مازلت أبحث فى «المصرى اليوم» عن كلمات الكاتب الساحر والساخر والمبدع والنبيل جلال عامر، رغم غيابه منذ عام مضى. لا أصدق أن جلال عامر كف عن تشريح المجتمع والخروج بتشخيص الداء واقتراح الدواء، حتى لو لم يأخذ الحكام بنصائحه لعلاج أمراضنا الاجتماعية والسياسية والبدنية.. وقد حاولت «علاج» حنينى إليه وإلى كلماته الرائعة الثرية لا للجوء إلى إعادة قراءة مقالاته القديمة والتى اكتشفت دون اندهاش، أنها مقالات جديدة!.. بل حديثة جداً ولا أعتقد مثلاً أن أحداً سيعترض على أنه «أشياء كثيرة تنقصنا، هى الحرية والديمقراطية والعدل والشفافية والمساواة واحترام العلم والاهتمام بالتعليم ومكافحة الفساد وإلغاء التعذيب»؟!
. كتب جلال عامر هذه الكلمات ضمن مقال له نشر فى فبراير عام 2009، أى قبل اندلاع ثورة يناير بعامين وهى كما ترى أو أظن أنك ترى، أنها صالحة وبقوة، بعد الثورة بعامين.. وقال هذا «البصار» ببصيرته الفريدة الرائعة الواعية: أحيانا تظهر فى الحديقة أشياء لم نزرعها، فالمصرى لم يزرع فى حديقته، لا الحزب الوطنى ولا الإخوان حتى يصير رهين المحبسين ويتحول برلمانه إلى لومانجى بنى له بيت، أخونجى سكن له فيه، يتبادلون الشتائم داخله ويتبادلون المصالح خارجة، فمليونيرات مصر نصفهم وطنى ونصفهم إخوان يتحالفون ضد المصريين... وهذا أيضا عام 2009 وهذا غيض من فيض يجعلنى أؤمن أن جلال عامر سيبقى حيا نابعا بأنبل المشاعر تجاه المواطن البسيط الفقير وانحيازه، انحياز لا لبس فيه ولا تنازل عنه للأغلبية الساحقة المسحوقة دون تردد أو وجل أو حسابات «المكسب والخسارة»، والتى غالبا ما تنتهى بالخسارة.. وماذا يفيد الإنسان لو كسب العالم كله وأخيراً خسر نفسه!
نعم سيبقى جلال عامر مصباحا مضيئاً هاديا على مر العصور فهو الذى عبر قناة السويس فى حرب أكتوبر المجيدة، وهو الذى عبر الخوف والأطماع والنفاق ولم يقدر كائن من كان على إسكاته اللهم إلا المشهد الذى روعه وحمله إلى رحاب الله وهو يشاهد المصريين بيقتلوا بعض!! وروعنا غيابه قبل أن نستعيد أنفاسنا مع تراثه البديع من كلمات لن تموت أبدا.. ومع ذلك «عاشت مصر برغم كل المحن، تقطف الزهور وترفع أغصان الزيتون وتبتسم.. فابتسم من فضلك قبل أن تصبح الابتسامة جريمة هتك عرض!» اسمع كلام عمنا جلال.. العامر فى قلوبنا أبداً.