x

بالوثائق.. الإخوان في ملفات البوليس السياسي (1-3)

الأحد 06-01-2013 00:44 | كتب: شريف عارف |
تصوير : اخبار

على مدى عقود طويلة من تاريخ مصر، روج الإخوان المسلمون لفكرة «الكفاح المسلح»، وأنهم استطاعوا أن يسطروا صفحات مضيئة فى عمليات القتال ضد أعداء الأمة.. فى الداخل والخارج! ولكن الواقع بالوثائق- وبشهادات قادة الإخوان أنفسهم- يثبت أن مثل هذا الترويج هو مجرد «أوهام» صنعتها المنابر والمنشورات والقصص الخيالية.

كل «أوهام الكفاح المسلح» تحولت إلى حقائق فى عقول الإخوان فقط - خاصة الشباب - حتى إنهم اضطروا لتصديقها فى النهاية، من كثرة الأساطير التى نسجت حولها، فى الوقت الذى كان هناك شبه إجماع بين المؤرخين والمعاصرين لتاريخ الإخوان على أن العمليات التى قامت بها الجماعة - سواء أعضاء التنظيم الخاص أو الشباب- خلال فترة الأربعينيات كانت عمليات غير منظمة أفقدت الإخوان الكثير من رصيدهم لدى الجماهير!

فى هذه الحلقات تنفرد «المصرى اليوم» بالكشف عن أربع وثائق خطيرة - تُنشر لأول مرة - حول علاقة جماعة الإخوان المسلمين ببريطانيا وأجهزة مخابراتها وسفارتها بالقاهرة خلال فترة حرب فلسطين، وتلقى «شعب الإخوان» أوامر لتنفيذ عمليات تخريبية فى مصر، بهدف زعزعة الأمن والاستقرار خلال فترة الحرب.

