لم ينس الكاتب الصحفى البريطانى الشهير، روبرت فيسك، الأيام التى قضاها فى ميدان التحرير منذ اندلاع الثورة وحتى تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك، إذ حضر إلى القاهرة بمجرد اندلاع المظاهرات، وكشف «فيسك» عن أن السعودية وإسرائيل توسلتا للرئيس الأمريكى، باراك أوباما، من أجل إنقاذ مبارك، مشيراً إلى أنه عندما رأى الشرطة تستعين بالبلطجية، تأكد من انهيار خط الدفاع الأول لمبارك، وأن الأخير استمع إلى توجيهات الجيش بالتنحى عن الحكم، مؤكداً أنه لم يصادف أى «إخوانى» طوال الثورة فى ميدان التحرير.
وأضاف «فيسك» فى حواره مع «المصرى اليوم» عبر الهاتف، أن الجيش رفض أن يكون أداة لمبارك، وأخبره بوضوح أن استمراره لم يعد ممكناً، مشيراً إلى أن عدم وجود قائد للثورة يؤكد براءتها من المؤامرة، وأن الشعب أبلغ النظام رسالة مفادها أن مصر ملك للجميع، وأن عمر سليمان كان يمتلك دوراً دون مسؤولية، لكن المصريين لم يعجبوا به مثل الغرب، وإلى نص الحوار:
■ عندما وصلت إلى ميدان التحرير فى يناير 2011، هل توقعت أن يلبى مبارك مطالب المتظاهرين؟
- هذا سؤال صعب، لأنه على مدى 30 عاماً تعرض النظام إلى خطر بالغ فى فترات معينة، وبالتالى رحيل مبارك لم يكن جديداً وقت الثورة، ولكن المذهل حقاً هو فكرة رحيل نظام مبارك بأكمله وانهيار الديكتاتورية، وأعتقد أنه فى اليوم الثانى تحديداً من الثورة، عندما رأيت قوات الأمن وهى تغرق الدكتور محمد البرادعى بالمياه أمام أحد المساجد، تيقنت تماماً أن الشرطة لن تستطيع الاستمرار على هذا النحو.
■ هل شاهدت ذلك المشهد بنفسك؟
- نعم، وفى نفس اللحظة أمام المسجد رأيت شرطياً يلتفت إلى ويقول لىّ: هل تعتقد أننى أريد التواجد هنا فأى شرطى يقوم بواجبه لن يقول مثل تلك الجملة إطلاقاً، حتى إن لم يحب عمله.
■ وماذا حدث بعد ذلك؟
- عدت إلى ميدان التحرير، ورأيت أفراد الشرطة يأمرون مجموعة من البلطجية بالاستعداد لضرب المتظاهرين، وفى تلك اللحظة تأكدت بأن خط الدفاع الأول لنظام مبارك قد انتهى، فعندما تستعين الشرطة بمدمنى المخدرات، وسوابق السجون للدفاع عن النظام، فذلك لن يجدى نفعاً.
■ هل استشعرت أن النظام انتهى يوم جمعة الغضب؟
- فكرة اختفاء نظام مبارك بالكامل لن تحدث، فمن الممكن أن يختفى مبارك، ولكن تفكيك المؤسسات القديمة نادراً ما يتحقق، ولم تفلح الفكرة فى إيران أو العراق وغيرهما من الدول، وعلينا أن نعلم أن الفوضى ستعم مصر إذا حاولنا تدمير البيروقراطية، وإن شئنا أم أبينا، فستبقى عناصر الدولة المباركية متأصلة فى البلاد.
■ هل حضرت أحداث موقعة الجمل؟
- نعم، وحدث لى موقف غريب صباح ذلك اليوم، عندما قررت صدفة الذهاب إلى منطقة الأهرامات بالجيزة لإعداد تقرير إخبارى عن رأى عمال الجمال عما يحدث بالبلاد، وبالتأكيد كان أغلبهم يؤيدون مبارك، لأنه يوفر لهم المال وتصاريح العمل وكل شىء، معتقدين أن الثورة ستعرضهم للفقر والخراب، وفجأة ظهرت موتوسيكلات كثيفة تدور بالشارع الرئيسى بين القاهرة والجيزة، وبدت كأنها مظاهرة منظمة مسبقاً، وليست مظاهرة شعبية، ثم انضمت إليها مجموعة من راكبى الجمال، لكننى قررت العودة إلى ميدان التحرير، ورأيت أفواج الجمال والأحصنة بجانب المتحف المصرى فانضممت إليهم لأعلم ما يجرى، وبدأت معركة قذف الأحجار كما شاهدناها جميعا.
