«قد تتفق فى كثير من الآراء أو تختلف مع الدكتور رفعت السعيد، ولكنك - فى النهاية - لا تستطيع أن تنكر أنك أمام سياسي ومفكر وباحث فى تاريخ الحركة الوطنية المصرية. فالسعيد هو معارض يسارى له مواقفه الثابتة التى أدخلته فى كثير من المعارك السياسية والفكرية.
الدكتور رفعت السعيد، هو أحد الأسماء البارزة فى تاريخ اليسار المصرى منذ أربعينيات القرن الماضى وحتى نهاية السبعينيات، واعتقل عدة مرات. إلى جانب كل هذا عرف بمعارضته لجميع الرؤساء الذين حكموا مصر، إلا أن معارضته للرئيس السادات كانت الأكثر جذرية وعمقاً. وللسعيد - أيضاً - عدة مؤلفات نقدية لحركات الإسلام السياسى»، وهو من أشد المعارضين لجماعة الإخوان المسلمين.
هذه المعارضة لـ«الجماعة» كانت المحور الأساسى للحوار معه، بعد الوثائق التى انفردت بنشرها «المصرى اليوم»، حول ملفات الإخوان فى البوليس السياسى.
■ بصفتكم راصداً وباحثاً فى الحركة الوطنية المصرية... كيف ترى تحول الإخوان من الدعوة إلى العمل السياسى؟
- فى رأيى أن الإخوان لم يتحولوا على الإطلاق. فهم من البداية كانوا تنظيماً سياسياً، وهذا التنظيم السياسى كانت له بواعث سياسية. وجاء هذا التنظيم بدفع من أطراف متعددة، كانت ترى أن إضاعة الخلافة هى إضاعة للذات، وأنه يجب تجاوز فكرة هزيمة الخلافة فى تركيا. وكما هو معلوم فإن الملك فؤاد فى أواخر عشرينيات القرن الماضى، كان يتطلع إلى فكرة الخلافة وأن يصبح خليفة للمسلمين. وفى نفس هذا التوقيت كان هناك انهيار للمجتمع الرأسمالى العالمى نتيجة أزمة الكساد العالمى. وهنا ظهرت دعاوى عدم نجاح المجتمعين الرأسمالى والاشتراكى، وأن الحل هو إقامة المجتمع الإسلامى. وهذه الفكرة تحمس لها المفكر رشيد رضا.. ورشيد على رضا هو «سلفى» من تلامذة محمد عبده، ولكنه تخلى عن رسالة محمد عبده التقدمية والليبرالية، وواصل معركته ضد ما سماه التغريب والحداثة وضرورة العودة إلى أصل المجتمع الإسلامى الأول.
وحسن البنا قالها صريحة: «نحن سلفيون من اتباع الشيح رشيد رضا». وفى هذا التوقيت كان المجتمع المصرى يحاول أن يستعيد فكرة الحداثة، والتى بدأت منذ عصر محمد على. ولذلك فإن هجوم تيارات الإسلام السياسى على الليبراليين لم يكن وليد اليوم، وإنما منذ عصور سابقة.
■ كيف؟
- الهجوم على الليبراليين فى هذه الفترة كان هجوماً عنيفاً، وبدأ يستخدم لغات حادة ورديئة. فبدأ الهجوم على سلامة موسى على أساس أنه «نصرانى»، وأنه يحاول أن يهدم الإسلام. ولهذا فجماعة الإخوان بدأت كمؤسسة سياسية تستهدف استعادة الخلافة وإقامة الدولة الإسلامية، مرتدية فى ذلك رداءً دينياً، وهو ما أعطاها قدراً من الجاذبية.
■ ولكن كيف حصلت الجماعة على الدعم السياسى لها من قبل بعض القوى السياسية الأخرى؟
- هذا التحرك «السياسى» لجماعة الإخوان خلال حقبة الأربعينيات لفت أنظار خصوم حزب الوفد، ودفعهم إلى استخدامها الاستخدام الأمثل لضرب حزب الوفد. وكان الإخوان فى هذا التوقيت يدعمون - وبشدة - حكومة إسماعيل صدقى، ويتفاخرون بذلك..
■ ولكنهم انقلبوا عليه بعد ذلك..؟!
