شهدت مرحلة ما بعد الثورة العديد من الفعاليات التصويتية التى كان الصندوق فيها هو البطل الوحيد، وصاحب اليد الطولى والقول الفصل والأخير فيها، وأبرز تلك الفعاليات استفتاء مارس2011، واستفتاء ديسمبر2012، على الإعلان الدستورى فى الأول والدستور الجديد فى الثانى، ثم انتخابات مجلسى الشعب والشورى، وأخيراً الانتخابات الرئاسية، بجولتيها الأولى والثانية، وبقدر اختلاف تلك الفعاليات، وتباين الظروف التى جرت فى سياقها، والتى ألقت، بلا شك، بظلالها على كل منها، بقدر ما اختلفت نسبة المشاركة فى تلك الفعاليات والاتجاهات التصويتية فيها، وسلوك الناخبين التصويتى، سواء من ناحية المشاركة والإقبال، أو من ناحية المقاطعة والإبطال.
فيما يتعلق بنسبة المشاركة والإقبال على التصويت، فإن ثمة تفاوتاً لافتاً للإقبال التصويتى ما بين الفعاليات التصويتية الخمس الكبرى التى شهدتها مصر خلال العامين المنصرمين، الاستفتائيين، والمجلسين التشريعيين، والانتخابات الرئاسية، حيث ازدادت هذه النسبة حيناً إلى حد غير مسبوق، وقلت حيناً، إلى درجة ذكرتنا بنسب المشاركة الانتخابية ما قبل ثورة يناير.
تمثلت أعلى نسبة مشاركة تصويتية شهدتها مصر ما بعد الثورة فى انتخابات مجلس الشعب، حيث بلغت تلك النسبة نحو 65% بمشاركة ما يزيد على 32.2 مليون مواطن من إجمالى 49.2 مليون مواطن لهم حق التصويت، وربما يرجع ذلك الإقبال غير المسبوق إلى أن تلك الانتخابات كانت أول فعالية انتخابية حقيقية بعد ثورة 25 يناير، بما يؤشر على عودة الثقة لدى المصريين فى أصواتهم الانتخابية، والدور الذى يمكن أن تلعبه فى السوق الانتخابية، بعد فترة طويلة من فقدان الثقة والعزوف عن المشاركة، إبّان حكم النظام السابق، الذى شاعت فيه نسبة 99.9% الشهيرة، بالإضافة إلى شعور المصريين بأهمية مجلس الشعب، باعتباره أحد أقوى وأهم مؤسسات الدولة المصرية التى يمكن المراهنة عليها فى مرحلة ما بعد الثورة.
وقد جاءت جولة الإعادة فى انتخابات الرئاسة لتشكل ثانى أعلى نسبة مشاركة فى الفعاليات التصويتية الخمس التى شهدتها مصر، حيث بلغت حوالى 51.85%، أى ما يعادل 26.4 مليون مواطن من إجمالى 50.9 مليون مواطن لهم حق التصويت آنذاك، تلتها نسبة المشاركة فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، التى بلغت نحو 46.42%، أى ما يعادل 23.7 مليون مواطن.
وعلى النقيض مما سبق، جاءت انتخابات مجلس الشورى لتمثل أقل نسبة مشاركة فى الفعاليات التصويتية ما بعد الثورة، حيث لم تتجاوز تلك النسبة 15% من إجمالى من لهم حق التصويت، أى ما يعادل 7 ملايين مواطن، وقد اعتبر المحللون أن العزوف التصويتى فى تلك الفعالية جاء كاستفتاء ضمنى على رفض هذا المجلس، وربما يرجع ذلك إلى الصورة السلبية المدركة «Perceived ImageNegative» عن مجلس الشورى لدى المواطنين، التى سادت إبّان نظام الحكم السابق، وقناعاتهم بأن مجلساً تشريعياً واحداً، وهو مجلس الشعب، إذا ما تم تفعيله بالشكل الملائم، فإنه سيكون كافياً للاضطلاع بمهام السلطة التشريعية. وعلى صعيد الاتجاهات التصويتية، فقد مثلت انتخابات مجلس الشعب الفعالية الانتخابية الأبرز التى حصد فيها الإسلاميون النسبة الأكبر من أصوات الناخبين «حوالى ضعف ما حصل عليه غير الإسلاميين من أصوات»، وهو ما قد يرجع فى بعض أسبابه إلى الحضور المجتمعى الكبير للقوى الإسلامية فى الشارع المصرى، بالإضافة إلى القوة التنظيمية للإسلاميين، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذى مكنهم من حشد الأصوات لمرشحيهم فى معظم الدوائر، وتعاطف الشعب معهم بعد سنوات من الاضطهاد والإقصاء فى عهد النظام السابق.