■ توصلت نتائج لجنة تقصى الحقائق إلى أن فرقة تسمى «إخوان 95» شاركت فى تلك الموقعة، هل لاحظت ذلك؟
- لم ألاحظ وجود أى شخص ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين فى ذلك الحدث، كما أننى لم أصادف أو ألتقى بأى إخوانى خلال فترة الثورة بميدان التحرير.
■ وفى رأيك، ما أهم فصيل شارك فى الثورة؟
- مشاركة الاتحادات العمالية فى الثورة كانت مهمة جدا، وللأسف اهتم القليل من صحفيى الغرب بمتابعة أحداث غزل المحلة، رغم أنها أحد مؤشرات الثورة، وكان يجب أن نذهب هناك لرصد تأثيرها على البلاد بشكل عام، وبالفعل ذهبت إلى المحلة مرتين فى 2006 و2007، لأن العمال فى العالم العربى لهم تأثير كبير على الثورات، ففى مصر وتونس لم تكن الثورة دموية لأن اتحادات العمال كانت حقيقية وقوية، ولكن الثورة أصبحت دموية فى سوريا وليبيا واليمن لأن اتحادات العمال كانت إما مزيفة أو أحد أجهزة الدولة أو غير موجودة.
■ ماذا عن دور الجيش فى الثورة؟
- هناك نقطة تحول شاهدتها بنفسى فسرت لى الكثير، كنت فى ميدان التحرير، وفجأة ظهرت دبابات حديثة بجوار المتحف المصرى، وليست تلك النوعية القديمة من الدبابات التى انتشرت بأنحاء الميدان، وأنا متأكد أن مبارك أراد دخول الدبابات إلى الميدان، وعندما رأيت أحد زملائى يرتدى سترة واقية من الرصاص، علمت أن الوضع بات خطيراً، ثم رأيت عدداً من ضباط الجيش ينتزعون خوذتهم العسكرية لإجراء مكالمات هاتفية عبر هواتفهم المحمولة، فسألت نفسى لماذا يلجأ ضابط إلى إجراء مكالمة عبر تليفونه وهو يمتلك جهاز اتصال بوحدته العسكرية، وبعد ذلك الموقف بأيام، علمت أن هؤلاء الضباط الشباب كانوا يتحدثون إلى عائلاتهم ليسألوهم ماذا علينا أن نفعل، هل نهاجم المتظاهرين فى الميدان أم لا؟ وكان الرد عليهم: «لا تضروا الشعب المصرى، أنتم هناك لحمايتهم فقط».
■ ماذا استنتجت من ذلك الموقف؟
- فقد مبارك سلطته الحقيقية تماماً بعد عصيان هؤلاء الضباط.
■ وهل تعتقد أن الجيش هو الذى دفع مبارك إلى التنحى أم أصوات المتظاهرين فى الميادين؟
- لا شك أن مبارك استمع إلى توجيهات الجيش الذى أخبره بوضوح بأنه لم يعد من الممكن استمرار حكومة تقمع إرادة الشعب، ودعونا لا ننسى أن الجيش المصرى أكثر شعبية من الجيش التونسى أو الليبى لأن كل أسرة مصرية تقريبا بها شخص يعمل فى الجيش.
■ أتقصد أن الجيش دعم الثورة؟
- الجيش لم يكن قوة تقمع الشعب، وليس لديه سمعة بأنه أداة من أدوات الدولة، وعندما أمر مبارك الدبابات بالدخول إلى الميدان بعد انسحاب الشرطة، رفض الجيش أن يكون أداة لنظام مبارك، فجميع الجيوش تريد البقاء على قيد الحياة، فالمؤسسات يجب أن تبقى.
■ وماذا عن اللواء عمر سليمان، رئيس المخابرات الراحل؟
- هو شخص مثير للاهتمام مقارنة برجال السياسة، وأثار إعجاب وزارة الدفاع الأمريكية، وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وطالما شعرت أنه يريد العمل فى مكتب المخابرات الإسرائيلية، ولكن المصريين لم يعجبوا به، ولكن سليمان أعجب بوظيفته فى المخابرات لأنه كان يمتلك دوراً دون مسؤولية، والدليل أنه لم تكن هناك لافتة واحدة وقت الثورة تحمل يسقط عمر سليمان.