تأتى أهمية الوثائق - التى تكشف عنها «المصرى اليوم» - فى أن جميعها يدور خلال عام «الجدل الإخوانى»، وهو عام 1948 الذى شهد اتهاماً للإخوان المسلمين بالهجوم على أملاك اليهود المصريين، واغتيال الخازندار، وحرب فلسطين، إضافة إلى تصاعد التوتر مع الدولة إلى ذروته باغتيال رمز الدولة ورئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى فى نهاية العام نفسه. هذه الوثائق تفتح باباً جديداً من الجدل حول علاقة الجماعة بالغرب، وشكوك أجهزة الأمن المصرية فى تحركات المرشد العام للجماعة الشيخ حسن البنا نفسه.. ولكنها - بالطبع - لن تنهى هذا الجدل..! البنا يتوسط أعضاء أول مكتب للإرشاد بالإسماعيلية قبل شهر واحد من عام المواجهة، وتحديداً فى 29 نوفمبر عام 1947، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار الدولى بتقسيم فلسطين إلى دولتين، إحداهما يهودية والأخرى عربية فلسطينية، مما جعل القدس وما حولها منطقة دولية تقع تحت الحكم الدولى. استشعر العرب خطورة قرار الغرب فى التقسيم، الذى سيدمر المنطقة، ويغتصب أرضهم، ويزرع كيانا غير مرغوب فيه بداخلها ولذلك لم يعد هناك أمل سوى... التدخل العسكرى. ثمن المواجهة بين ديسمبر عام 1946 وديسمبر عام 1948، كان رئيس الحكومة المصرية ووزير الداخلية هو «محمود فهمى النقراشى» باشا، أخطر وأهم رجل واجه الإخوان مباشرة وتعقب أنشطتهم السرية والعلنية! هذا الرجل دفع حياته ثمناً لمواجهته مع الإخوان، وذلك عندما أقدم أحد أعضاء التنظيم الخاص للإخوان ويدعى «عبدالمجيد أحمد حسن»، على اغتياله فى 28 ديسمبر عام 1948. وفى التحقيقات اعترف الجانى بأن إقدامه على اغتيال «النقراشى» كان بسبب إصداره لقرار حل الجماعة فى 8 ديسمبر أى قبل اغتياله بعشرين يوماً! كان عام 1948 هو عام «الجدل» واحتدام الصراع المتبادل بين الجماعة ورئيس الوزراء النقراشى «باشا». أما الجماعة فقد أسست قبل هذا التاريخ بنحو ثمانى سنوات أول تنظيم سرى لها، عرف بـ«التنظيم الخاص»، الذى كان يهدف بالدرجة الأولى إلى القيام بمهام خاصة وغير تقليدية، أو كما حدد هدفه المرشد السابق للإخوان محمد مهدى عاكف بقوله: «إعداد نخبة منتقاة من الإخوان للقيام بمهمات خاصة، والتدريب على العمليات العسكرية ضد العدو الخارجى، ومحو الأمية العسكرية للشعب المصرى فى ذلك الوقت». على الجانب الآخر، سعى «النقراشى»، وهو أحد أبرز قادة الوفد فى ثورة 1919، إلى تعقب نشاط الجماعة، فمنذ وصوله إلى سدة الحكم فى 1946، اتجهت أجهزة الأمن إلى رصد تحركات الإخوان فى محاولة لكشف أسرار «تنظيمها الخاص». الوثيقة التى تنفرد «المصرى اليوم» بنشرها اليوم، تكشف عن وجود اتصالات مباشرة بين شعب الإخوان المسلمين بالمحافظات والسفارة البريطانية بالقاهرة، وأن هذه الشعب كانت تتحرك بأوامر مباشرة من السفارة. الوثيقة من ملفات «البوليس السياسى» المصرى وصادرة بتاريخ 28 فبراير عام 1948، وتمثل عرضاً لتقرير سرى أعده قسم الدعاية الشيوعية التابع للمفوضية الروسية، التى كانت تعمل فى مصر. التاريخ يعيد نفسه قبل أن نسرد تفاصيل الوثيقة فلابد أن نتوقف أمام حقيقة تاريخية مهمة فى تاريخ الإخوان، وهى أن معركتهم الدائمة غالباً ما تكون مع أجهزة الأمن التى تتعقب أنشطتهم بينما هم يحرصون دائماً على أن تكون علاقتهم طيبة - قدر الإمكان - برأس الحكم المتمثل فى الحاكم سواء كان ملكاً أو رئيساً للجمهورية. الحكمة التى تقول «إن التاريخ يعيد نفسه» تنطبق إلى حد كبير على أساليب الإخوان، التى لم تتغير من عصر إلى عصر، فكلنا نتذكر الحديث الذى أدلى به المرشد السابق لجماعة الإخوان محمد مهدى عاكف إلى مجلة آخر ساعة فى يوليو عام 2005، والذى قال فيه بالحرف «نؤيد ترشيح مبارك.. وأتمنى الجلوس معه». حديث «عاكف» لم يكن جديداً، فقد اعتادت الجماعة مغازلة «الحاكم» بدءاً من الملك فاروق وحتى مبارك مروراً بعبدالناصر والسادات. وبالرجوع إلى مجلة «الإخوان» - لسان حال الجماعة قبل ثورة يوليو - والتى كان يرأس تحريرها صالح عشماوى نائب المرشد ويدير إدارتها عبده أحمد قاسم، نجد أكثر من مفاجأة، فالإخوان الذين تحدثوا عن مفاسد الملك فاروق «يغازلونه» صراحة فى مجلتهم، ففى العدد رقم 185 من مجلة «الإخوان» الصادر فى يوم السبت 7 فبراير عام 1948 استبقت المجلة كل الإصدارات، واحتفلت بعيد ميلاد الملك فاروق والذى يوافق، يوم 11 فبراير (أى بعد صدور العدد بأربعة أيام). فى هذا العدد تتصدر صورة الملك فاروق غلاف المجلة ومكتوب أسفلها «جلالة ملك الوادى بمناسبة عيد ميلاده السعيد 11 فبراير»..! شعب الإخوان رصدت حالة الأمن المصري وتسليحه واعداده تحركات الشعب والمرشد نعود مرة أخرى للوثيقة التاريخية الخطيرة التى تنفرد «المصرى اليوم» بنشرها ونصها كالتالى: قدم قسم الدعاية الشيوعى إلى المفوضية الروسية التقرير التالى:

1- إن الخلايا الشيوعية فى القطر المصرى تراقب حالياً نشاط الإخوان المسلمين بدقة، وقد ثبت من التقارير التى قدمتها بعض الخلايا للمسؤولين أن شُعب الإخوان بدأت تتسلح بطريقة داخلية بحتة، تحت أنظار رجال الإدارة، وأن أسلحة كثيرة يحتفظ بها أفراد هذه الشُعب تحت أيديهم منتظرين الفرصة المناسبة للقيام ضد العناصر الأخرى حكومية كانت أو غير حكومية، وقد أوضح أغلب المسؤولين أن هناك اتصالات كثيرة بين الإخوان ونواب مكتبة الإرشاد المنتدبين لبعض المناطق الإخوانية، تمت تنفيذاً لتعليمات مندوبى السفارة البريطانية، وذلك لإحداث نوع من الشغب الداخلى بين أفراد الأمة وتهيئة الجو لقبول بعض المبادئ الثورية الشاذة ضد النظام الحاضر، وعدم تمكين العناصر الشيوعية من التغلغل فى الوصول إلى نتائج تساعدهم على النجاح. 2- عرف - أيضاً - بعد حصر المناطق ومقارنتها بالعناصر الأخرى من حيث التكامل الجنسى بين الأفراد أن العناصر الشيوعية تتمتع بنشاط نسائى للدعاية، وهذا له أثره فى كثير من الأحول التى يطلب فيها القيام بمهمات سرية لها خطورتها. ويمكن القول إنه قد صار تنظيماً لنشاط شيوعى نسائى داخلى فى جميع عواصم ومراكز القطر الكبيرة ولا يمكن أن يجاريها أى حزب آخر. 3- كتب الشيخ عبدالعزيز حمودة - الواعظ بالأزهر - فى تقريره عن نواحى النشاط المختلفة للعناصر الحكومية التى تعمل فى داخل البلاد، وأفهم جيداً أن هذه العناصر تعمل لصالح فكرة معينة هى مقاومة نشاط الأحزاب المعادية للحكومة، كما كتب الشيخ أحمد عبدالرحيم الشحات - الواعظ أيضاً - مذكرة تفيد بأن الإخوان المسلمين يقومون بدعاية داخلية ضد الأفراد القائمين بالحكم.

4- ثبت لقسم الدعاية أن هناك دراسات يقوم بها بعض أفراد من الإخوان المسلمين فى مناطق مختلفة تتعلق بموضوعات تمس الأمن العام، وذلك بأنهم يكتبون تقارير ويدونون فى سجلاتهم ما يساعدهم على تفهم مدى قوة الأمن العام المصرى، من حيث العدد والأسلحة فى كل مركز من مراكز القطر، وأن الأستاذ «البنا» قد عقد فى اليوم التالى للانفجار الذى حدث فى إحدى دورهم اجتماعاً حضره أعضاء مكتب الإرشاد وأشخاص آخرون من مناطق القاهرة المختلفة، وقد أفهمهم فيه أن الشيوعيين بدأوا يتعقبون خطواتهم، وأنه قد نظم - بطريقة سرية- الأنظمة التى يمكنه التخلص بها من نشاطهم عن طريق القلم السياسى بالمحافظة، وذلك بالتمهيد لهذه المقاومة بتقديم جميع البيانات عن هذا النشاط، وقد قدم قسم الدعاية مذكرة تشير إلى بعض الخطابات، المتبادلة بين الأستاذ حسن البنا ومحمد بك إمام إبراهيم فى هذا الموضوع.

5- إن قسم الدعاية يرى ضرورة الاعتماد على نشاط الخلايا الشيوعية فى الأقاليم لإبعاد كل مقاومة تحاول أن تصادفها السلطات فى طريقهم عن طريق تقوية العناصر المعادية لهم، وأن قسم الدعاية يرى وجوب مقاومة هذه النواحى المختلفة بزيادة المصاريف التى تنفق على سبيل المساعدة للمسؤولين. إلى هنا انتهى نص الوثيقة.. ولعل أهم ما يلفت النظر فى المعلومات الواردة بها أن هناك عدة جهات داخلية وخارجية كانت ترصد جميع تحركات الأحزاب والجماعات فى مصر، قبل دخول الجيوش العربية إلى فلسطين، وهو ما يعنى تعاظم النشاط «المخابراتى» فى تلك الحقبة، ومحاولة عدة أجهزة التقرب من العناصر القيادية المتحكمة فى الشارع المصرى، وهو ما انعكس - بالضرورة - على الأداء السياسى للأحزاب والقوى المصرية خلال هذه الفترة. ولكن المعلومات الرئيسية المثيرة للجدل فى الوثيقة هى أربع معلومات على وجه التحديد، أولها أن شُعب الإخوان بدأت تتسلح للمواجهة مع جهات حكومية وغير حكومية، وثانيها أن هناك اتصالات «كثيرة» بين الجماعة ونواب مكتبة الإرشاد المنتدبين لبعض المناطق الإخوانية، وإن هذه الاتصالات تتم تنفيذاً لتعليمات مندوبى السفارة البريطانية بهدف إحداث نوع من الشغب الداخلى! أما المعلومتان الأكثر خطورة فهما الثالثة التى تشير إلى قيام أفراد من جماعة الإخوان بإعداد تقارير عن حالة الأمن المصرى، ومدى «قوة الأمن العام من حيث العدد والأسلحة فى كل مركز من مراكز القطر»!