- نعم.. فهذه عادتهم.. فلعبة المصالح المشتركة مع «الطاغوت» تعمل بشكل جيد فى فكر الإخوان.. فالأصل هنا أن جماعة الإخوان فكرة سياسية، واتخذت من الدعوة سبيلاً لتحصين هذه الفكرة ضد خصومها السياسيين. فمثلاً حينما وضع حسن البنا برنامج الجماعة فى مؤتمرهم الخامس قال «هذا المنهج كله من الإسلام، وكل نقص منه نقص من الإسلام»... هذه العبارة فى أصلها هى عبارة اقصائية واستحوازية، فهو يريد أن يستحوز على الإسلام، وأن يستخدم الإسلام فى مواجهة الخصم. وبالتالى هذه المحاولات كانت تستهدف قدر الإمكان فرض «وصاية» إسلامية على العمل السياسى، وفى نفس الوقت كان البنا ضد فكرة «الحزبية» من الأساس.
■ يرى كثيرون أن قيادات الإخوان يسعون بشكل - أو بآخر - إلى «تزييف التاريخ»، وصنع «بطولات وهمية» فى بعض الأحيان، وربما إنكار الحركة الوطنية من الأساس، وخاصة عندما يتحدثون عن بدء الحركة الوطنية منذ عشرينيات القرن الماضى - فى إشارة إلى تاريخ نشأة الجماعة - ألست قلقاً على تاريخ مصر ومن يكتبه فى المرحلة المقبلة؟!
التاريخ كعلم دائماً ما يسطو عليه الحكام.. وهذا حقيقة! ففى أحيان كثيرة يفرض «السلطان» إرادته عن التاريخ. فمثلاً أثناء الوحدة المصرية - السورية كان ممنوعاً أن تصدر كتاباً يحمل اسم مصر، وهناك كتاب كثيرون اضطروا لحذف اسم مصر من عناوين مؤلفاتهم واستبدلوها بأسماء عربية لتفادى هذه «الأوامر»!.
وفيما يتعلق بالإخوان، فإنهم أثناء مشاركتهم فى حرب فلسطين دفعوا بالقوى الأخرى إلى الصفوف الأمامية بينما بقوا هم فى الصفوف الخلفية!... ومشاركتهم هنا كانت بمنطق محاربة اليهود وليس مقاومة «الفكر الصهيونى»، وحولوا القضية إلى صراع مسلم- يهودى.
وفيما تلى ذلك وأثناء حرب 1956 كانت السجون المصرية تضم عشرات من قادة الإخوان، الذين كانوا يهتفون «الله أكبر ولا عدوان إلا على الظالمين»، وكانوا سعداء بالهجوم على «حكم الكفرة» فهم لا يرون أن المحتل جاء للهجوم على مصر!
■ وماذا تقول للشباب الذين تحولت كل «أوهام الكفاح المسلح» إلى حقائق فى عقولهم.. حتى إنهم اضطروا فى النهاية إلى تصديقها؟!
- فى رأيى أن هذا يتوقف على «ماكينة الإعلام»، بمعنى أننا مطالبون بشرح وجهات نظرنا وكشف الحقائق أمام الرأى العام. فجماعة الإخوان لديها أدوات تستدرج العضو ليودع عقله فى «خزينة» مكتب الإرشاد، وبعد ذلك تتعامل معه، وهو بلا قدرة على أن يقول «لا». وهنا ينشأ التناقض الذى يشير إليه الأمام الغزالى «بين العقل الفاعل.. والعقل المنفعل».. هم يتلقون دون التفكير.. فالعقل المنفعل يمكن أن يفعل أى شىء فهو لا يعتبر نفسه «سياسياً» ولكن مجاهداً، فمجرد التفكير وإعمال العقل هو خروج عن مبدأ السمع والطاعة، الذين يعنى أن تظل مسلماً حقاً. ولذلك فهم يعملون على تدمير شخصية العضو فى البداية. فمثلاً عندما انضم جمال عبدالناصر وخالد محيى الدين إلى جماعة الإخوان، ادخلوهما إلى «الجهاز السرى»، واحضروا لهما رجل «مدنى» لتدريبهما على كيفية «فك» القنبلة وهما ضابطان بالجيش. ومن المفترض أن يعلما هذا «المدنى» كيفية التعامل مع القنابل، ولكن فكر الجماعة يريد أن «يكسر» بداخل الأعضاء الجدد مجرد «التفكير» وتدمير الشخصية فى المقام الأول، بحيث يسهل عليه أن يتقبل فكرة السمع والطاعة!
