمعات مثل: «الهند والبرازيل» المعقدة والمتنوعة.
■ ما المطلوب للخروح من الأزمة؟
- أتمنى من الإخوان المسلمين أن يوظفوا بعضاً من شعبيتهم وتنظيمهم الصارم لاستيعاب الثورات السياسية، مثل عبدالناصر عندما وظف «كاريزمته» من أجل أن يحتضن كل القوى الوطنية من محافظين وليبراليين ويساريين، واستطاع أن يحتضنهم سواء اختلفنا أو اتفقنا معه.
ولابد أن نوظف كل إمكاناتنا من أجل الحركة الوطنية الحقيقية، ونفتح الباب للحديث حول الإشكاليات الحقيقية، وليس الإجراءات والنظام الانتخابى، وقبل أن نتكلم عن قانون الانتخابات أين الديمقراطية؟ فكيف تتحدث عن قانون انتخابات، ولديك مشكلة مع القيم الديمقراطية؟!
■ الشعب يريد إسقاط النظام حالياً.. ما رأيك؟
- الشعب خائف وقلق، وربما يؤدى هذا القلق والخوف إلى أن يصل به الأمر إلى إسقاط السلطة.
■ الشعب يريد إصلاح النظام.. ما رأيك؟
- أظن أن الفرصة لم تضع بعد، وهناك إمكانية لذلك.
■ ما الدور الحقيقى لجماعة الإخوان المسلمين فى الحكم من خلال موقعك السابق كمساعد لرئيس الجمهورية؟
- يبدو أن هناك مساحة ما للحضور فى اتخاذ القرار وليست بالقليلة، وكنت أتمنى أن تكون هناك مسافة بين الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين بشكل أو بآخر، لأن من يصبح رئيسا لمصر يجب أن يكون رئيسا لكل المصريين.
■ هل المشكلة فى مجموعة المستشارين الذين يقترحون على الرئيس أم فيما يمكن القول إنها قرارات يتم اتخاذها من مكتب الإرشاد؟
- ليست عندى معلومة أن القرارات تصدر من مكتب الإرشاد، ولكن القرار بطبيعته وشكله الحالى لا يصل إلى المستشارين، وعلى سبيل المثال «الإعلان الدستورى الصادر فى نوفمبر الماضى لم نستشر فيه»، وبالتالى القرار صدر فى مساحة أخرى، وعلينا أن نبحث أين وما هى؟
■ هناك شكل ديمقراطى ولكنه ديكور.. هل توافقنى الرأى؟
- كنت أتمنى ألا يكون كذلك، لأن الديمقراطية لو تم تفعيلها كانت تعنى أن مصر انتقلت بالفعل من مؤسسة الرئيس «الفرعون» أو «الأب» إلى مؤسسة «الفريق»، وصناعة القرار بشكل جماعى.
■ هل جاءت «الجماعة» للانتقام بعد الخروج من السجون؟
- ربما الخبرة السياسية والتنظيم المغلق والمطاردة الأمنية لها تأثير، ولكن كنت أتمنى أن تكون روح 25 يناير مست الجميع، وأن الأجيال الجديدة لم ولن تسمح، بما فيها شباب الإخوان، على ما أظن، بأن نرجع إلى صورة من صور الحكم القديمة، الدنيا تتغير والأسباب كثيرة، وأتمنى ألا توجد تصفية حسابات بأثر رجعى.
فدولة محمد على أنجزت لمصر، وعبدالناصر، نتفق أو نختلف معه، أنجز لمصر، وما أسميه دولة يوليو المضادة التى بدأت فى مطلع السبعينيات التى شملت خلطة دينية محافظة مع رأسمالية، جاءت كما لو كانت تصفى حساباتها مع الدولة الحديثة بشكل عام، ومع النهضة التى بدأت من 1919، وانتهت بيوليو 1952، وهى حالة نهوض مصرى بالطبقة الوسطى بوجهيها الليبرالى والاقتصادى الاجتماعى، يبدو لى الآن أنها تصفية حسابات بأثر رجعى بوعى أو دون وعى، وينبغى أن تكون هناك مسؤولية للخطاب الدينى فى أن يجتهد من أجل أن يجد رؤى جديدة لمصر دون أن يفقد هذا التراكم النهضوى إذا جاز التعبير.