■ كيف ترى عدم وجود قائد للثورة؟
- عدم وجود قائد للثورة كان أمراً ذكياً للغاية، وعدم وجود قيادة للثورة لم يمكنها من وجود خطة للسير عليها، وهو الأمر الذى يؤكد براءة الثورة وأنها ليست نتيجة مؤامرة، فمن يريد التواصل مع أطراف الثورة، كان عليه الدخول إلى موقعى «فيس بوك» و«تويتر» للتحدث مع المشتركين بها، إن الثورة المصرية أعادت إلى البلاد الحرية والكرامة دون تأثير بريطانى أو أمريكى أو فرنسى.
■ ما شعورك وقت تنحى مبارك؟
- بمجرد عودتى للمنزل فى لبنان، قلت لزوجتى إنه بعد مئات المرات التى سافرت فيها إلى مصر، تلك هى المرة الأولى التى أحببت فيها وجودى فى ذلك البلد، بعد أن كنت أكره وجودى فيه بشدة، وهنا أخبرتنى أن السبب هو أننى مشيت مئات الأميال على قدمى لأشارك الناس فى مظاهراتهم واستنشقت الغاز المسيل للدموع معهم، وشاهدتهم وهم يقاتلون حتى كسبوا المعركة فى النهاية، وكانت على حق تماماً، فعندما شاهدت الشعب وهو يتحرر، تأكدت أن مصر بدأت تتحول إلى دولة حقيقية، سواء رحل مبارك وقتها أو لا، فالناس قررت أن تعبر عن رأيها فى الشوارع وليس بين حوائط منازلها فقط.
■ ما أهم الدروس التى لقنها الشعب للنظام وقت الثورة؟
- مشكلة القادة الديكتاتوريين أنهم يعتقدون أن البلاد ملكية خاصة لهم، وقد يبيعون جزءاً منها إن أرادوا فى أى وقت، وقد يبيعون أنفسهم أيضا، لكن الشعب المصرى أصر على أن يبلغ النظام رسالة مفادها أن مصر ملك للجميع وليس لهم.
■ كيف يمكنك أن تصف ثورة 25 يناير؟
- تغطية الثورة المصرية بالنسبة لىّ كانت من أسعد القصص الصحفية التى كتبتها خلال فترة عملى فى منطقة الشرق الأوسط، وعلى مدى الـ37 عاماً الماضية تقريباً رأيت دماء وقتالاً وظلماً وخراباً، وسمعت قصص تعذيب، وشاهدت حوادث قتل جماعى ومقابر جماعية لم أتوقع أن أشاهدها فى حياتى، ولكن الثورة المصرية فى نظرى كانت رمزاً للإنسانية بدلاً من الدماء، وأنا أفضل الثورات الناعمة عن الثورات الدموية، وخلال الـ18 يوماً من الثورة المصرية، لم يذبح الشعب عنق الوزراء كما حدث لوزير الصناعة العراقى، فى عهد الرئيس صدام حسين، ولم يتم إعدام الشعب فى الشوارع كما يحدث فى إيران، ورغم أن قوات الشرطة مارست أعمال تعذيب وعنف واسعة أثناء الثورة تمثلت فى إطلاق النار على المتظاهرين، رجال ونساء وطلاب، فإنها بالمقارنة بالثورات الأخرى، ثورة إنسانية وليست دموية.
■ هل تعتقد أن الثورة مستمرة؟
- الثورة لم تنته عندما غادر مبارك إلى شرم الشيخ، أو عندما تسلم المجلس العسكرى مقاليد الحكم أثناء الفترة الانتقالية، ولم تنته أيضا عندما تم انتخاب محمد مرسى رئيساً للبلاد، وبالتتابع فإن أحداث الثورة المصرية ستستمر حتى بعد وفاتى وبعد وفاة أحفادى.
■ وما سبب فشل تحقيق مطالب الثورة؟
- مشكلة الثورة هى عدم وجود سياسات موحدة حول فترة ما بعد مبارك، فالجميع كان يندد بسقوط مبارك ونظامه فقط، ولم تظهر خطط مستقبلية حول السياسة الخارجية أو الاقتصاد مثلا، وهو الأمر الذى سهل عملية اختطاف الثورة من قبل البعض.