■ من بين الوثائق التى انفردت بها «المصرى اليوم» التقرير السرى للمفوضة الروسية بمصر، والذى يشير إلى أن الشيخ البنا اتفق مع البوليس السياسى على إمدادهم بقوائم بأسماء قادة الحركة الشيوعية فى مصر للتخلص منهم... بصفتكم مفكراً ومؤرخاً للحركة الشيوعية المصرية.. ماذا تعنى هذه الصفقة بين المرشد العام للإخوان والبوليس السياسى؟
- الإخوان أنفسهم لا ينكرون مثل هذه الوقائع، فهم فى كثير من اعترافاتهم خلال المحاكمات قالوا إننا كنا نستهدف الحركة الشيوعية المصرية. وكذلك حينما التقى حسن البنا، السكرتير الأول للسفارة الأمريكية بالقاهرة «فيليب إيرلاند» فى منزله بالزمالك قال له: نحن على استعداد أن نساعدكم فى مقاومة الشيوعيين.. إنما «ده عايز فلوس كتير»..! وهذا يعنى أن «البنا» استخدم التحالف ضد الشيوعية فى جلب أموال طائلة من الأمريكيين..!
■ فى نفس الوثيقة هناك حديث صريح حول اتجاه شعب الإخوان لجمع المعلومات حول حالة الأمن المصرى من حيث العدد والتسليح... لماذا يرصد الإخوان دائماً حالة الأمن؟ وما مدى انعكاس ذلك على الوضع قبل ثورة يناير؟
- حتى الآن - وليس فى التاريخ فقط- الإخوان لديهم جهاز «معلومات» على درجة عالية من التقدم، وهذا الجهاز يستهدف «رصد» كل التحركات داخل مختلف المؤسسات وحتى الأحزاب السياسية. وهذا نوع من التركيب العقلى، الذى غرسه حسن البنا فى عقول كوادر الإخوان.. أما عن العلاقة بين الإخوان والأمن قبل ثورة يناير، فليس لدى معلومات عن ذلك..
■ دائماً ما يتحدث الإخوان عن «ادعاءات جهادية «فى حرب فلسطين» وصلت إلى حد «الأساطير» فى منطقة القناة عقب الغاء المعاهدة عام 1951.. رغم أن كفاحهم تاريخياً يستند إلى عمليات ضعيفة «ومحدودة» لا يمكن مقارنتها بما قدمته الحركات الوطنية ككتائب التحرير مثلاً أو الشيوعيين أو شباب حزب الوفد الذى هو صاحب قرار إلغاء المعاهدة.. كيف ترى مثل هذه الادعاءات؟!
- أولاً أن الإخوان شاركوا فى حرب 1948.. فهذا صحيح. وقد شكلوا كتائب أغلبها من غير أعضائهم، ولكن المثير للدهشة هو أن الذى تولى القيادة أحد الشيوخ، وأفتى بأن قول الحق «إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص» هى الأصل فى القتال. وما كان من الشيخ إلا أن قام بصف المقاتلين صفاً واحداً.. وجاءت مدرعة إسرائيلية وحصدت أرواحهم جميعاً ! وهذا يوضح أن الإخوان – كما أشرت من قبل- يحاربون معركة دينية بالدرجة الأولى.. أما فيما يتعلق بالكفاح المسلح فى منطقة القناة عام 1951، فالمرشد حسن الهضيبى نهى شباب الإخوان عن المشاركة.. وقال مقولته الشهيرة: «اعكفوا على قراءة القرآن»!.. على الجانب الآخر كان هناك شباب وطنيون بمنطقة القناة منهم شيوعيون ووفديون وأعضاء بمصر الفتاة، وأذكر أن الشيوعيين قدموا شهيداً اسمه عباس الأعصر من الإسكندرية.. ودائماً هم كذلك «الإخوان» - وكما هم على مر التاريخ - يستغلون ضعف الذاكرة الوطنية وعدم يقظة المؤرخين، أو رغبة كثير منهم فى عدم الدخول فى معارك سياسية معهم..
■ أو ربما الخوف من الإخوان..؟!
- دعنا نكون «مؤدبون» حتى النهاية! فالشىء المؤكد أن كل الذين تقابلوا مع كوادر الإخوان المحاربين فى فلسطين لم يجدوا لديهم أى عمليات جهادية ذات قيمة.