أما الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، فقد مثلت الفعالية التى حصد فيها الإسلاميون النسبة الأقل من أصوات الناخبين، إلا أنه على الرغم من كون ذلك أمراً حقيقياً من الناحية الرقمية، فإنه من الناحية التحليلية دلالة مختلفة، بالنظر إلى المعيارين العددى والترتيبى، حيث حصد الإسلاميون الثلاثة الذين شاركوا فى الجولة الأولى، وهم محمد مرسى، وعبدالمنعم أبوالفتوح، ومحمد سليم العوا، أكثر من 10 ملايين صوت، فى حين حصل المرشحون غير الإسلاميين وعددهم 10 أشخاص على نحو13.2 مليون صوت، وعلى الصعيد الترتيبى، فقد حصل الإسلاميون على مراكز متقدمة، مقارنة بالمراكز التى حصدها غير الإسلاميين، حيث حصل الدكتور مرسى على 5.764.952 مليون صوت بنسبة 24.78% من إجمالى الأصوات الصحيحة التى شاركت فى الجولة الأولى، البالغة 23.265.516 مليون صوت محتلاً المركز الأول بين المرشحين الـ13، فى حين حصل الدكتور «أبوالفتوح» على المركز الرابع بإجمالى 4.065.239 صوتاً بنسبة 17.24%، وأخيراً الدكتور «العوا» فى المركز السادس بإجمالى أصوات 235.374 صوتاً بنسبة 1.01% من إجمالى الأصوات الصحيحة.
ثمة منظور آخر لتحليل اتجاهات التصويت للإسلاميين بين انتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية، حيث يمكن استنتاج تراجع رصيد الإسلاميين فى الشارع المصرى وفقاً لمعيار عدد الأصوات التى حصل عليها الإسلاميون فى انتخابات مجلس الشعب، مقارنة بعدد الأصوات التى حصلوا عليها فى انتخابات الرئاسة، سواء فى الجولة الأولى التى ذهبت معظم الأصوات فيها إلى غير الإسلاميين، أو الثانية «الإعادة» التى فاز بها المرشح الإسلامى الدكتور «مرسى» بشق الأنفس، حيث كان الفارق بينه وبين الفريق «شفيق» حوالى 882.751 صوتاً فقط، وهو ما قد يؤشر إلى تراجع ثقة الشارع فى الإخوان، نظراً لتضارب مواقفهم بشأن الترشح على منصب رئيس الجمهورية، ونسب الترشح على مقاعد مجلس الشعب.
وعلى صعيد الفعاليات الاستفتائية، فقد تجاوزت نسبة المشاركة فى استفتاء مارس 2011 مثيلتها فى استفتاء ديسمبر 2012، حيث بلغ عدد المشاركين فى استفتاء مارس 2011 نحو 18.5 مليون مواطن، بينما بلغ عدد المشاركين فى استفتاء ديسمبر 2012 حوالى 17.1 مليون مواطن، وعلى الرغم من أن الفارق بين عدد المشاركين فى الاستفتائين ليس بالكبير من الناحية العددية، إلا أنه يحمل دلالة مهمة بالنظر إلى إجمالى من لهم حق التصويت فى استفتاء مارس، الذى كان يقدر بنحو 45 مليون ناخب، وإجمالى من لهم حق التصويت فى استفتاء ديسمبر 2012، الذى زاد ليبلغ نحو 51.9 مليون ناخب. وتتمثل تلك الدلالة فى ارتفاع نسبة عزوف من لهم حق التصويت عن المشاركة فى الفعاليات الاستفتائية بشكل لافت، حيث بلغ عدد من لم يشاركوا فى استفتاء مارس 2011 نحو 26.6 مليون مواطن، فى حين بلغ عددهم فى استفتاء ديسمبر 2012 نحو 34.8 مليون مواطن، بزيادة تتجاوز 8 ملايين صوت.
وأخيراً، وعلى صعيد دعوات المقاطعة وإبطال الأصوات، فقد مثلت انتخابات مجلس الشعب أعلى نسبة أصوات باطلة فى الفعاليات التصويتية الخمس، حيث بلغ عدد الأصوات الباطلة بتلك الفعالية 4 ملايين و308 آلاف و321 صوتاً.
جاءت جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية لتحتل المرتبة الثانية من حيث عدد الأصوات الباطلة، حيث بلغت تلك الأصوات نحو 843 ألف و252 صوتاً، مقارنة بنحو406.720 فى الجولة الأولى، ويمكن إرجاع ذلك إلى قناعة الكثير من الناخبين بأن كلا المرشحين اللذين وصلا إلى جولة الإعادة لا يصلحان لرئاسة الجمهورية، حيث يمثل أحدهما جماعة الإخوان المسلمين، التى كشفت عن تناقض واضح فى مواقفها السياسية، سواء فى انتخابات مجلس الشعب أو انتخابات الرئاسة. والثانى يمثل النظام السابق،
وهو ما يؤكد وجود تعمد لإبطال الأصوات، على اعتبار أن الاختيار فى الجولة الأولى كان أصعب لوجود 13 مرشحاً، بينما فى جولة الإعادة كان أسهل وأكثر سلاسة، حيث كان الاختيار بين مرشحين فقط هما «مرسى» و«شفيق»، ما يقلل من احتمالية حدوث إبطال غير مقصود. وعلى الجانب الآخر جاءت أقل نسبة أصوات باطلة شهدتها الفعاليات التصويتية الخمس فى استفتاء مارس 2011، حيث بلغ عدد الأصوات الباطلة فى تلك الفعالية171.190 صوتاً.