بسم الله الرحمن الرحيم
«واعتصموا بحبل الله جميعًا ولاتفرقوا»
الحمد لله على نعمه الكثيرة علينا، على مصر وأهلها، «وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها»
ــ أيها المصريون جميعاً..
ــ الســيدات والسـادة..
نقف اليوم لنحتفي ونحتفل بدستورنا الجديد، إنه يوم تاريخى مشهود، لقد أصبح لمصر وللمصريين دستور حر ليس منحة، من ملك ولا فرضاً من رئيس ولا إملاء من مستعمر، ولكنه دستور اختاره شعب مصر بإرادته الحرة الواعية ومنحه لنفسه، واستطاع هذا الشعب العظيم أن يثبت للعالم أجمع أن حضارته الضاربة في أعماق التاريخ مازالت حية في واقعه، فقد تم الاستفتاء في شفافية كاملة، وبإشراف قضائى كامل ومراقبة من الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، وفي ظل إقبال المواطنين وتعاونهم وحماية من جيش الشعب وشرطته، فتحية للشعب الذى خرج ليقول كلمته، وتحية للجنة العليا للإنتخابات وهي لجنة قضائية، ولرجال القضاء الشرفاء الذين كانوا حريصين على أن يعبر الشعب عن إرادته، وتحية لقواتنا المسلحة الباسلة التي تحمى الحدود، ولا تتخلف عن داعي الوطن والشعب إذا دعاها، وتحية للشرطة المصرية التى ستظل أمينة على واجبها، تحمي الأمن وتصون الحقوق وتلتزم بالقانـون.
ومن هنا فإننى أتوجه بالشكر والتقدير إلى هؤلاء وإلى كل من شارك في إدارة هذا العمل الوطني الكبير من الرجال والنساء العاملين المدنيين، أمناء اللجان، ومعاونيهم، من أجل أن ننهى هذه المرحلة إلى مرحلة جديدة من عمر الوطن، مرحلة أكثر أمناً لأبنائه وبناته.
لقد عشنا جميعاً أياماً وأسابيع من الترقب والقلق حرصت فيها بحكم مسؤوليتى أن ينتقل الوطن إلى بر الأمان، وأن ننهى فترة انتقالية طالت لمدة ما يقرب من سنتين، تكلف فيها اقتصاد الوطن وأمنه الكثير.
شهدت تلك المرحلة جدلا سياسيا كبيراً حول عملية صياغة الدستور في مراحلها المختلفة، واتخذت القوى السياسية مواقف مختلفة، وهو أمر طبيعي في ظل مجتمع يتحرك نحو الديمقراطية، والتنوع في الرأي، وهذه ظاهرة صحية، تستفيد منها المجتمعات الحرة، حيث تتعدد الأفكار، والآراء، ويختار الشعب منها ما يراه معبرا عن طموحاته ومصالحه، وللأسف فإن البعض لم يدرك الفارق بين حق التعبير السلمي عن الرأي، وهو حق أصيل أكدته ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، وبين اللجوء للعنف ومحاولة فرض الرأي عن طريق تعطيل المؤسسات العامة وترويع المواطنين.
وإذا كنا جميعا نرحب بالاختلاف في الرأي، فإننا جميعاً نرفض العنف والخروج عن القانون، ونؤكد أن ثورة الخامس والعشرين من يناير ضربت مثلا للعالم كله على سلمية العمل الثوري والسياسي والتزامه بمستوى رفيع من الخلق والتحضر.
ومهما كانت مصاعب المرحلة السابقة فإنني أراها بمثابة آلام ولادة فجر جديد، فقد أثبت الشعب المصري مرة أخرى قدرته على تجاوز الصعاب والتقدم إلى الأمام، على طريق استكمال بناء مؤسساته الديمقراطية.
نعـم.. كان هناك خلال هذه الفترة المؤقتة أخطاء وعثرات من هنا وهناك، وأتحمل معكم المسؤولية في هذه الفترة، ويعلم الله أننى لا أتخذ قراراً ولا أمضى في إجراء إلا لوجه الله ومن أجل مصلحة الوطن، فلست من عشاق السلطة، ولا من الحريصين على الاستحواذ عليها، كل ما أتمناه هو نهضة بلدي، والانتقال بـه إلى مرحلة جديدة نبدأ فيها معاً ملحمة بناء وإنتاج، مرحلة جديدة هى كما قلت قبل ذلك العبور الثالث الذى تحتاجه مصر بعد الثورة العظيمة، ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.
ولقد صممت على إنفاذ إرادة الشعب في أن يكون لمصر دستور تستقر به الأوضاع، وتقوم عليه المؤسسات، ويفتح الباب أمام التنمية والتقدم والعدالة الاجتماعية، وفي سبيل ذلك تحملت مسؤولية اتخاذ الكثير من القرارات الصعبة، إيمانا منى بضرورة أن يكون هذا الدستور ميثاقاً ثابتاً نرجع إليه جميعاً ونحتكم إليه، وهو دستور يجعل رئيس الجمهورية خادماً للشعب، محدد الصلاحيات وليس سيدا مطلقاً، ولا حاكما مستبداً.
والحمد لله، بإقرار هذا الدستور انتقل التشريع إلى ممثلي الشعب في مجلس الشورى حتى إتمام بناء السلطة التشريعية بانتخاب مجلس للنواب، وبذا يكتمل نظامنا الديمقراطي، رئيس منتخب، وبرلمان قوي يشرع ويراقب، وسلطة قضائية مستقلة، وحكومة لا تعين إلا برضا ممثلي الشعب في البرلمان.
وأود هنا أن أنوه بالموقف الوطنى النبيل للمستشار محمود مكي، ابن القضاء، نائب رئيس الجمهورية، الذى أدى دوره بكل قوة وإخلاص، من أجل إقرار دستور مصر الثورة، وهو يعلم أن هذا الدستور لا ينص على وجود نائب للرئيس.
إن الدستور الذى أقره الشعب جاء معبرا عن روح ثورة 25 يناير المجيدة، فقد قام على حق المواطنة، حيث يستوي الجميع بغير تفرقة ولا تمييز، دستور يعلى كرامة الإنسان، ويصون حرياته، ويؤكد أن كرامة الفرد من كرامة الوطن، وأنه لا كرامة لوطن لا تكرم فيه المرأة، دستور يضمن لقمة العيش للكادحين ويجعل العمل، والسكن، والتعليم، والصحة، حقوقاً تكفلها الدولة، ويضمنها القانون، دستور يكفل حرية الفكر والرأي والإبداع، ويرسخ لقيم الاعتدال والوسطية، ويجعل من سيادة القانون أساسا لحرية الفرد ولمشروعية السلطة.
دستور يجعل من الوحدة الوطنية فريضة وركيزة لبناء الدولة، دستور يحمى حقوق العمال والفلاحين ويحافظ على الملكية، فلا مصادرة لحقوق أحد، دستور يسمح بتكوين الأحزاب وإصدار الصحف بمجرد الإخطار، دستور يحافظ على هوية مصر العربية والإسلامية، ويؤكد ريادتها الفكرية والثقافية، ويؤسس لدورها الحضاري الإنساني في العالم كله.
لقد أقر الشعب الدستور بأغلبية قاربت الثلثين، ولكني أقرر أن قطاعاً محترماً من شعبنا قد اختار أن يقول لا، وهذا حقهم لأن مصر الثورة لن تضيق أبداً بالمعارضة الوطنية الفاعلة، فلمن قال لا ولمن قال نعم، أتوجه بالشكر، لأننا لا نريد أن نعود إلى عصر الرأي الواحد، أو الاغلبيات الزائفة المصنوعة، نتيجة الاستفتاء تدل على نضج ثقافي وديمقراطي حقيقي، يبشر بأن مصر قد مضت في طريق الديمقراطية بغير عودة إلى الوراء.
من أجل بناء الوطن، لابد أن تتكاتف الجهود، ولذا أصبح الحوار ضرورة لابديل عنها، نسعى جميعاً في إطاره إلى التكامل والتوافق حول قضايا المرحلة المقبلة، ومن هنا فإننى أجدد الدعوة لكل الأحزاب والقوى السياسية للمشاركة في جلسات الحوار الوطني، الذى أرعاه بنفسي، والذي تبدأ جولته الخامسة برئاسة الجمهورية، اليوم الأربعاء، من أجل استكمال خريطة الطريق لهذه المرحلة، وسأكون دائماً كما عاهدت شعب مصر العظيم خادماً لهذا الشعب، لا أدخر جهداً في العمل مع كل أبنائه لصالح مصر والمصريين.
ــ السيدات والسادة ..
إن الأيام القادمة أيام عمل وجهد من الجميع، وسوف أبذل كل جهدي معكم من أجل دفع الاقتصاد المصرى الذى يواجه تحديات ضخمة وأيضاً يمتلك فرصاً كبيرة للنمو، وسوف أقوم بكل التغييرات الضرورية التى تحتاجها هذه المهمة من أجل نجاح مصر، ووضع مسار التنمية الشاملة في بؤرة اهتمام الجميع، وفي هذا الإطار أود أن أوضح أن الحكومة الحالية التى بدأت عملها منذ الثانى من أغسطس الماضي، تؤدى دورها قدر المستطاع في ظروف صعبة، نعم هناك مشاكل ونحتاج إلى المزيد من الجهد والعمل، وقد كلفت الدكتور هشام قنديل رئيس الحكومة، وأتشاور معه لعمل التعديلات الوزارية اللازمة، التى تناسب هذه المرحلة، لمواجهة كل المشاكل الصغيرة والكبيرة، والمسؤوليات، وذلك حتى تكوين مجلس النواب الجديد طبقاً للدستور.
إننى أشعر بالمواطنين الأقل دخلاً في المجتمع المصري، وأحس بما يعانونه في هذه الأيام، ولن أسمح، رغم التحديات التى نواجهها والتى ورثناها جميعاً من العقود السابقة، أقول لن أسمح بأن يتحملوا مزيداً من المعاناة، وسأعمل مع الحكومة وكل مؤسسات الدولة على تقديم أفضل ما يتحمله الأقتصاد المصري من دعم لهم، وستشهد الأيام القادمة انطلاق مشاريع جديدة، في مجال الخدمات، والانتاج، وحزمة من التسهيلات للمستثمرين، لدعم السوق المصرية واقتصادها.
ــ السيدات والسادة..
ونحن نبدأ هذه المرحلة من التحول والانتقال من الجمهورية الأولى إلى الجمهورية الثانية، الجمهورية التى نرسى أساسها القوي بهذا الدستور الذى منحتموه لأنفسكم، أُجدد العهد والقسم أمامكم بأن أحترم القانون والدستور، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأحافظ على الوطن وسلامة أراضيه.
حمى الله وطننا الغالى مصر، ووقى الله الشعب من كل مكروه وسوء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.