■ هم يدعون دائماً أن البطل أحمد عبدالعزيز.. من «الإخوان»، رغم أن حديثه مع الأستاذ هيكل لـ«أخبار اليوم» قبل استشهاده بأيام لم يتطرق إلى مشاركة للإخوان بالمعركة.. ما رأيك؟
- أنا لا أعلم كان أحمد عبدالعزيز إخوانياً أم لا... ولكن المشاركة الشعبية فى البداية كانت كبيرة إلا أنها بدأت فى الانخفاض، لأن الكثيرين ممن ذهبوا للقتال فى فلسطين، وجهت لهم انتقادات من الفلسطينيين لضعف قدرات الجيش المصرى فى مواجهة العصابات الصهيونية.
■ وما رأيك فى «تفاهمات» الإخوان عموماً مع السلطة فى هذه الحقبة؟
- حسن البنا كان يتميز بمساحة علاقات واسعة مع جميع الاتجاهات، بما فيها السلطة والحكومات المتعاقبة. وفى اعتقادى أن هذه العلاقات تجلت أثناء حكم إسماعيل صدقى عام 1946، فعندما عاد إسماعيل صدقى ، املاً معه مشروع اتفاقية «صدقى - بيفين»، استدعى صدقى البنا وعرض عليه المشروع قبل أن يعرضه على شركائه فى الائتلاف - هيكل والنقراشى - ممثلى الأحرار الدستوريين والسعديين فوافق عليه البنا، والخطير أن هذا المشروع على وجه التحديد رفضه الشعب المصرى بالإجماع.. الطريف أن حسن البنا خرج فى مظاهرة «تأييد» - كالتى نراها الآن - لإسماعيل صدقى، وكان راكباً سيارة سليم زكى «باشا»، حكمدار بوليس العاصمة «المكشوفة»، وأثناء تحرك السيارة كان البنا يحيى مؤيديه بينما وقف إلى جواره حكمدار البوليس، والمثير للدهشة أنه بعد سنوات قليلة ألقى الإخوان قنبلة على سليم «باشا» وأردوه قتيلاً!
■ وزير الداخلية الأسبق أحمد مرتضى المراغى ذكر فى مذكراته أنه حينما كان مديراً للأمن العام عام 1948 طلب الشيخ البنا لقاءه فى بيته بحلوان قبل حل الجماعة بأيام.. وطلب منه التدخل لدى النقراشى لوقف قرار الحل.. كيف ترى ذلك؟
- البنا كانت علاقاته «جيدة» مع الأمن ومع غير الأمن. فقد كان فى بعض الأحيان يستخدم الجهاز السرى فى ترويع الأمن نفسه لكى يسارع الأمن باللجوء إليه. وهناك واقعة شهيرة أنه عندما اختلف البنا مع الأمن فى عام 1946، فوجئ المواطنون بتفجير عدد من أقسام الشرطة - فى توقيت واحد- وفى أكثر من مكان بما فى ذلك نقاط بوليس صغيرة كنقطة بوليس المدبح. وهذه ليست أو ادعاءات ولا افتراءات تاريخية ..ولكنها اعترافات «صلاح شادى»، مسؤول قسم الوحدات فى جماعة الإخوان!
والخطير أن صلاح شادى فى كتابه «حصاد العمر» كان يتباهى بذلك، والأخطر أنه دخل فى تفاخر مع أحمد عادل كمال - وهو أحد قادة التنظيم الخاص - حول أى منهما ارتكب جرائم «إرهابية» تجاه الموطنين الأبرياء، فى سلسلة من الفضائح أقل ما توصف به بأنها «مخجلة».
■ ما بين المقر العام للإخوان المسلمين بالدرب الأحمر خلال النصف الأول من القرن العشرين، والمقر العام للجماعة فى المقطم مع الألفية الثالثة.. كيف ترى هذا التحول المكانى؟
- فى اعتقادى أن حسن البنا كان يسعى إلى خلق مجتمع «إخوانى»، فالاتجاه نحو المقطم لن يكن وليد اليوم، وإنما كان ذلك منذ أربعينيات القرن الماضى واتجهت بالفعل عائلات إخوانية للاستقرار بالمقطم، فكانت هناك عائلات «سلام»، التى شيدت مسجد المقطم، وبدأوا التصاهر مع بعضهم البعض وربما كان تواجدهم بالمقطم باعتباره مكانا يسهل الدفاع عنه. وعلى أى حال فهم اشتروا مقرهم الجديد من المهندس كمال غنيم، وهو واحد من كبار المؤسسين فى المقطم.
■ فى تقرير من ضابط الاتصال بالإسماعيلية الصاغ «الرائد» شريف العبد، قال إنه راقب الشيخ حسن البنا بناء على تكليف من مدير البوليس السياسى أثناء إحدى زياراته للإسماعيلية للاشتباه فى اتصاله بضابط بالمخابرات البريطانية يدعى «ليز»، فيما ذهبت وثائق غربية إلى أن الجماعة حصلت على تمويل بريطانى منذ عام 1942.. ما تعليقكم؟
- فى بداية الأربعينيات اعتقل حسن البنا. وتم الإفراج عنه لأسباب غير معلومة، إلا أن الدكتور محمد حسين هيكل أشار فى مذكراته إلى أن القصر تدخل للإفراج عن البنا. وكان البنا فى هذا التوقيت متهم بأنه على علاقة بعلى ماهر وعزيز المصرى، وأن الاثنين يقومان بتمويله ويقربانه من القصر، وأنهم جميعا كانوا على علاقة بـ«هتلر» النازى وأجهزة مخابراته!
وبذكائه تشمم حسن البنا رياح المستقبل، وأبلغ السفارة الإنجليزية بأن جماعة الإخوان لن تشارك فى المظاهرات التى ستخرج هاتفة: «إلى الأمام يا روميل» فى إشارة إلى تقدم قوات المحور نحو العلمين. ومن هنا تجددت العلاقة بين البنا والسفارة الإنجليزية. وفى هذا التوقيت بدأت جماعة الإخوان فى تلقى دعم خفى وعلنى من الحكومة. فقد حصلت على إعانات لبناء المدارس، وكان وزير المعارف «العشماوى» أول من تعاطف معهم وأيدهم، وكذلك منحهم إسماعيل صدقى فرصة العمل فى حل قضية « ورق الصحف»، حيث كانت غالبية الصحف تعانى من قلة الورق لتعطل السفن القادمة من الغرب نتيجة الحرب. وبذلك تمكن الإخوان من إصدار صحفهم بكل سهولة ويسر!
■ وهل ترون أن هجوم الإخوان على القوى السياسية، يأتى فى إطار «ممنهج»، خاصة بعد حديث الرئيس مرسى عن حقبة الرئيس عبدالناصر بقوله: «الستينيات.. وما أدراك ما الستينيات»؟!
- بالتأكيد الرئيس مرسى كان يقصد بالستينيات فترة «العصف المحتدم»، بقادة الإخوان، وهو يقصد سيد قطب - على وجه التحديد - لأن الإخوان جرى العصف بهم فى 1954. والغريب أن الدكتور مرسى لم يهتم بشهداء جماعة الإخوان، وإنما صب حديثه نحو سيد قطب الذى أعدم فى الستينيات، لأنه ببساطة محمد بديع «قطبى» وامتدادات الفكر «القطبى» لا زالت مسيطرة على الإخوان.. وما زالوا يعجزون عن نقد حرف واحد من كتابات سيد قطب.. وأعتقد أن عبارة «وما أدراك ما الستينيات» تكشف انتماء الدكتور مرسى إلى أكثر المدارس الإخوانية، وحشية وتكفيرية وعنفاً.
■ البعض يرى أن الإخوان لن يرحلوا عن الحكم إلا بـ«الدم»، من هذه الآراء رأى الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى.. كيف ترون هذا الرحيل، وهل يمكن أن تتحول مصر فى يوم من الأيام إلى بحر من الدماء من أجل رحيل الإخوان بدلا من التداول السلمى للسلطة بالطرق الشرعية؟
- هذه التنبؤات مستقبلية، ولا يمكن أن تكون رؤية مستقبلية فى هذا الوقت المحدود. ولكننى أنظر دائما إلى التاريخ لأننى مهتم بذلك. وعلى أى حال من الممكن أن تقع معارك وربما تصل إلى الدم.
■ وما حكمة التاريخ هنا؟
- حكمة التاريخ تقول إنك لو نظرت إلى الوضع الحالى، فقد حمى الجيش الثورة، ولكنه أوصل الإخوان إلى الحكم، وهو ليس لديه أدنى استعداد للمجازفة!
■ إذن مفهوم «الإطاحة» مستبعد؟
- آلية الإطاحة بحكومة مستبدة وضعت لنفسها قاعدة فى 25 يناير تحت عنوان «فرض إرادة المتظاهرين» هى آلية صعبة التحقيق فى الوقت الحالى.. ولذلك هم يلجأون دائما إلى ما يصفونه بالمليونيات فى الميادين لمجابهة ذلك.
■ لكم مقولة شهيرة، وهى: «أن دولة الإخوان لو قامت ستكون دولة مكتب الإرشاد، وأنهم لو وصلوا للسلطة لن يرحلوا عنها».. فى رأيك.. مصر الآن فى أى مرحلة من مراحل حكم دولة الإخوان؟
- اسمح لى أن أضيف إليها كلمة «برضائهم».. فهم لن يرحلوا بإرادتهم.. نحن بالفعل نعيش عصر دولة «مكتب الإرشاد».. وأنا أؤكد أن القرارات الأساسية فى التعامل مع مؤسسات الدولة والحكم لا تتخذ فى قصر الاتحادية ولكن داخل مكتب الإرشاد بالمقطم!
■ قضية تمويل جماعة الإخوان عادت لتفرض نفسها على الساحة، خاصة بعد المطالبات بتقنين أوضاعها، وتحويلها إلى جمعية أهلية تخضع لرقابة الدولة.. كيف تكون هذه الإشكالية؟
- هى إشكالية حقيقية، لأنك أمام جمعية لا «ضابط ورابط» لها. فالدكتور أحمد أبوبركة مثلاً قال إن الجماعة تقدمت بطلب لتأسيس جمعية ذات نفع عام. فقمت بالرد عليه واكدت أن الجمعية ذات النفع العام لا تعمل بالسياسة.. ولم اتلق رداً مقنع!
■ قبل أسبوعين، أدلى الكاتب الكبير والمفكر السياسى محمد حسنين هيكل بحديث تليفزيونى أثار المزيد من الجدل حول جماعة الإخوان، ومن بين ما تحدث عنه حول «الاغتيالات السياسية» تأكيده بأنها ربما تكون «ثقافة متوارثة» تنتقل بين الأجيال.. هل هذه «الثقافة» موجودة بالفعل.. وهل ما حدث أمام الاتحادية هو امتداد لهذه الثقافة؟
- الشعار الرئيسى الذى كان يحرك الجهاز السرى أو التنظيم الخاص للإخوان هو «شهداؤنا فى الجنة.. وقتلاهم فى النار»، وذلك استناداً إلى مقولة شهيرة لـ«حسن البنا» تقول: «إن على الإخوان أن يدركوا فن الموت». وبالتالى فقد نشأت أجيال متتالية على هذه الثقافة، وأن من يعادى الجماعة فقد عادى الإسلام، وأن من يناصرها إنما يناصر الإسلام، وأى محاولة لانتقاد الإخوان أو برنامجهم هو انتقاد للإسلام وخروج على مبادئه.
■ هل ترى أن هذه المعتقدات هى التى تم على أساسها تخطيط «سيناريو الاتحادية»؟
- دعنا ننظر إلى الوضع العام ليس إلى حادث منفرد، هم يعتقدون أن وصول الرئيس مرسى إلى سدة الحكم هو وصول للإسلام إلى مقعد السلطة، وأن كل من يحاول أن يزيح الرئيس عن مقعد الحكم هو يزيح الإسلام. وفى هذه الحالة فإن كل من ذهب للدفاع عن الرئيس هو ذاهب للدفاع عن مبدأ «الجور على الإسلام».
■ معنى ذلك أن الجهاز الخاص أو التنظيم السرى للجماعة مازال قائماً حتى الآن؟
- بكل تأكيد الجهاز الخاص للإخوان لايزال قائماً، وهو يهدف إلى ما يسمى بـ«حماية الدعوة».
■ تحقيقات لجنة تقصى الحقائق فى أحداث ثورة 25 يناير أشارت إلى وجود تنظيم يعرف باسم «95 إخوان».. هل تعتقدون أن هذا هو التنظيم الخاص الحالى؟
- قضيتى الأساسية هى التاريخ، وليست لدى معلومات مؤكدة حتى الآن حول تنظيم «95 إخوان» ولكنى على يقين أن هناك تنظيماً خاصاً تحت عنوان «الأحرار» وهو ما ظهر خلال محاولات اقتحام مكتب النائب العام وكذلك الأزهر الشريف وحصار المحكمة الدستورية.. كل هذه الأحداث تشير إلى وجود هذا التنظيم.