طلب الرئيس الأمريكى باراك أوباما موافقة الكونجرس لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا، هو خطوة «نادرة» من رؤساء الولايات المتحدة لشن عمليات عسكرية فى الخارج.
ورغم أن الدستور الأمريكى يمنح الكونجرس سلطة «إعلان الحرب»، لكن المرة الأخيرة التى صدر فيها إعلان رسمى تعود إلى الحرب العالمية الثانية، حيث تجنب كل الرؤساء الأمريكيين هذه العبارة عملياً، وشنوا عمليات عسكرية أو حملات غزو برى أحادية الجانب عشرات المرات باسم الصلاحيات الدستورية التى يتمتع بها قائد الجيوش الأمريكية.
وبعد حرب فيتنام، ورغم اعتراض الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون، صوت البرلمانيون على «قرار سلطات الحرب» لإجبار الرئيس على الحصول فعليا على موافقة الكونجرس لكل تدخل فى «أعمال عدائية» تستمر أكثر من 60 يوما.
أما فى العراق عام 2003، فحصل الرئيس الأمريكى جورج بوش على مثل «هذا التصريح لاستخدام القوة العسكرية»، لكن معظم الرؤساء رأوا أن هذا البند مخالف للدستور واكتفوا بإبلاغ الكونجرس بأى عملية لنشر القوات.
ففى ديسمبر 1995، أمر الرئيس بيل كلينتون بنشر 20 ألف جندى دعما لقوة حفظ السلام التابعة لحلف شمال الأطلنطى (الناتو) فى البوسنة والهرسك بعد توقيع اتفاقات «دايتون» للسلام، لكن الكونجرس لم ينجح بعد ذلك فى التفاهم على عدة مشاريع قرارات تدعم أو تمنع التدخل.
ولم يجز الكونجرس عمليات الغزو البرى فى الصومال (1992) وهايتى (1994) ولا الضربات الصاروخية لأفغانستان والسودان فى 1998، ردا على اعتداءين استهدفا سفارتى الولايات المتحدة فى كينيا وتنزانيا.
وبرر «أوباما» مؤخراً فى 2011 التدخل فى ليبيا باسم قرار فى مجلس الأمن، وطالب أيضاً الكونجرس بمشاورته دون جدوى. أما بالنسبة لسوريا فقد رأى أن تصويتًا في الكونجرس حسب الأصول سيمنحه دعما سياسيا قوياً، بينما يشهد الرأى العام انقساما فى هذا الشأن.
ورغم أن «أوباما» قال إنه لم يتخذ بعد قرارا، يبدو أنه يميل نحو التدخل العسكرى منذ أن أشارت تقارير مبدئية من مستشاريه إلى أن الرئيس السورى بشار الأسد استخدم الأسلحة الكيماوية لقتل مدنيين أبرياء قرب دمشق.
إلا أنه بعد أسبوع من تمهيد الأرض لشن هجوم على أهداف محددة بدأ أوباما فى التردد إزاء القيام بعمل فورى، خاصة بعد خروج بريطانيا، أوثق حلفاء واشنطن، من ائتلاف دولى بعد تصويت برلمانها بالرفض، وهو القرار الذى أثر على الرئيس الأمريكى.
وعلى الصعيد الأمريكى الداخلى، شكا الزعماء الجمهوريون فى الكونجرس، الذين يتحكمون فى مصير أجزاء كبيرة من أجندة أوباما للسياسة الداخلية، من عدم تشاور البيت الأبيض معهم قبل دخول حرب جديدة محتملة.
يأتى ذلك فى الوقت الذى أظهرت فيه استطلاعات الرأى أن الأمريكيين الذين أرهقتهم الحروب، مازالوا يعارضون تورط الولايات المتحدة فى سوريا. وتجمعت هذه العوامل الداخلية والخارجية لتجعل الرئيس الأمريكى يقرر انتظار موقف الكونجرس. وتبدو نتيجة التصويت فى الكونجرس الأمريكى على توجيه ضربة لـ«الأسد» غير محسومة، إذ إن الأمر يتطلب إقناع عدد كبير من البرلمانيين بمن فيهم أعضاء فى الحزب الديمقراطى.
ويعتقد المراقبون أن يصوت الكونجرس فى النهاية بالموافقة على إجراء سيحمى إسرائيل والأردن حليفى الولايات المتحدة، خاصة أن الرفض سيعد أكبر خطر يواجه خطة «أوباما» الجديدة، حيث يثير ذلك شكوكا خطيرة فى قدرة أوباما على القيادة فى الشرق الأوسط.
ويرى محللون أن «الأسد» قد يستغل هذا الوقت لنقل أسلحة إلى مناطق مأهولة بعدد أكبر من السكان، وقد تؤدى أى مناقشة حادة فى الكونجرس إلى توتر العلاقات المتوترة أصلا بين البيت الأبيض والكونجرس.