■ كيف ترى المشهد الدينى كباحث؟
- أحاول أن أتأمل هذه الظاهرة كباحث دون أخذ موقف مسبق، أجد أنها فى حالة انقطاع مع التجربة والخبرة المصرية ويثار كلام اليوممثل عدم إجازة المعايدة على الأقباط بعد خبرة تعايش مصرى بين المسلمين والأقباط بعد 1400 سنة، لم تكن كلها وردية، ولم تكن كلها دموية، ولكن الناس عاشت مع بعضها البعض، وتحالف الأقباط مع المسلمين فى مواجهة العثمانيين، إذن فهناك مشكلة، وهذه حالة لم أفهمها بعد، وأشعر أنها مهينة للتجربة المصرية، ومهينة لنا جميعا كمصريين، فهناك من الأقباط من دخل الإسلام، وهناك من بقى على ديانته، وتعايشوا مع بعضهم البعض دون مشاكل على مر 1400 سنة، ويجب أن نفهم هذه الظاهرة لأنها معقدة، وليست بسيطة، وهناك مدرستان الأولى كانت تنظر إلى التاريخ بين الأقباط والمسلمين أن كله كان تاريخاً دموياً، والأخرى تنظر إلى أن التاريخ كان كله ورديا، وفى اعتقادى هو تاريخ «طبيعى» بمعنى أن الناس كانوا يتحالفون فى مواجهة الحاكم الأجنبى، ومن يصرح بغير ذلك يبدو لى أنه منقطع عن التجربة المصرية، ويحتاج إلى إعادة قراءة وفهم لهذه الطبيعة التاريخية.
■ هل تتفق معنا أن الأحزاب لا تزال ضعيفة؟
- نعم.. وحتى الآن لم تستطع أن تنظم نفسها بشكل يستجيب للاحتياج، ولا تزال فى مخاض التأسيس، فهناك مشاكل، وأدعو إلى تأجيل الخلافات فيها، لأن مصر تحتاج إلى وحدة الصف بين ما يسمى القوى المدنية بشكل عام.
■ ما المشروع الذى تحتاجه مصر ليتوحد المصريون حوله بكل طوائفهم؟
- على الرغم من أن 25 يناير تمتلك مميزات، فإنها كشفت لنا 3 أشياء سلبية، حيث لدينا أزمة عدالة بمعنى أغنياء وفقراء بمعنى تنمية فى مناطق أكثر من مناطق كالحضر والريف، «أزمة العدل»، ولدينا أزمة المشروع التنموى، فالبرازيل والهند وماليزيا لديها رؤية لتنمية البلاد تتضمن التكنولوجيا والزراعة والعلوم الإنسانية، ونحن ليس لدينا رؤية لتطوير البلاد من الناحية التنموية، والأمر الثالث فى ظنى هو أنه يبدو أننا فى حاجة إلى تجديد مؤسسات فى الدولة الحديثة، وهى شاخت بعض الشىء ونحتاج لتطويرها وتجديدها، وكذلك الجهاز الإدارى للدولة دون أن نسقطها أو نضعفها، حتى لا تسقط مصر وتكون مجالاً للتقاسم.
كانت لدينا قاعدة صناعية أيام عبدالناصر قمنا ببيع نصفها بحجة الإدارة السيئة، ولكن كان ينبغى المحافظة عليها وتطويرها، لأن الماليزيين قالوا إن أفضل نموذج تم إنشاؤه هو النموذج المصرى، وتعلموا منه وقاموا بتطويره، إذن نحن فى حاجة إلى تحديث مؤسسات الدولة الحديثة مثل: «القضاء، الجيش المصرى، الشرطة» دون أن نسقط كل هذه المؤسسات، خاصة فى ظل ما يحدث.