بعد نحو 6 شهور إلا قليلا من توليه الرئاسة، تظل العلاقة بين الرئيس محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين هى الأكثر غموضا لعامة الناس، لكنها واضحة للبعض، خاصة ممن انفصلوا عن «الجماعة» ومكتب الإرشاد فى الفترة التى أطلق الرئيس فيها عدة قرارات اتسم بعضها بالتسرع والآخر بـ«المبهمة» وكانت صادمة على كافة المستويات سواء للنخبة أو الشارع المصرى، خرجت معظمها كـ«تسريبات» من مكتب الإرشاد وحزب الحرية والعدالة، لغرض غير معلوم أو لـ«حاجة فى نفس يعقوب»، وبات الشعب المصرى مرهونا بين رئيس جاءوا به بانتخابات تجرى لأول مرة فى تاريخ مصر، وجماعة لا تعرف أهدافها الحقيقية.
ووفقا للمدة المتبقية لحكم مرسى، فإن هناك 3 سنوات و6 شهور، بكل تفاصيلها وأحداثها التى لاتزال فى حكم الغيب، ولا يعرف الشعب المصرى من سيحكم بلده: هل سيكون «قصر الاتحادية» صاحب الرأى والقرار، أم يبقى «مكتب الإرشاد» هو صاحب اليد العليا فى البلاد، ويظل «مرسى» - كما يراه البعض - موظفاً تابعاً للجماعة فى «الاتحادية»، أو كما يقال عنه رئيس مجلس الإدارة «الصورى» الذى يدير خلفه العضو المنتدب، كما حلل كثيرون المشهد، فى ظل ما تم خلال الشهور الماضية.
5 قرارات كانت حصيلة الشهور الستة التى حكم فيها «مرسى» وجماعته، وعلى الرغم من أن الرئيس لديه 17 مستشارا فى المجالات كافة، لكنه بدا للجميع أن رأيهم بلا أهمية لديه، وأن مكتب الـ 16 قيادياً، المعروف بمكتب الإرشاد بالمقطم، هو المتحكم والمسيطر الرئيسى عليه، وهو ما ظهر من تصريحات المستشارين، ومن بينهم الكاتبة سكينة فؤاد، وأيمن الصياد، والدكتور سيف الدين عبدالفتاح، بأن الرئيس لم يستشرهم فى أى قرار أصدره، وبالتالى يصبح وجودهم بلا قيمة، ولهذا تقدموا باستقالاتهم.
لم يكن محمد مرسى فردا عندما اختاره نصف الناخبين لكى يكون رئيسا للجمهورية، ولكنه كان جماعة، وعلى وجه الدقة نستطيع أن نقول: «انتخب الناخبون جماعة الإخوان».. هكذا حلل الدكتور ثروت الخرباوى، القيادى المنشق عن الجماعة، انتماء «مرسى» لجماعته، وأن الشعب المصرى انتخب الإخوان وليس «مرسى»، وقال لـ«المصرى اليوم»: نعم انتخب الشعب الجماعة، بغض النظر عن سبب هذا الانتخاب، انتخبوها حبا فيها أو كراهية فى المجلس العسكرى أو كراهية فى «شفيق»، أو انتصارا للثورة، المهم أنهم انتخبوها.
كان «المشهد» واضحا لايحتاج إلى تأويل سياسى: مجموعة من شباب الإخوان، وأعضاء حزب الحرية والعدالة، يتوافدون على شارع 26 يوليو، حيث مقر دار القضاء العالى، الذى يقع فيه مكتب النائب العام، وقفوا بلا ترتيب وازدادوا عددا فى الساعة الرابعة عصر يوم 21 نوفمبر الماضى، تساءل الكثيرون عن هذا الحشد، ولم يعرفوا الإجابة إلا بعدها بنحو 3 ساعات، عندما أصدر الرئيس قراره بإعلان دستورى جديد، وإقالة النائب العام الدكتور عبدالمجيد محمود.
وبات المشهد واضحا: الرئيس يصدر قرارا اتخذه مكتب الإرشاد ثم ترسل الجماعة بميليشياتها فى أى مكان تريده، قبل الإعلان عن قرارها لتحصينه ضد أى اعتراض».
«الدكتور مرسى هو رقم «7» فى جماعة الإخوان، ولايزال يحمل أفكار هذه الجماعة، ويعطى ولاءه لها، وسيظل طيلة الوقت يتصرف باعتباره جزءا منها، ويعلم أن هناك من هو أعلى مرتبة منه، ومن ثم عليه أن يمتثل له أو ينسق معه».. هكذا كان رأى الدكتور عمار على حسن، الباحث فى الشؤون الإسلامية، حول علاقة «مرسى» بجماعته عند اتخاذ القرار، وقال إن الرئيس يدرك جيدا أن ترشحه ماكان يمكن أن يكتمل أو يكتب له النجاح إلا بامكانات الجماعة المادية والتنظيمية.
لم يكن قرار الإعلان الدستورى الأخير، الذى ألغى عقب الموافقة على تمرير الدستور منذ عدة أيام، والذى بسببه عادت المليونيات واعتصامات القوى السياسية إلى الشارع المصرى من جديد - هو المثير للجدل للدكتور مرسى، ولكن كان هو الأخطر على الإطلاق، ومع قرارات تلغى بعدها مباشرة وأخرى تثير الجدل، كان يخرج قيادات جماعة الإخوان لينفوا أن هذه القرارات ليس لهم صلة بها من قريب أو بعيد، ومع ذلك كان تصريح الدكتور محمود حسين، الأمين العام للجماعة عضو مكتب الإرشاد، صادما للشارع المصرى، عندما أكد أن قرار الإعلان الدستورى خرج من مؤسسة الرئاسة، ولكن لن يتراجع عنه الرئيس مرسى، وتحدث وكأنه «لسان مرسى».
«الرئيس والجماعة والمجتمع».. عنوان بسيط اختاره الدكتور سمير نعيم، أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة عين شمس، ليصف بها حالة الرئيس والجماعة مستقبلا، فقال: «يخطئ من يظن أن الرئيس مرسى أو أى رئيس آخر فى أى بلد فى العالم يمكن أن تكون له استقلالية عن الجماعة التى أوصلته إلى الرئاسة، سواء كانت هذه الجماعة دينية مثل الإخوان المسلمين فى مصر، أو حزبا سياسيا مثل الحزب الديمقراطى فى الولايات المتحدة الأمريكية. كما يخطئ من يظن أن أى جماعة ينتمى إليها الرئيس يمكن أن تكون مستقلة عن مجمل البناء الاجتماعى للبلد الذى توجد فيه».
لكن هناك رفض للحوار مع القوى السياسية المختلفة، فبالرغم من إعلان «الاتحادية» أكثر من مرة استعداداها للحوار مع القوى المختلفة، نجد الجماعة ترفض ذلك، فيؤجل الاجتماع إلى أجل غير مسمى، وهو ما فسره الدكتور سمير نعيم قائلاً: «إن الرئيس مرسى منفذ جيد لأهم أسس فلسفة الجماعة الدينية الأصولية، والتى تشترك فيها مع كل الجماعات الأصولية فى «المسيحية» و«اليهودية»، بل الجماعات الأصولية السياسية التى عرفتها مختلف المجتمعات مثل الماركسية الأرثوذكسية والفاشية والنازية.
كان خطاب «مرسى» عقب الإعلان الدستورى أمام «أهله وعشيرته» من أعضاء الجماعة - القشة التى قصمت ظهر البعير، فظهر «مرسى» وهو يحتمى بأحضان جماعته، بعد الإعلان الدستورى الأخير، وأغلق «حضنه» الذى فتحه أمام الجميع فى التحرير - حيث مكان الثورة - وأنه لايخشى الموت، ولكن يبدو تأثير قيادات الإخوان التى ألتفت حوله أمام «الاتحادية»، وظهر «مرسى» بأنه «المطيع» لهذه الجماعة، وأن الاتحادية أصبح «بيت الجماعة الثانى» بعد المقطم.
وعملا بالآية الكريمة: «... وشهد شاهد من أهلها...»، كان رأى الدكتور ثروت الخرباوى حول علاقة «مرسى» وجماعته بحكم مصر: «المشروع الذى يشغل بال الجماعة فهو مشروع (فتح مصر) تمهيدا لدولة الخلافة التى هى المشروع الأكبر».
فيما اعتبر الدكتور محمد حبيب، القيادى المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين، أن الفترة الماضية من حكم الدكتور مرسى وضح فها تأثيرات الرئيس على الجماعة، والعكس، وكانت هذه التأثيرات بعضها إيجابية وبعضها سلبية.
وأكد أن الدكتور مرسى فى أمس الحاجة إلى الجماعة، أو بمعنى أدق قيادة الجماعة، وذلك لدعمه وتأييده فى القرارات التى يتخذها، خاصة أن الرجل يتعرض لهجوم شرس وضارٍ من القوى السياسية والثورية وبعض وسائل الإعلام، معتبراً أنه من البديهى والطبيعى أن يستشير الرئيس و«يستأنس» بآراء مكتب الإرشاد فى بعض القضايا المهمة، خاصة أن الرجل حديث عهد بهذه المسؤولية الضخمة.