■ ما رأيك فى أداء الرئيس محمد مرسى؟
- مرسى فى نظرى ليس قائداً ذكياً أو حتى متحدثاً قوياً، فهو لم يؤثر فى مشاعرى فى أى من خطاباته، هو يواجه سلسلة كبيرة من المشاكل ولكن يتعلم كيفية حلها ومواجهتها يوما بعد يوم، على عكس مبارك الذى كان يحتفظ بسيناريو معين يسير عليه مهما كانت الأحداث.
■ ما تعليقك على ما يتردد بأن الدكتور محمد بديع، المرشد العام للإخوان، هو من يحكم البلاد ويصدر توجيهاته إلى مرسى؟
- لن أعلق على تلك الأنباء، فهذا السؤال يحتاج إلى تفاصيل معينة للتأكيد أو النفى، ولكن بمجرد أن أعود إلى مصر، قد أتوصل للحقيقة بشأن ذلك.
■ هل تفضل إجراء حوار مع مرسى أم محمد بديع أم نائبه خيرت الشاطر؟
- إذا كانت لدى فرصة لإجراء حوار صحفى فى مصر، فإننى أود أن يكون مع مبارك، أنا لا أفضل التحدث مع رؤساء البلاد، فمبارك هو من يمتلك الأسرار الآن، وذلك لا يعنى عدم احترام لمرسى على الإطلاق.
■ اقترنت كلمة «الديكتاتورية» دائماً بحقبة مبارك، ولكن البعض أصبح يرددها فى عهد «مرسى» مجدداً، كيف ترى ذلك؟
- مصر لم تصبح تحت الديكتاتورية فى عهد مرسى، ولكن هناك عيوباً كثيرة فى قيادة مرسى والإخوان المسلمين، الأمر ببساطة هو أن مرسى وحكومته الجديدة لم يعتادا على طبيعة الحكم، فمرسى ربما يتفهم طبيعة منصبه، لكنه لا يعلم كيفية استخدامها، وفى المقابل فهو يعلم ما يقوله الناس عنه، ويعلم جيدا أن الشعب لم يعد «أولاد وأبناء» كما كان يصفهم مبارك فى خطاباته، وعليه أن يدرك أن الشعب أصبح ناضجاً وواعياً.
■ وماذا عن اتهام المعارضة لمرسى بأنه مهتم حاليا بتوسيع سلطاته فقط؟
- مرسى رجل سياسة يتعلم كل يوم، وكل قائد يمتلك سلطة ربما يسئ استخدامها، وعندما جاء إلى الحكم كان عليه القيام بصفقات معينة، فالجميع يعلم ذلك، ولكن ما تحتاجه مصر الآن هو إصلاح منظومة التعليم وتطوير التكنولوجيا، والسماح للجميع بتجربة السفر خارج البلاد لأخذ الخبرات.
■ ما أهم صفقة يجب أن يعقدها مرسى؟
- كشخص ينتمى إلى الغرب، أعتقد أنه يجب عقد صفقة بين الإسلاميين والمسيحيين، فالغرب مهتم بحقوق الأقليات فى العالم. وبالنسبة لمصر، مرسى يعلم جيداً أنهم أقلية مهمة تمثل نحو 10% من تعداد السكان، فإذا عامل مرسى الأقباط باحترام، فسيعاملونه بالمثل.
■ ما رأيك فى اتهام جماعة الإخوان المسلمين بأنها سرقت الثورة؟
- الجميع حاول سرقة الثورة، مبارك والجيش وغيرهما.
■ كيف ترى انسحاب الجيش من المشهد السياسى حاليا؟
- وظيفة أى جيش هى الدفاع عن البلاد، الجيش المصرى غير مهدد من ليبيا أو العراق أو قطر أو حتى السعودية، ولكن الشاغل الأكبر بالنسبة له الآن هو حماية أمن سيناء، كونها قضية أمنية وسياسية فى الوقت نفسه.
■ وما تقديرك لدور المعارضة الآن فى الساحة السياسية؟
- مشكلة المعارضة هى عدم اتفاقها على شكل محدد لمستقبل مصر، فالمعارضة لا تريد دولة دينية يسيطر عليها الإسلاميون أو دولة علمانية أو دولة منغلقة، لكنها أيضا لا تمتلك خطة أو استراتيجية معينة.
■ ما القضايا التى تتوقع أن تسيطر على مصر فى 2013؟
- أعتقد أن القضية الفلسطينية ستسيطر على الأجواء فى مصر العام الجارى، ولا أعتقد أنه ستكون هناك دولة فلسطينية، لأن الإسرائيليين يأخذون الكثير من الأراضى حاليا، ويبنون العديد من المستعمرات، فقد كان ذلك هو هدف الحكومة الإسرائيلية الذى أوشكت على إنجازه تقريبا، وأعتقد أن القضية الجديدة التى ستطرأ على الساحة خلال عامى 2014 و2015 هى علاقة مصر بواشنطن، لأن هيبة أمريكا فى الشرق الأوسط لم تعد كما كانت منذ سنوات، وبالفعل بدأت فى الانخفاض بعد خسارة حرب العراق وحاليا حرب أفغانستان، والرئيس الأمريكى باراك أوباما عليه أن يعلم أن العرب لا يهتمون كثيراً برأى الأمريكيين الآن.
■ هل ترى تأثيراً لارتباط جماعة الإخوان المسلمين بحركة «حماس» على العلاقات بين مصر وإسرائيل؟
- بالطبع هناك مشكلة فى هذا الأمر، ولكن أى حكومة مصرية جديدة لن تستطيع تغيير التاريخ، أو إلغاء المعاهدات الدولية بسهولة، لأن تلك الاتفاقات تمت على مستوى الدول وليس على مستوى الحكومات التى تتغير باستمرار، وأنا شخصياً أرى أن المجال مفتوح للرئيس مرسى وجماعة الإخوان المسلمين لإعادة تشكيل علاقتهما بإسرائيل.
■ العلاقة بين القاهرة وواشنطن تعتبر من أهم عناصر السياسة الخارجية لمصر، كيف ترى شكلها حالياً؟
- هذا أمر مفروغ منه، ففى الأيام الأخيرة لثورة 25 يناير، وقبل تنحى مبارك تماماً، اتصل كل من رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، والعاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، بالرئيس الأمريكى باراك أوباما يتوسلان لإنقاذ مبارك، ومن هنا أستطيع القول إن الحكومة المصرية هى التى ستحدد شكل علاقتها مع واشنطن، فنحن الآن أمام أزمة مالية بين البلدين تتمثل فى دور واشنطن فى قرض صندوق النقد الدولى، ويبقى السؤال الرئيسى للحكومة المصرية، هل تريد المال أم الحرية السياسية الحقيقية؟
■ تعتمد مصر على المعونة الأمريكية بشكل كبير، هل تعتقد أن واشنطن ستستغل المعونة للتأثير على مصر؟
- المال يأتى فى مقدمة الأساليب التى تستخدمها واشنطن للضغط على الدول، وفى حالة مصر، هناك المعونة الأمريكية أو قرض صندوق النقد الدولى، وإن لم تفلح تلك الأساليب، ستبحث واشنطن عن أساليب تهديد أخرى.
■ إذن الحاجة إلى المال تمثل مشكلة؟
- مشكلة منطقة الشرق الأوسط لا تتمثل فى احتياجها للمال أو تطبيق الدين، الأزمة الحقيقية هى العدالة، فالجهات الغربية عندما يأتى إلى مصر لا تطالب بتطبيق الديمقراطية بقدر ما تهتم بتحقيق العدالة، رغم أنها تعلم جيداً أنها لا تريد منحها إلى مصر.
■ ماذا تعنى بأنها لا تريد منح الديمقراطية؟
- الجهات الغربية عندما تأتى إلى مصر محملة بالأموال والدبابات والأسلحة، لا تفعل ذلك لأنها تحب مصر، لكنها تريد أن تطمئن النظام الحالى بألا يقلق إذا تحول الشعب ضده فى أى وقت.
■ وماذا يريد الغرب تحديدا؟
- الغرب يفضل وجود الديكتاتورية فى المنطقة، وفى هذا السياق، يُنظر إلى مرسى بأنه شخص غير موثوق به، لأنه رئيس منتخب، كما هو الحال بالنسبة لحركة «حماس»، الغرب يريد الديمقراطية ولا يريدها فى الوقت نفسه.
■ بعد كل ما حدث خلال العامين الماضيين، متفائل أم متشائم؟
- بمجرد سقوط مبارك، مازلت أشعر بالتفاؤل بشأن مستقبل مصر.