وتبقى المعلومة الرابعة والأخيرة «الأكثر توهجاً»، فهى تشير إلى علاقة مباشرة بين المرشد العام للجماعة الشيخ حسن البنا والبوليس السياسى، حيث إنه - أى البنا - قد اتفق - بطريقة سرية - على التخلص من الشيوعيين الذين يشكلون خطراً على الجماعة، وأنه كانت هناك «خطابات متبادلة» بين المرشد العام ومدير البوليس السياسى محمد إمام إبراهيم «بك» فى هذا الموضوع! وبرؤية تحليلية للوثيقة نجد أن الاتصالات كانت قائمة بالفعل بين الجماعة والبوليس السياسى، الذى كان يمثل أحد أهم أجهزة محمود فهمى النقراشى «باشا»، رئيس الوزراء، الذى اصطدم معه الإخوان بعد شهور قليلة من هذا التاريخ، وهو ما سيتضح فيما بعد عندما يشعر «البنا» بأن هناك اتجاهاً لحل الجماعة! اتصالات ومعارك ورغم هذه الاتصالات السرية، فإن الشكل المعلن كان يمثل معركة يقوم بها الإخوان ضد النقراشى وجهاز الأمن المتمثل فى البوليس السياسى. ففى نفس توقيت الوثيقة التى تشير للاتصالات «السرية» فإن مجلة «الإخوان المسلمين» لسان حال الجماعة - تنشر مقالاً افتتاحياً تحت عنوان «إدارة الأمن العام تتطوع للدعاية للشيوعية فى مصر»، وكتبه أحد أعضاء الجماعة ويدعى محمد فتحى محمد عثمان معرفاً نفسه بأنه حاصل على ليسانس الآداب من جامعة فؤاد. قال الكاتب فى مقاله - الذى أفردت له المجلة صفحة كاملة - «لا يمر يوم من الأيام إلا وتحشد إدارة الأمن العام قضها وقبضها. وهيلها وهيلمانها للقبض على العمال الذين يريدون أن يتنفسوا ليطالبوا بحقهم فى الحياة، الذين آمنوا بهذا الحق فدافعوا عنه». ففى كفر البرامون أراد الناس أن يشعروا بإنسانيتهم، وأراد الإخوان المسلمون الذين علمهم دينهم كرامة الحياة وعزة المؤمنين أن يعلنوا جهادهم فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والوالدان، فكانت الشيوعية هى التهمة التى بمثابة سيف الجلاد المصلت على الرؤوس، خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم فى سلسلة ذرعها سبعون ذرعا فاسلكوه، إنهم لا يؤمنون بسادة الإقطاع جبابرة دون الله، وإذن فهم شيوعيون، فيقتلون أو يصلبوا، ولتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ولينفوا من الأرض، واسأل القرية هناك، تبينك عن المغارم والمآثم، التى ارتكبها الغلاظ الشداد من زبانية «الفزع» لا «الأمن»، مما أفاضت فيه زمليتنا المجاهدة «الفكر الجديد» فى عدده الأخير. وفى المحلة الكبرى، أراد العمال أن يستنكروا البغى الذى ينهى عن الله، وأن ينشدوا العدل الذى أمر به، فطالبوا بحقوقهم.. فحاصر البوليس المصنع، واستدعيت فرقة جيش للإرهاب والتنكيل، وقبض على خمسة وثمانين عاملاً يعولون خمس وثمانين أسرة من هذه الأمة، وقدموا للمحاكمة بتهمة أنهم شيوعيون، وإن كان منهم إخوان مسلمون لهم من دعواتهم رجاء ووقاء وكفاء وغناء، ووقف الدفاع فى المعارضة يدلى بحجته أن الشيوعية شىء، والمطالبة بالحقوق شىء آخر. وبين سطور المقال يوجه الكاتب انتقاداً «لاذعاً» لأسلوب «النقراشى» فى إدارة الحكومة ولأجهزته الأمنية قائلاً: ومنذ أيام قلائل، ضاقت بعامل سبل العيش، فكتب كتابا لدولة رئيس الوزراء، وطاش به الجوع، وحال أمه المريضة، فكان لقاؤه نبوة وزلقة فى خضم آلامه. فقبض عليه ونكل به فعرض مأساته على الناس، وهل يعقل أن يوقع الذى ينوى إجراماً على دليل إدانته بخطه واسمه، إلا إن كان يريد من وراء ذلك رحمة تنزل به تخفف بإساءة، لا نقمة تعاقبه على ظلمات نفسه وآلامه، لكنها إدارة الأمن العام تريد أن تكافح الشيوعية..! مجلة الإخوان تحتفل بميلاد الملك فاروق وعاكف يتمني الجلوس مع مبارك غسل الأدمغة! لعل أهم ما يهدف إليه تنظيم الإخوان على مدار تاريخه - منذ نشأته وحتى اليوم - هو «غسل الأدمغة»، خاصة بين تجمع الشباب، وهو ما أشار إليه على عشماوى - آخر قادة التنظيم الخاص - فى مذكراته قائلاً: «لا رابطة أقوى من العقيدة، ولا عقيدة أقوى من الإسلام»، هذه الصيحة كانت كلمة حق يراد بها باطلاً، فقد كانت النداء الذى سيطر به الإخوان على شباب هذه الأمة، ثم قاموا بغسل أدمغتهم والسيطرة عليهم يوجهونهم إلى أى اتجاه - ومن هذا النداء انبثقت وسائل السيطرة وهى البيعة والسمع والطاعة، ذلك أن الشباب حين يدخل الجامعة لابد أن تكون له بيعة، والبيعة على مجموعات النظام الخاص، وهو النظام الخاص للجماعة باستعمال المصحف والمسدس! لكن هناك تعليقاً فى مذكرات «عشماوى» على مقولة للأستاذ سيد قطب، التى أكد فيها «أن أى تنظيم يطبع أفراده بصفته، لو كان إجرامياً خرج الأفراد مجرمين، وإذا كان صهيونياً خرج الأفراد معجبين بالصهيونية». فى المعسكرات بلا حرب! يعلق «عشماوى» على مقولة قطب قائلاً:

«إن قيادة النظام الخاص كانت مخترقة من الأجهزة الغربية الاستعمارية وتعمل لحسابها، وإن جميع الأعمال الكبرى التى يتفاخر بها الإخوان فى تاريخهم قد تم تفريغها من نتائجها، فمثلاً حرب فلسطين التى يفخر بها الإخوان باستمرار، فإنهم دخلوا معارك قليلة جداً فيها، ثم صدرت لهم أوامر بعدم الدخول فى معارك بحجة أن هناك مؤامرة لتصفية المجاهدين، لكن هذا كان مبرره فى الأساس حماية اليهود من إحدى القوى الخطيرة إذا استعملت، وتم تنفيذ الأوامر، وظل الإخوان فى معسكرهم لا يحاربون إلى أن عادوا من فلسطين!». كان شباب الإخوان فى غاية التوتر والقلق لعدم اشتراكهم فى المعارك، لدرجة أنهم اجتمعوا، وقرروا أن الشيخ محمد فرغلى «قائد كتائب الإخوان فى حرب فلسطين، عضو مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين، ورئيس منطقة الإسماعيلية والقناة» قد خان وينبغى تصفيته، وفعلاً قرروا ذلك لولا أن الخبر قد وصل إلى الشيخ، فاجتمع بهم، وشرح لهم الأمر، وأطلعهم على الأوامر التى صدرت له من القاهرة وأسبابها. ومثلاً هناك واقعة حادث فندق الملك جورج بالإسماعيلية عام 1947، وقد كان هذا الفندق يعج بالإنجليز وبالجواسيس من جميع الأشكال، وقد أراد الإخوان ضرب هذا الفندق، لكن حين تم التنفيذ تم إفراغ العملية من أى تأثير ضار بالإنجليز، وكان من نتيجة ذلك أن قتل منفذ العملية دون أدنى ضرر بالإنجليز! ويضف «عشماوى» فى مذكراته: بدأت أراجع أعمال الإخوان، التى كانوا يعتبرونها أمجاداً لهم، وبعد معرفتى بعلاقات العمالة والتبعية من بعض قادة الإخوان، التى أكدها لى المرحوم سيد قطب، منهم عبدالرحمن السندى، أحد أبرز قيادى التنظيم الخاص، الذى نفذ عمليات نسف المحال اليهودية خلال حرب فلسطين، واغتيال الخازندار فى 22 فبراير 1948»، والدكتور محمد خميس حميدة الذى كان وكيلاً للجماعة، وكذلك أحد أصحاب المطابع الكبرى، وكان من كبار الإخوان وعميلاً للمخابرات البريطانية!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية